الدور الإقليمي:
لماذا تلوح إيران بملف “المُسيَّرات” قبل مفاوضات فيينا؟

الدور الإقليمي:

لماذا تلوح إيران بملف “المُسيَّرات” قبل مفاوضات فيينا؟



لا يعبر رفض إيران التفاوض حول “قدراتها الدفاعية” عن توجه جديد تتبناه في إدارة تفاعلاتها مع القوى الإقليمية والدولية المعنية بأزمات المنطقة، لكن الجديد في الأمر يكمن في تضمينها متغيراً جديداً في تلك القدرات لم يكن قائماً من قبل وهو برنامج تطوير الطائرات من دون طيار، حيث كانت تقصد في السابق بتلك القدرات برنامج الصواريخ الباليستية فحسب. وفي الواقع، فإن ذلك يعود إلى اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في اتجاه طهران إلى الاعتماد على برنامج المُسيَّرات في تقديم الدعم لحلفائها من المليشيات المسلحة الموجودة في بعض دول الإقليم، واستمرار تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين إيران وكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، حتى في حالة الوصول إلى صفقة نووية في فيينا، مع انعقاد الجولة السابعة من المفاوضات في 29 نوفمبر القادم، ومحاولة الحرس الثوري اتخاذ خطوات تصعيدية متوازية مع المناورات العسكرية الأخيرة للجيش، والتماهي مع التهديدات الجديدة التي بدأت توجهها قوى سياسية حليفة بالانسحاب من المشهد السياسي والتركيز على الدور الأمني.

خلاف جديد

جددت إيران تأكيدها على أن قدراتها الدفاعية ليس محل للتفاوض. لكن كان لافتاً أنها للمرة الأولى بدأت تضع برنامج الطائرات من دون طيار كمحور جديد للخلافات مع القوى الدولية، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا السياق، قال قائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري امير علي حاجي زاده، في 12 نوفمبر الجاري، أن “الطائرات من دون طيار باتت شوكة في أعين أعداء إيران”، مضيفاً: “اليوم، يقول أعداؤنا إن علينا التفاوض بشأن الصواريخ، والطائرات المُسيَّرة التي أصبحت شوكة في أعينهم”، وتابع أن “سعى دول غربية للحد من هذه القدرات يظهر قوتنا”.

 وربما يمكن تفسير ذلك في ضوء عاملين: أولهما، أن القوى الدولية تحاول ممارسة ضغوط على إيران لإجراء مفاوضات حول هذا الملف تحديداً، بعد أن أصبحت الطائرات من دون طيار رقماً مهماً في الهجمات الأخيرة التي تنسب للمليشيات الموالية لها. وبمعنى آخر، فإن تلك القوى لم تعد تمنح الأولوية فقط لبرنامج الصواريخ الباليستية أو الدور الإقليمي وإنما بدأت تبدي اهتماماً خاصاً بهذا البرنامج في الفترة الأخيرة على ضوء تصاعد حدة الهجمات التي استخدمت فيها تلك النوعية من الأسلحة، على غرار محاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 7 نوفمبر الجاري.

وثانيهما، أن إيران تحاول تعزيز موقعها التفاوضي بشكل أكبر، وتوجيه تحذيرات بأن لديها القدرة على رفع كُلفة أى عمل عسكري قد تتعرض له في حالة فشل المفاوضات النووية في فيينا، أو في حالة تحرك قوى معينة لاحتواء ما تعتبره مخاطر محتملة قد تفرضها أى صفقة محتملة ربما تنتهي إليها تلك المفاوضات. وبعبارة أخرى، فإن إيران تسعى إلى التلويح بأنه بات لديها أكثر من وسيلة لاستهداف مصالح القوى المناوئة لها، في حالة وصول التصعيد بين الطرفين إلى مستوى لا يمكن ضبطه بالوسائل الدبلوماسية أو الاقتصادية الحالية، وأنه إذا كانت قد استخدمت الصواريخ الباليستية في استهداف قاعدتين عراقيتين تواجدت بهما قوات أمريكية، في 8 يناير 2020، رداً على العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وأدت إلى مقتل قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، قبل ذلك بخمسة أيام، فإنها قد تكون لديها خيارات أكثر في الوقت الحالي، بعد أن بدأت في التعويل على برنامج الطائرات من دون طيار كإحدى آليات إدارة تدخلاتها في الأزمات المختلفة بالإقليم.

اعتبارات عديدة

ربما يمكن تفسير إصرار إيران على التمسك ببرنامج الطائرات من دون طيار، إلى جانب برنامج الصواريخ الباليستية، في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- مواصلة تقديم الدعم للمليشيات الموالية: وهو ما يضفي أهمية خاصة على برنامج الطائرات من دون طيار تحديداً، الذي قد يكون، وفقاً لاتجاهات عديدة، أكثر ملائمة لقدرات المليشيات المسلحة، مقارنة بالأسلحة الأكثر تعقيداً، فضلاً عن أن تكلفتها أقل من تكلفة تلك الأسلحة، إلى جانب القدرة على تهريبها إلى معاقل تلك المليشيات. وقد كان لافتاً في هذا السياق، أن معظم المليشيات الموالية لإيران باتت تعتمد في الفترة الأخيرة على تلك التكنولوجيا تحديداً في تنفيذ تهديداتها وعملياتها. وقد أشار تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في 7 أكتوبر الفائت، إلى أن نظام الرقابة العالمي يعاني من ثغرات تستغلها إيران سواء لشراء بعض المكونات الخاصة بتلك الطائرات أو إعادة تهريبها إلى حلفائها في المنطقة.

2- التماهي مع التهديدات الجديدة للمليشيات: كان لافتاً أن بعض المليشيات الموالية لإيران، لاسيما في العراق، بدأت في توجيه تهديدات مباشرة بأنها ربما تنسحب من المشهد السياسي، بما يعني تركيزها على الجانب العسكري فقط، وهو تحول سوف يدفع طهران، في حالة حدوثه، إلى رفع مستوى الدعم المقدم لتلك المليشيات، خاصة أنها لن تتبنى خطوات إجرائية في هذا الصدد إلا بعد الحصول على ضوء أخضر من جانب طهران. ففي هذا الإطار، وجّه تحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري، في 10 نوفمبر الجاري، تهديدات بإمكانية مقاطعة الحياة السياسية العراقية، إذا لم تعالج قضية الطعون في نتائج الانتخابات التي اعترض عليها التحالف الذي تعرض لهزيمة نوعية فيها. وقال هادي العامري: “لن نقبل فرض الإرادات، وقد نلجأ إلى مقاطعة العملية السياسية بالكامل إذا لم تعالج الطعون بشكل حقيقي وجاد”.

3- إدارة التصعيد المتواصل مع إسرائيل: ترى إيران أن طائرات الدرونز تمثل خياراً رئيسياً يمكن أن تستند إليه في إدارة صراعها مع إسرائيل خلال المرحلة القادمة، خاصة أن هذا التصعيد ركز في الفترة الماضية على استهداف مصالح تابعة للطرفين في المياه الدولية والإقليمية، وكان آخرها مهاجمة ناقلة النفط التي تقوم بتشغيلها شركة “زودياك ماريتايم”، التي يمتلكها رجل الأعمال الإسرائيلي إيال عوفر، في 30 يوليو الماضي، على نحو أسفر عن مقتل شخصين من طاقمها أحدهما روماني والآخر بريطاني. وقد حمّلت إسرائيل المسئولية لإيران، مشيرة إلى أنها “تمثل مشكلة ليس لإسرائيل فحسب بل للمجتمع العالمي وسلوكها يشكل تهديداً لحرية الملاحة وحركة التجارة العالمية”. وقد كان لافتاً أن وسائل إعلام إيرانية أشارت إلى دور طهران في هذا الهجوم، والذي اعتبرت أنه جاء رداً على الهجوم الإسرائيلي على مطار الضبعة السوري في 22 يوليو الماضي.

4- اتخاذ خطوات متوازية مع المناورات العسكرية: حرص الحرس الثوري على الانخراط في محاولات إيران تعزيز موقعها التفاوضي وتأكيد قدرتها على التعامل مع المسارات المختلفة لمفاوضات فيينا، حيث كان لافتاً أن التصريحات الأخيرة لمسئوليه، على غرار حاجي زاده، جاءت بعد فترة وجيزة من المناورات العسكرية التي أجراها الجيش الإيراني تحت اسم “ذو الفقار 1400” بداية من 7 نوفمبر الجاري، بما يوحي بأن هناك ضوءاً أخضر من جانب القيادة الإيرانية لتوجيه تلك الرسائل في هذا التوقيت تحديداً، الذي يسبق انعقاد الجولة السابعة من مفاوضات فيينا بنحو أسبوعين فقط.

5- توسيع نطاق التنسيق مع وفد التفاوض الجديد: شكلت حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي وفداً جديداً للتفاوض حول الاتفاق النووي برئاسة علي باقري كني مساعد وزير الخارجية للشئون السياسية يضم، حسب تقارير عديدة، مسئولين يتبنون سياسة أكثر تشدداً سواء إزاء الاتفاق النووي أو تجاه المفاوضات بشكل عام. ويبدو أن الحرس من خلال توجيه هذه الرسائل الأخيرة يحاول تأكيد أن مساحة التوافق مع الحكومة أصبحت أكبر مقارنة بما كان عليه الوضع في عهد الرئيس السابق حسن روحاني، حيث كانت هناك خلافات عديدة بين الطرفين، عبّر عنها وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، في التسجيل المُسرَّب، في 25 أبريل الماضي، الذي انتقد فيه تدخل الحرس الثوري بشكل كبير في مهام وزارته.

تصعيد التحدي

إن ما سبق في مجمله يوحي بأن الحرس الثوري، وربما مؤسسات أخرى داخل إيران، سوف تواصل اتخاذ خطوات تصعيدية مع اقتراب موعد إجراء المفاوضات في فيينا في 29 نوفمبر الحالي، حيث تسعى عبرها إيران إلى الحصول على أكبر قدر من العوائد مقابل تقديم أقل مستوى من التنازلات، على نحو يفرض نوعاً من الغموض حول المسارات المحتملة لتلك المفاوضات.