دوافع متداخلة:
لماذا تكثف حركة “الشباب” الصومالية عملياتها في كينيا؟

دوافع متداخلة:

لماذا تكثف حركة “الشباب” الصومالية عملياتها في كينيا؟



اتجهت حركة “شباب المجاهدين” الصومالية نحو تكثيف عملياتها الخارجية، خلال شهر يونيو الجاري، وتحديداً باتجاه كينيا، حيث تزايد معدل النشاط العملياتي مقارنة بالأشهر الأربعة الماضية، وهو ما يفرض تهديداً متزايداً لدول الجوار خلال الفترة المقبلة. وقد أعلنت الشرطة في كينيا، في 14 يونيو الجاري، عن مقتل 8 من عناصرها، في هجوم استهدف سيارتهم باستخدام عبوة ناسفة، بمقاطعة جاريسا على الحدود مع الصومال، وهي منطقة تقع في نطاق النشاط العملياتي لحركة “الشباب” داخل كينيا.

ملامح متعددة

لم يغب النشاط العملياتي لحركة “الشباب” في كينيا المجاورة على مدار السنوات الماضية، ولكنه شهد عام 2022، تصاعداً ملحوظاً، وفقاً لما نقلته حسابات ووسائل إعلامية محلية موالية للحركة، عن الصحف المحلية في كينيا، إذ تُقدر الزيادة في عدد العمليات بنحو 26% خلال عام 2022، عن عام 2021، الذي سجلت فيه نحو 55 عملية إرهابية في كينيا.

ويتضح من خلال رصد النشاط العملياتي لـ”الشباب” في كينيا منذ مطلع العام الجاري، أن الحركة تدفع باتجاه استمرار التصعيد العملياتي في الدولة المجاورة للصومال، إذ بلغت العمليات المسجلة في كينيا خلال الفترة (1 يناير – 18 يونيو) 2023، نحو 51 عملية، وفقاً لرصد العمليات المنسوبة للحركة عبر “وكالة شهادة” الموالية لها، ويمكن الوقوف على أبعاد واتجاهات النشاط العملياتي خلال تلك الفترة، على النحو التالي:

1- تصاعد النشاط العملياتي في يونيو: يتضح من خلال منحنى النشاط العملياتي لحركة “الشباب” منذ مطلع عام 2023، أن الحركة اتجهت لزيادة معدل النشاط وتكثيفه منذ مطلع شهر يونيو الجاري، وتحديداً منذ 13 من هذا الشهر، إذ نفذت نحو 9 عمليات خلال ستة أيام فقط، وهو معدل أعلى من العمليات المسجلة خلال أشهر (فبراير ومارس وأبريل ومايو)، حيث بلغ أقصى معدل للنشاط العملياتي خلال الأشهر الأربعة 6 عمليات بالتساوي بين شهري فبراير ومايو، كما يوضح المخطط التالي:

ورغم أن شهر يناير الماضي سجل أعلى معدل للنشاط منذ مطلع عام 2023، إلا أن استمرار المعدل الحالي للنشاط العملياتي للحركة في كينيا خلال شهر يونيو الجاري، يعني أنه مع نهاية الشهر، قد يتجاوز المعدل إجمالي العمليات المسجلة خلال شهر يناير الماضي.

واللافت أن منحنى النشاط العملياتي ظل يتراجع بداية من شهر فبراير وصولاً لشهر أبريل، قبل أن يرتفع المنحنى خلال شهر مايو ليعادل عدد العمليات خلال شهر فبراير، إلا أن القفزة في معدل النشاط جاءت خلال شهر يونيو الجاري، وتحديداً مع منتصف الشهر تقريباً.

2- التركيز على العسكريين وقوات الشرطة: تحرص الحركة بشكل رئيسي على استهداف القوات العسكرية والشرطية، مقابل استهداف المدنيين، إذ لم يتم تسجيل سوى 3 عمليات فقط لاستهداف المدنيين، مقابل 48 عملية لاستهداف القوات العسكرية والشرطة في كينيا، كما يوضح المخطط التالي:

اللافت أيضاً في سياق التمييز بين استهداف العسكريين والشرطة مقابل استهداف المدنيين، أن عمليات استهداف المدنيين جاءت جميعها مطلع العام الجاري، فيما لم يتم تسجيل عمليات مماثلة خلال أشهر مارس وأبريل ومايو وحتى 18 يونيو الجاري، بما يشير إلى التركيز بشكل أكبر على استهداف العسكريين وقوات الشرطة.

3- ثلاثة أنماط رئيسية للعمليات: ركزت عمليات حركة “الشباب” في كينيا على ثلاثة أنماط عملياتية هي:نصب الكمائن للدوريات، والهجوم على مقرات عسكرية، واستهداف الآليات بعبوات ناسفة.ومنذ مطلع عام 2023، يتصدر الهجوم على المقرات العسكرية (قواعد – ثكنات) ترتيب أهداف الحركة بواقع 24 عملية، ثم استهداف الدوريات (العسكرية  – الشرطية) بواقع 22 عملية، كما يوضح المخطط التالي:

ويمكن الإشارة إلى أن الحركة تركز في استهداف المقرات العسكرية على مهاجمة القواعد العسكرية في المقاطعات الحدودية مع الصومال، مقابل تراجع استهداف الثكنات، فيما تتنوع عملية استهداف الدوريات العسكرية والشرطية باستخدام نمط الكمائن، أو زراعة العبوات الناسفة في طريق تلك الدوريات.

وكان لافتاً خلال شهر يونيو الجاري، أن الحركة أقدمت على تخريب مقر شركة اتصالات في كينيا في المناطق الحدودية مع الصومال، إضافة إلى فرض السيطرة لبعض الوقت على منطقة بمقاطعة واجير، وفقاً لمزاعم حسابات موالية للحركة عبر منصات التواصل الاجتماعي.

4- عدم توسيع النطاق الجغرافي للنشاط: يكشف تحديد النطاقات الجغرافية للنشاط العملياتي لحركة “الشباب” في كينيا أنها تتعمد عدم الاتجاه إلى توسيع النطاق الجغرافي للنشاط خارج مقاطعات مانديرا، وجاريسا، ولامو، واجير، إذ لم تبرز المقاطعة الأخيرة سوى في الزعم بالسيطرة على منطقة أوغرالي، فيما تركزت العمليات في المقاطعات الثلاث الأخرى بالقرب من الحدود مع الصومال.

وفي هذا السياق، كان لافتاً أن مقاطعة مانديرا شهدت أعلى معدل لاستهداف المقرات العسكرية، مقارنة بالمقاطعات الأخرى، فيما كان التركيز في مقاطعة جاريسا على نصب الكمائن لاستهداف القوات العسكرية والشرطية، مع هجوم على ثكنة عسكرية، وبالمثل كان التركيز في لامو على استهداف الدوريات سواء بالكمائن أو زراعة العبوات الناسفة، مقابل هجمات أقل على المقرات العسكرية.

أسباب مختلفة

في ضوء تصعيد وتكثيف حركة “الشباب” لنشاطها العملياتي في كينيا، ومع تحديد طبيعة وأبعاد هذا النشاط، يمكن الإشارة إلى دوافع الحركة لتبني هذا الاتجاه خلال الفترة الحالية، وذلك كالتالي:

1- تصدير المأزق الداخلي إلى كينيا: تواجه حركة “الشباب” ضغوطاً داخليةمنذ مايو 2022، بعد إطلاق الرئيس حسن شيخ محمود حرباً شاملة ضد الحركة، على مستوى العمليات العسكرية، وحشد العشائر، وطلب الدعم الإقليمي والدولي، والاتجاه للتضييق التمويلي على الحركة بتجميد حسابات بعض المرتبطين بها والمشتبه بهم في نشاطات تمويلية.

ومنذ شهر مايو 2022 وخلال صيف العام ذاته، فقدت حركة “الشباب” مواقع كانت تسيطر عليها في منطقة وسط الصومال، وفقاً لتقديرات وتقارير محلية وغربية، وبالتالي فإن الحركة تدفع إلى محاولة تصدير تبعات المأزق الميداني حالياً باتجاه كينيا، مع عدم إغفال استمرار التصعيد العملياتي باتجاه العاصمة مقديشو وضواحيها، إذ تُبرِز الحركة في بعض عملياتها قدرتها على اختراق التحصينات الأمنية، وتنفيذ عمليات لاقتحام بعض المواقع الحيوية واستهدافها.

2- رسالة تحذير إلى نيروبي: خلال شهر مارس الماضي،أعلنت الحكومة الصومالية عن إرسال دول الجوار الثلاثة: أثيوبيا وكينيا وجيبوتي قوات إضافية للصومال، لمواجهة حركة “الشباب”، عقب اجتماع جمع قادة الدول الأربعة في فبراير الماضي،والذي اتفقوا فيه على شن حملة عسكرية والتخطيط المشترك للقضاء على الحركة.

وهنا، فإن تصعيد وتكثيف حركة “الشباب” للعمليات في كينيا خلال شهر يونيو الجاري، بصورة ملفتة، عقب تراجع النشاط العملياتي منذ فبراير الماضي، يرتبط، في الغالب، بمحاولة ممارسة ضغوط على القوات الكينية في المقاطعات الحدودية مع الصومال، كما أنها رسالة لكينيا لإمكانية نقل الحركة عملياتها إلى داخل الحدود الكينية خلال الفترة المقبلة، كرد على تصعيد كينيا بالتنسيق مع الحكومة الصومالية، ودول الجوار للصومال، ضد حركة “الشباب”.

3- أبعاد دعائية للقدرات العملياتية: تبرز في سياق التصعيد العملياتي لـ”الشباب” في كينيا، الأبعاد الدعائية للحركة، خاصة مع تراجع العمليات في وسط الصومال خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد فقدان مساحات من الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة أو نفوذ الحركة، إضافة إلى اتجاه دول الجوار إلى التنسيق لمواجهة الحركة، باعتبارها تمثل تهديداً عابراً للحدود، ودخول القوات الأمريكية على خط المواجهة، بإعادة إرسال بضع مئات من القوات الخاصة، لقيادة عمليات القوات التي تولت تدريبها والمعروفة بـ”لواء دنب”.

وتسعى الحركة إلى إظهار عدم تأثر القدرات العملياتية رغم حجم الضغوط التي تواجهها ميدانياً في الصومال على مدار عام تقريباً، واستمرار الجهود الإقليمية والدولية لدعم الصومال في حربها ضد الإرهاب، إذ تحاول “الشباب” تصدير أن الانسحاب من مناطق نفوذها السابقة هو خطوة استراتيجية، مع الاحتفاظ بالقدرة على مواجهة الحملات العسكرية، وإمكانية فتح جبهة مواجهة جديدة عابرة للحدود في كينيا.

4- توظيف مركز ثقل النشاط جنوباً: في مقابل التصعيد العملياتي من قبل “الشباب” في كينيا،من الملاحظ عدم تصعيد العمليات بشكل مماثل باتجاه أثيوبيا، باستثناء الإعلان عن إحباط هجوم على بلدة دولو، والتي تبعد ثلاثة كيلو مترات عن بلدة صومالية على الحدود تحمل الاسم نفسه، في مطلع يونيو الجاري، في حين كان الهجوم الأبرز حينما نفذت الحركة عملية اختراق للحدود مع أثيوبيا والتوغل داخلها في أغسطس 2022، قبل إحباطه من قبل القوات الأثيوبية.

وربما يرتبط تصعيد النشاط العملياتي للحركة باتجاه كينيا بتركيز النشاط العملياتي لـ”الشباب” باتجاه جنوب الصومال، وبالتالي توجيه جزء من هذا النشاط إلى كينيا، خاصة مع التوصل لاتفاق ثنائي بين الصومال وكينيا على إعادة فتح الحدود البرية في ثلاث نقاط خلال شهر مايو الفائت، وتقع في مناطق مانديرا، وواجير، ولامو، وهي المناطق ذاتها التي تتعرض لاستهداف مستمر من قبل الحركة.

5- توجيهات من القيادة العليا: يمكن تفسير الاتجاه إلى تصعيد النشاط العملياتي في كينيا، خلال الفترة الحالية، في قسم منه، في ضوء إصدار توجيهات من جانب القيادة العليا في تنظيم “القاعدة”، عقب نشر بيان في فبراير الماضي تضمن توجيه انتقادات للدعم الكيني للحملات العسكرية التي تشن ضد الحركة، بالتوازي مع قيام الحركة بعقد ما يُعرف بـ”اللقاء التشاوري حول قضايا الجهاد في شرق أفريقيا” خلال النصف الأول من شهر مايو الفائت، والذي استمر قرابة ثمانية أيام كاملة، بحضور أمير الحركة المعروف بـ”أبو عبيدة أحمد عمر”.

وقد نشرت حسابات موالية للحركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أجزاء من كلمات “أبوعبيدة”، والتي ذكر خلالها أن “كينيا مشاركة في الحملة العسكرية ضد الشباب بعمليات قصف بطائرات من دون طيار”، بما يشير إلى أن التصعيد العملياتي خلال شهر يونيو الجاري، جاء عقب اللقاء التشاوري، وتوجيه الانتقادات لكينيا بسبب مشاركتها في الحملة العسكرية ضد الحركة.

تهديد أمني

في النهاية، يمكن القول إن استمرار النشاط العملياتي لحركة “الشباب” في كينيا خلال الأشهر القليلة المقبلة على الوتيرة المرتفعة نفسها التي بدا عليها في الشهر الحالي، مقارنة بأشهر فبراير ومارس وأبريل ومايو، سوف يفرض تحدياً أمنياً كبيراً لكينيا، خاصة وأن الضغوط التي تتعرض لها الحركة في الصومال، وتقليص المساحات التي تقع تحت سيطرتها، قد يدفعها إلى توجيه التصعيد باتجاه كينيا، وتوسيع نطاق نشاطها العملياتي، وربما التمركز بصورة أكبر داخل بعض المناطق الكينية، حال عدم إقدام كينيا على تنفيذ حملة عسكرية داخل أراضيها لتحجيم النشاط العملياتي للحركة، بالتوازي مع العمليات العسكرية في الجانب المقابل بالصومال.