معادلة مستمرة:
لماذا تعرقل المليشيا الحوثية مساعي استئناف الهدنة اليمنية؟

معادلة مستمرة:

لماذا تعرقل المليشيا الحوثية مساعي استئناف الهدنة اليمنية؟



لم يتم تجديد الهدنة اليمنية في 2 أكتوبر الفائت، على إثر رفض المليشيا الحوثية استئنافها بوضع عراقيل جديدة لتعزيز مكاسبها منها، وصفها الوسطاء بأنها غير مقبولة، ومن أبرزها طلب تمويل رواتب عناصرها، وتقاسم عوائد النفط.

ورغم فشل استئناف الهدنة، فإن الأوضاع الأمنية لا تزال تسير بنفس الوتيرة التي كانت عليها خلال مرحلة الهدنة، حيث لا تزال المليشيا الحوثية تصعد عسكرياً على الجبهة الداخلية، وتطور التصعيد باتجاه محاولات استهداف المنشآت النفطية في شبوة وحضرموت، بينما لم تصعد خارجياً.

وربما يعود ذلك إلى استمرار الحفاظ على استحقاقات الهدنة، كحركة الطيران في مطار صنعاء، وتدفق سفن الوقود إلى ميناء الحديدة.

وفي مطلع الأسبوع الجاري، وبعد أسابيع من توقف المباحثات، قام المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بجولة في المنطقة بدأها بزيارة العاصمة السعودية الرياض، حيث أجرى لقاءات مع المسئولين الحكوميين اليمنيين ومسئولين خليجيين من دول تحالف دعم الشرعية، بالإضافة إلى لقاءات مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.

وبعد ذلك، توجه غروندبرغ إلى العاصمة العمانية مسقط، حيث التقى خلالها مسئولين عمانيين ورئيس الوفد الحوثي للمفاوضات محمد عبد السلام، في محاولة لإعادة إحياء مسار التفاوض؛ إلا أن البيانات الصادرة عن تلك اللقاءات لم تعكس اختراقاً ملموساً، كما لم يُشِرْ المبعوث الأممي إلى الخطوات التالية لها.

الاستحقاقات الستة

جاءت إفادة المبعوث الأممي في مجلس الأمن، منتصف أكتوبر الفائت، لتجلي الحقائق؛ حيث أشاد بموقف الحكومة اليمنية من عملية تمديد الهدنة، بينما أعرب عن أسفه بشأن الموقف الحوثي في السياق ذاته، وبالتالي حمّل المليشيا المسئولية عن عدم الاستجابة لتمديد الهدنة. كما استعرض 6 بنود رئيسية تمثل استحقاقات الهدنة.

 يتمثل أول هذه الاستحقاقات في استمرار وقف جميع العمليات الهجومية وتعزيز لجنة التنسيق العسكرية كقناة نشطة للتواصل والتنسيق لخفض التصعيد، وهو استحقاق كاشف أيضاً عن طبيعة الهدنة، باعتبارها إجراء يهدف إلى عملية “خفض التصعيد” وهو المصطلح الذي تستخدمه الأمم المتحدة كمدخل لتهيئة الأوضاع للانتقال لاتفاق وقف إطلاق النار، على نحو يفسر عدم توقف التصعيد الحوثي خلال مرحلة الهدنة، رغم تراجع مستوى التصعيد نسبياً بمتوسط أقل من 100 خرق يومي مقارنة بنحو أربعة أمثال هذا المؤشر تقريباً قبل فرض الهدنة، الأمر الذي شجع البعثة الأممية والوسيط الأمريكي على ضرورة استكمال مسار التهدئة وتوسيعه، حيث أفاد تيم ليندركيغ بأن وضع عمليات الإغاثة الإنسانية تحسن بنسبة 60%.

ويتعلق الاستحقاق الثاني باعتماد آلية صرف شفافة وفعالة لدفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية والمعاشات التقاعدية بانتظام، وهي نقطة جوهرية في أزمة عدم تمديد الهدنة، بالنظر إلى عاملين، إذ يبدو أن هناك توافقاً بين الوسطاء على أن يتم هذا الاستحقاق عبر آلية جديدة يتم استحداثها ضمن هياكل جديدة لمعالجة الأزمة اليمنية، بمعنى أن تكون هناك آلية اقتصادية أو مسار اقتصادي تعالج فيه هذه القضايا، على غرار المسارات المتبعة في الأزمات المشابهة في الإقليم، كالأزمة الليبية على سبيل المثال.

وبحسب الطرح الأممي، وهو أيضاً ما تتعاطى معه الحكومة، فإنّ الموظفين المعترف بهم الذين يُمكنها دفع رواتبهم هم الموظفون المدنيون والمتقاعدون ما قبل الانقلاب (سبتمبر 2014). في المقابل تصر المليشيا الحوثية على دفع الحكومة كافة الرواتب بما فيها من تم إلحاقهم بعد تاريخ الانقلاب، بالإضافة إلى عناصرها الأمنية والعسكريين الموالين لها، وهو سياق اعتبره الوسطاء بشكل عام “مستحيلاً” بتعبير المبعوث الأممي في إفادته، إذ كيف يمكن تمويل العناصر الأمنية دون تسوية الملف الأمني والانتقال إلى عملية التسوية بشكل عام. وعلى الأرجح تهدف المليشيا من الطرح السالف الإشارة إليه بالإضافة إلى شرط تقاسم العوائد النفطية، إلى الحصول على الاعتراف الاستباقي بها كسلطة أمر واقع.

وينصرف الاستحقاق الثالث، الذي أشار إليه غروندبرغ، إلى فتح الطرق في تعز ومحافظات أخرى على مراحل، وهو شرط مدرج بالأساس منذ بدء الهدنة، لكنه لم يطبق، بل على العكس، رغم تراجع مستوى التصعيد بشكل عام في العديد من الجبهات؛ إلا أنه تزايد في تعز، بل وتعمدت المليشيا زيادة العراقيل أمام تحسين وضع هذا الملف، من حيث إغلاق الطرق الرئيسية بعناصرها الأمنية، وإعادة توجيه المسارات المرورية مع المحافظات إلى الطرق البديلة غير الممهدة والخطرة بشكل متعنت لفرض أمر واقع لزيادة تداعيات الحصار.

وربما تهدف المليشيا من ذلك إلى استخدام تعز كورقة ضغط على الحكومة، وتصدير أزمة أمنية للجنوب، بالإضافة إلى مسعى السيطرة الأمنية على الساحل الذي يتقاطع مع محافظة عدن عند باب المندب بما يمثل موقعاً استراتيجياً، على الرغم من أنها لا تسيطر عليه؛ إلا أنها تسعى في الوقت ذاته إلى تقويض استفادة الأطراف الأخرى منه، خاصة وأنها تدرك طبيعة الموازين السياسية السائدة في تلك المنطقة، من حيث طبيعة العلاقة المتوترة ما بين الجنوب وتعز في الوقت ذاته.

فيما يشهد الاستحقاق الرابع، والخاص بزيادة عدد الرحلات والوجهات من وإلى مطار صنعاء الدولي، تحسناً ممكناً في حال استمرار الهدنة، حيث تمت إزالة العديد من العراقيل الخاصة بهذا الملف، كما استجابت العديد من العواصم للتعامل مع هذا الملف وفقاً للضوابط المطلوبة، حيث لم يتم تعطيله خلال فترة توقف الهدنة، ويسري الأمر ذاته على الاستحقاق السادس الخاص بالإفراج عن المحتجزين وملف الأسرى، وهو ما كان محل تجاوب من التحالف، حيث استقبلت الرياض وفداً حوثياً للقاء الأسرى، وهو ما نُظر إليه باعتباره تجاوباً إنسانياً من التحالف من جهة، ومن جهة أخرى محاولة للتأكيد على تعاطي السعودية التي تقود التحالف مع مسار التسوية السلمية للأزمة.

وعلى النحو الإشكالي بالنسبة للاستحقاق الثاني الخاص بملف الرواتب، تثير المليشيا أزمة في ملف النفط، الذي يتناوله الاستحقاق الخامس، الذي أورده المبعوث الأممي بالإشارة إلى التأكيد على استمرار التدفق المنتظم للوقود عبر موانئ الحديدة وبدون أي عوائق؛ إلا أن المليشيا تسعى إلى تطوير هذا الاستحقاق من خلال تقاسم النفط. وفي هذا السياق، جاء التصعيد على المنشآت والموانئ النفطية في شبوة وحضرموت خلال شهر أكتوبر الفائت.

وعلى الرغم من تمكن قوات العمالقة الجنوبية من إحباط بعض الهجمات بالطائرات من دون طيار، فإن هناك مخاوف بشأن تكثيف المليشيا لتلك الهجمات للضغط على الأطراف المقابلة للرضوخ لمطالبها في هذا الملف، حيث قد ترى أن ما لم تكسبه بشروطها على طاولة التفاوض، يمكنها أن تكسبه بالقوة والتصعيد، وكدلالة على هذا التوجه قامت المليشيا بالتوازي مع جولة مسقط ما بين غروندبرغ وعبدالسلام بمحاولة هجومية بإحدى المسيرات في اتجاه منشأة نفط بشبوة، لكن تم إحباطها.

استدارة مرحلية

يعكس هذا السياق الأخير استدارة المليشيا الحوثية مرحلياً نحو التركيز على الجبهة الداخلية لتعزيز مكاسبها من الهدنة، وهي مكاسب متعددة على المستويين الاقتصادي والأمني. مبدئياً، جنت المليشيا المزيد من الأرباح خلال فترة الهدنة مع استمرار اعتماد السوق السوداء لتوزيع مشتقات الطاقة، وتخفيف الأعباء الاقتصادية عليها بشكل عام، بالإضافة إلى أن المليشيا استغلت الهدنة في التقاط الأنفاس لإعادة التحشيد والاصطفاف العسكري، وبالتالي تعكس هذه المكاسب توظيف المليشيا للهدنة على عكس الأهداف الرامية من جانب التحالف والوسطاء في اعتبارها مسار ما قبل العملية الانتقالية للتسوية السياسية.

لا ينفي هذا الوضع تراجع المليشيا عن دورها الوظيفي كأداة تهديد إقليمي، فقد وجهت إيران المليشيا خلال الزيارة التي قام بها رئيس وفد التفاوض الحوثي محمد عبد السلام إلى طهران، قبيل انتهاء الهدنة في سبتمبر الماضي، إلى المسار الجديد الخاص بتعزيز المكاسب من عملية استئناف الهدنة من دون الانخراط في عملية سياسية، وهو سياق كاشف عن عدم تحرك المفاوضات بشأن الهدنة. وعلى الأرجح ستظل الهدنة عالقة باتجاه موقف إيران وسياساتها الخارجية في ظل ما تشهده من توترات حالية في الداخل، وبالتالي فإن مؤشر التهدئة على الصعيد الخارجي مرتبط بالموقف الإيراني في المقام الأول، حتى وإن تعارض مع مكاسب المليشيا من استمرار مكاسب الهدنة رغم توقفها.

سياسات مختلفة

في الأخير، من المتصور أن المليشيا الحوثية ستُبقي على معادلة اللا سلم واللا حرب، ومن دون أن تقدم تنازلاً في شروطها لا يُعتقد أن الهدنة يمكن استئنافها، كما لا يمكن توسيعها في ظل غياب الإرادة السياسية الحوثية للانتقال إلى عملية التسوية. وإلى حين الانتقال إلى خطوة جديدة في هذا المشهد، فعلى الأرجح ستضاعف المليشيا من التصعيد بما يتوازى مع اتجاه فرض الأمر الواقع، بالتركيز على استهداف المنشآت النفطية. وفي المقابل، فإن اتخاذ الحكومة الشرعية خطوة تصنيف المليشيا كحركة إرهابية يعكس نمطاً مختلفاً للسياسات الحكومية الجديدة التي ستقابل التصعيد بالتصعيد.