حسابات مرتبكة:
لماذا تعارض واشنطن التقارب التركي-السوري؟

حسابات مرتبكة:

لماذا تعارض واشنطن التقارب التركي-السوري؟



اكتسبت التطورات الأخيرة التي طرأت على الساحة السورية اهتماماً خاصاً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بعقد اجتماع ثلاثي في موسكو ضم وزراء دفاع سوريا وتركيا وروسيا، إلى جانب ممثلي أجهزة الاستخبارات، في ٢٨ ديسمبر الفائت، وهو الاجتماع الرسمي الأول بين أنقرة ودمشق منذ ١١ عاماً.

ففي أعقاب هذا الاجتماع، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي دعم محاولات الإطاحة بالنظام السوري منذ عام ٢٠١١، عن ترحيبه بعقد لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد، حيث اقترح أن تتبع المحادثات بين وزيرى الدفاع باجتماع بين وزيري الخارجية الذي قد يُؤسس لقمة رئاسية محتملة. فيما قال وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، في ٣١ ديسمبر الفائت، بعد مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، إنه اقترح عقد اجتماع مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في النصف الثاني من يناير الجاري.

إلا أن واشنطن عادت إلى تجديد رفضها تحسين العلاقات بين بعض الدول والنظام السوري، حتى بعد تغير توازنات القوى داخل سوريا لصالح الأخيرة، بفعل التحركات التي قامت بها روسيا وإيران إلى جانب المليشيات الموالية لها في السنوات الماضية.

وعلى الرغم من أن وزير الخارجية التركي قال، في ٣ يناير الجاري، أن الولايات المتحدة الأمريكية “لم توجه لأنقرة أسئلة بشأن الاتصالات الأخيرة مع دمشق”، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلنت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، أكثر من مرة، رفضها التقارب التركي مع النظام السوري.

أسباب عديدة

يمكن تفسير أسباب معارضة واشنطن للتقارب التركي-السوري في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تهديد المليشيا الكردية الحليفة: تأتي رسائل أردوغان الخاصة بالتقارب مع النظام السوري، وعقد اجتماع بين وزير الدفاع السوري ونظيره التركي في موسكو، في وقت تهدد فيه أنقرة بشن هجوم بري جديد ضد الجماعات الكردية السورية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة تنظيم “داعش” بدعاوى تهديد الأكراد للأمن القومي التركي، حيث تساوي أنقرة بين “وحدات حماية الشعب الكردية” و”حزب العمال الكردستاني” المحظور، والذي تصنفه أنقرة على أنه تنظيم إرهابي. وتسعى تركيا إلى التعاون مع الحكومة السورية ضد الجماعات الكردية السورية. وقد جاء الاجتماع بعد أسابيع من شن تركيا، في ٢٠ نوفمبر الماضي، ضربات جوبة ومدفعية استهدفت بشكل رئيسي المليشيات الكردية، وتلويح الرئيس التركي بهجوم بري لإبعادها عن الحدود التركية.

ويتوقع أنه بعد اجتماع وزيري الدفاع السوري والتركي، أن تكون هناك ضربات عسكرية تركية على مناطق تمركز مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية”، حيث ذكر بيان وزارة الدفاع التركية أن الاجتماع ناقش الجهود المشتركة لمكافحة جميع المنظمات الإرهابية السورية.

ولهذا ينظر إلى التقارب التركي-السوري على أنه قد يعطي الضوء الأخضر من النظام السوري لأنقرة لتوسيع العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش التركي في شمال سوريا ضد “وحدات حماية الشعب الكردية”.

وتشير تقديرات إلى أن اجتماع وزراء الدفاع يعني أن هناك عملاً عسكرياً يجري تنسيقه بشكل دقيق بين الأطراف الثلاثة، ولا سيما بعد تصريح وزير الدفاع التركي خلوصي آكار بأن أنقرة توصلت مع موسكو لتفاهمات حول فتح المجال الجوي السوري أمام المقاتلات التركية.

وفي حقيقة الأمر، فإن هناك رغبة مشتركة بين الأطراف الثلاثة (تركيا، والنظام السوري، وروسيا) لتقليص دور الأكراد، فبجانب هدف أنقرة تقويض التهديد الكردي قرب حدودها، فإن روسيا تسعى إلى إضعاف الحليف الرئيسي لواشنطن في سوريا، بينما يريد النظام السوري استعادة الأراضي التي سيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا.

2- خضوع النظام السوري لعقوبات أمريكية: تفرض الولايات المتحدة الأمريكية بموجب قانون “قيصر”، الذي دخل حيز التنفيذ في عام ١٧ يونيو ٢٠٢٠، عقوبات على النظام السوري بسبب الانتهاكات التي ارتكبها. وينصّ القانون على معاقبة كل من يقدم الدعم العسكري والمالي والتقني للنظام، سواء أشخاص أو دول أو شركات.

ومن المرجح أن يضغط الكونجرس الأمريكي من أجل زيادة استخدام وتعزيز العقوبات على سوريا، ولا سيما مع مطالبة عديد من المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين الإدارة الأمريكية بالاستفادة بشكل أفضل من قانون “قيصر” والتفكير في فرض عقوبات على الدول التي تسعى إلى التطبيع مع النظام السوري؛ لكونها تُهدد، في رؤية واشنطن، الجهود الدولية لمحاسبة الأخير على جرائمه ضد الشعب السوري حسبما قال السيناتور الجمهوري عن ولاية أيداهو، والعضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب جيم ريش خلال تغريدة له على حسابه بموقع “تويتر” في ٥ يناير الجاري.

3- تهميش الدور الأمريكي في سوريا: على الرغم من أن الملف السوري لا يدخل ضمن أولويات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلا أن تحسين العلاقات بين تركيا وسوريا برعاية روسية من شأنه تغيير معادلة الصراع السوري لصالح قوى إقليمية ودولية تستغل دورها في سوريا كورقة ضغط على الولايات المتحدة الأمريكية في ملفات إقليمية ودولية أخرى، وإضعاف الدور الأمريكي في الصراع. فضلاً عن أن تلك الخطوات تتعارض مع المقاربة الأمريكية لحل الصراع السوري، حيث تربط الإدارة الأمريكية دعمها لجهود بعض حلفائها لتحسين العلاقات مع النظام السوري أو إعادة تأهيله بإحراز تقدم لا رجعة فيه نحو حل سياسي في سوريا.

4- اتهام النظام بارتكاب انتهاكات: أرجع المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، في ٣ يناير الجاري، رفض الإدارة الأمريكية التقارب التركي مع النظام السوري، لانتهاكاته المستمرة لحقوق السوريين خلال أكثر من عقد، ومنع وصول المساعدات الإنسانية للسوريين، حيث عارض تمديد قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم ٢٦٤٢ الذي ينص على إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود التركية إلى شمال غرب سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة.

لكن اللافت في هذا السياق، هو أن المجلس صوّت، في ٩ يناير الجاري، بالإجماع على إبقاء ممر المساعدات الإنسانية مفتوحاً إلى شمال غرب سوريا لمدة ستة أشهر أخرى بعد انضمام روسيا إلى بقية أعضاء المجلس للموافقة على القرار.

تراجع التأثير

على الرغم من أن هناك عقبات عديدة تقف أمام جهود تحسين العلاقات بين تركيا وسوريا، حيث يرغب النظام السوري في تأجيل التقارب إلى ما بعد الانتخابات التركية المقرر لها في يونيو القادم لكونه يرى أن هذا التقارب يأتي لأسباب انتخابية بحتة، مع اشتراطه انسحاباً كاملاً للقوات التركية من شمال سوريا، فإن إدارة الرئيس جو بايدن لا تملك العديد من الأدوات التي تمكنها من الضغط على تركيا لوقف خطوات تحسين العلاقات مع النظام السوري، باستثناء التهديد بفرض عقوبات عليها، وهو خيار لا تفضله الإدارة الأمريكية في الوقت الراهن، خاصة مع تنامي الدور التركي في الأزمة الروسية-الأوكرانية، على نحو يوحي بأن التقارب التركي-السوري ربما يؤدي إلى إرباك حسابات واشنطن في سوريا.