تعزيز الشراكة:
لماذا تطور روسيا والجزائر التعاون في مجالات غير تقليدية؟

تعزيز الشراكة:

لماذا تطور روسيا والجزائر التعاون في مجالات غير تقليدية؟



شهدت الأيام الأولى من شهر ديسمبر الجاري عدداً من التطورات التي كشفت عن مساعٍ روسية لتعزيز العلاقات مع الجزائر، سياسيّاً واقتصاديّاً وعسكريّاً، والتي بدأت بإشارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى أن التعاون التجاري والاقتصادي الروسي-الجزائري يتقدم بوتيرة جيدة، وتقديره لمسار السياسة الخارجية المتوازن للقيادة الجزائرية، وذلك خلال مراسم قبوله أوراق اعتماد مجموعة من السفراء الجدد بينهم السفير الجزائري في 4 من الشهر الجاري.

وفي اليوم التالي، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية عن إجراء تمارين مشتركة بين البحريتين الجزائرية والروسية في ٨ ديسمبر الحالي، بمناسبة توقف الفرقاطة “الأميرال جريجوروفيتش” من الأسطول الروسي للبحر الأسود بميناء الجزائر، وهو ما يأتي في إطار برنامج التعاون العسكري الثنائي بين الدولتين.

مرحلة جديدة

انتقلت العلاقات الروسية-الجزائرية إلى مرحلة جديدة من التعاون تتجاوز المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التقليدية التي كانت تقوم عليها العلاقات في أعقاب توقيع الرئيس الروسي، فيلاديمير بوتين، ونظيره الجزائري، عبد المجيد تبون، وثيقة تعزيز الشراكة الاستراتيجية الروسية-الجزائرية في 15 يونيو الماضي، والتي تمثل أبرزها فيما يلي.

١- التوقيع على بروتوكول التعاون القضائي: وقّع المدعي العام الروسي، إيجور كراسنوف، خلال محادثات مع وزير العدل الجزائري، عبد الرشيد طبي، على بروتوكول تعاون قضائي بين الجزائر وروسيا، في ٢٨ نوفمبر الفائت، والذي يُحدد مجالات العمل المشترك ذات الأولوية، ويمنح موظفي وزارة العدل الجزائرية فرصة المشاركة مجاناً في الفعاليات التدريبية الروسية.

ويأتي التعاون القضائي الروسي-الجزائري في إطار الجهود الروسية لمواجهة الملاحقات القضائية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الرئيس بوتين، بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، في 7 مارس الماضي، مذكرة توقيف بحقه بتهمة ترحيل أطفال أوكرانيين خلال الحرب التي تشنها موسكو ضد كييف، وهو ما نفته موسكو آنذاك.

وقد اقترح المدعي العام الروسي أن يدرس وزير العدل الجزائري إبرام اتفاقية مع روسيا بشأن عدم تسليم المواطنين بناء على طلب المحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن تقديم الضمانات المتبادلة المناسبة قبل التوقيع عليها، حيث أشار إلى أن المحكمة “تُستخدم من خلال جهود مجموعات معينة لخدمة مصالح شخصية، وفي انتهاك لقواعد القانون الدولي المعترف بها”، في إشارة للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.

٢- التعاون في مجال التكنولوجيا النووية: تضمن إعلان تعميق الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والجزائر العمل على تطوير التعاون في التكنولوجيا النووية واستخداماتها السلمية، ولا سيما في المجال الطبي، والتصوير التشخيصي، وإنتاج النظائر المشعة في الجزائر. وقد لفت الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إلى إمكانية توقيع اتفاقيات مع روسيا لتطهير المناطق التي أُجريت فيها التجارب النووية للاستعمار الفرنسي بالجزائر. وقد اكتسب هذا التعاون زخماً، في ظل تطلع الجزائر إلى تطوير التقنيات النووية للأغراض الطبية والصناعية والزراعية.

وتلتزم روسيا والجزائر بتعزيز تعاونهما النووي بهدف تحقيق نتائج مفيدة للجانبين. وينصب التركيز على توسيع التعاون في مجالات مثل البحث والتطوير النووي، حيث يخطط البلدان لإنشاء مراكز بحث مشتركة لتعزيز وتطوير التكنولوجيا النووية واستكشاف تطبيقات جديدة. فقد وقعت شركة “روس آتوم” الروسية والهيئة الجزائرية للطاقة الذرية، في 26 سبتمبر الماضي، على هامش المؤتمر العام الـ٦٧ للوكالة الدولية للطاقة الذرية، مذكرة تفاهم حول تنفيذ مشاريع مشتركة في مجال الطب النووي، حيث اتفق الطرفان على تنفيذ مشاريع مشتركة للتعاون في مجال تطبيق التقنيات النووية غير المتعلقة بالطاقة في قطاعات الرعاية الصحية، وتطوير الطب النووي في الجزائر، وذلك بجانب الاهتمام الجزائري بتعزيز التعاون مع روسيا في مجال الطاقة النووية واستخداماتها لأغراض توليد الطاقة وآفاقها المستقبلية.

ويظلّ التعاون في مجال السلامة والأمن النوويين أولوية للدولتين بما يضمن الاستخدام الآمن والمسئول للتكنولوجيا النووية في الجزائر. وتعد تنمية الموارد البشرية النووية وتعزيز القوى العاملة الماهرة في التكنولوجيا النووية أمراً بالغ الأهمية لطموحات الجزائر النووية.

٣- دعم العلاقات في قطاع التعليم: تعمل الجزائر وروسيا على تعزيز تعاونهما في قطاع التعليم وتنمية المهارات. ويشمل ذلك برامج تبادل الطلاب، والمبادرات البحثية المشتركة، وبرامج التدريب في مجالات مختلفة، مثل الهندسة والتكنولوجيا والعلوم. ففي 8 سبتمبر الماضي، أجرى وزير التربية الجزائري، عبد الحكيم بلعابد، مباحثات مع نائب وزير التربية والتعليم الروسي، دينيس جريبوف، حول سبل تطوير التعاون في المجال التربوي بين البلدين. وقد أوضح الوزير الجزائري أن التعاون مع موسكو في مجال التربية والتعليم سيعزز الخبرات العلمية وتبادل التجارب، في وقت تولي فيه الدولة الجزائرية أهمية لتطوير الاختصاصات العلمية والتقنية.

وفي إطار توسيع أفق التعاون الأكاديمي الجزائري-الروسي افتتح مركز لتعليم اللغة الروسية على مستوى جامعة الجزائر٢ “أبو القاسم سعد الله” بالتعاون مع الجامعة التربوية الحكومية الروسية. ويأتي تعزيز التعاون في مجال التعليم في إطار إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال المباحثات مع الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في 15 يونيو الماضي، عن خطط لزيادة الطلبة الجزائريين في الجامعات الروسية بمقدار الثلث.

4- تنفيذ مشاريع مشتركة في تكنولوجيا الفضاء: تسعى الجزائر وروسيا إلى تطوير التعاون في تكنولوجيا الفضاء. وقد اقترحت روسيا مشاريع مشتركة في مجال تطوير الأقمار الصناعية وخدمات إطلاقها، في حين أعربت الجزائر عن اهتمامها بالاستفادة من الخبرة الروسية في مجال الاستشعار عن بعد وتطبيقات الفضاء في مجالات الزراعة، وإدارة الموارد، والرصد البيئي.

ووقّعت الجزائر وموسكو، في 19 يونيو الماضي، اتفاقية التعاون في مجال استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية، والتدريب ونقل المعرفة في مجال الفضاء، والتنظيم القانوني الدولي للنشاط الفضائي. وقد دعت وكالة الفضاء الاتحادية “روسكوسموس” وكالة الفضاء الجزائرية، في أول يوليو الماضي، للانضمام إلى بناء محطة فضاء روسية، بما يساعد الجزائر على تأسيس وحداتها الوطنية، بدلاً من مجرد تدريب رواد الفضاء.

وهناك رغبة جزائرية-روسية مشتركة لتعزيز التعاون بين البلدين في مجال تكنولوجيا الفضاء. فقد أعربتا خلال لقاء المدير العام للوكالة الفضائية الجزائرية، عز الدين أوصديق، بنظيره الروسي مدير الوكالة الفضائية الروسية، يوري بوريسوف، في 26 يونيو الماضي، عن سعيهما إلى تعزيز تعاونهما في المجال الفضائي، ولا سيما بعد توقيع الاتفاق الحكومي للتعاون الجزائري-الروسي في مجال استكشاف واستخدام الفضاء لأغراض سلمية خلال آخر زيارة قام بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى روسيا.

تحولات لافتة

تأتي التحركات الروسية المتعددة لتوسيع نطاق التعاون مع بعض دول المنطقة لتدل على تحولات لافتة في العقلية الجيوسياسية الروسية، والتي عبر عنها المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية الذي تمت الموافقة عليه في 31 مارس الماضي، ولا سيما بعد الضغوط الأمريكية والغربية على روسيا في أعقاب حربها على أوكرانيا المستمرة منذ ٢٤ فبراير ٢٠٢٢. وقد دفع ذلك روسيا إلى زيادة التعاون التجاري وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي تبحث عن شركاء دوليين وتنويع علاقاتها الخارجية في ظل التذبذب في الدعم الأمريكي لها. ويتسق ذلك مع السياسة الروسية التي تتطلع الآن إلى تطوير علاقات تجارية تتجاوز الاتحاد الأوروبي تماماً، والتي تشمل الإمدادات الغذائية، والإنتاج الصناعي، وتنمية الصادرات وصناعة السياحة، وإيجاد أسواق جديدة للأسلحة الروسية.