ملفات شائكة:
لماذا تصاعد التوتر مجدداً بين المغرب وإيران؟

ملفات شائكة:

لماذا تصاعد التوتر مجدداً بين المغرب وإيران؟



لا يمثل التوتر نمطاً جديداً للعلاقات بين إيران والمغرب، إلا أن تصاعد حدته في الفترة الحالية يوحي بأن الأسباب التي أدت إليه ما زالت قائمة ويتزايد تأثيرها باستمرار، خاصة فيما يتعلق بدعم إيران لجبهة “البوليساريو”، ومحاولاتها تأسيس محور مناوئ للسياسة المغربية، وسعيها إلى عرقلة الدور المغربي على الساحة الأفريقية، فضلاً عن اتساع نطاق الخلافات بين الدولتين حول العديد من الأزمات الإقليمية، وفي مقدمتها الملف اليمني.

تجدد التوتر بين إيران والمغرب مرة أخرى، حيث اتهم وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في 3 أكتوبر الجاري، إيران بتقويض السلام في العالم، معتبراً إياها “الراعي الرسمي للانفصال والإرهاب في العالم العربي مع وجود تواطؤ”. كما أدان، خلال لقائه نظيره اليمني أحمد عوض بن مبارك، قصف إيران لكردستان العراق.

ورغم أن إيران حرصت، في 4 أكتوبر الجاري، على نفى الاتهامات المغربية، واستنكرت تصريحات الوزير المغربي؛ إلا أن ثمة شواهد عديدة تكشف عن مساعي إيران لتعزيز علاقاتها مع جبهة “البوليساريو”، وبدا ذلك جلياً في الدعم المباشر الذي تقدمه إيران إلى الجبهة داخل المنظمات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة، حيث أكد المستشار الأول للبعثة الدائمة لإيران لدى الأمم المتحدة محمد رضا سهرايي، في 17 مارس 2021، أن بلاده تقف إلى جانب ما أسماه “حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير”، داعياً المغرب إلى “وقف انتهاكاته لحقوق الإنسان بالأجزاء المحتلة”.

اعتبارات عديدة

 يمكن تفسير أسباب تجدد التوتر مرة أخرى بين إيران والمغرب في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- اتهام إيران بتقديم دعم عسكري لـ”البوليساريو”: لا يبدو أن الدعم الذي تقدمه إيران إلى جبهة “البوليساريو” يقتصر على المجال السياسي وإنما يمتد إلى المجال العسكري، حيث تشير تقارير عديدة إلى أن إيران ما زالت حريصة على تقديم دعم عسكري للجبهة عن طريق إرسال خبراء ومعدات عسكرية، وفي الصدارة منها الطائرات المسيرة. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن وزير داخلية ما يسمى “الجمهورية الصحراوية” عمر منصور، أكد خلال زيارته إلى موريتانيا في 2 أكتوبر الجاري، اقتراب حصول “البوليساريو” على طائرات مسيرة، وهو ما أثار شكوكاً مغربية حول استمرار الدعم الإيراني للجبهة. ويبدو أن إيران تعتمد في تقديم هذا الدعم على حزب الله اللبناني، على غرار ما يقوم به الحزب في دول أخرى، حيث يقدم خبراته العسكرية إلى المليشيات المسلحة والانفصالية، وذلك بهدف خدمة المصالح الإيرانية وتهيئة المجال أمام توسيع نطاق نفوذ إيران على الساحة الإقليمية.

2- تأسيس محور مناهض للسياسة المغربية: يرتبط تجدد التوتر بين طهران والرباط خلال المرحلة الحالية بمساعي الأولى إلى بناء محور مناهض للسياسات المغربية في المنطقة، وذلك من خلال توثيق التحالف الإيراني مع بعض دول شمال أفريقيا، وخاصة الجزائر، وظهر ذلك في الإعلان عن قرب تأسيس مجموعة الصداقة الإيرانية-الجزائرية في 7 فبراير الماضي. وقد كان لافتاً أن إيران حرصت على تأييد موقف الجزائر بعد قيامها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، حيث اعتبر السفير الإيراني لدى الجزائر حسين مشعلجي زاده، في 27 أغسطس 2021، أن الاهتمام يجب أن يتركز حول أسباب اتخاذ القرار وليس القرار في حد ذاته.

3- محاولة عرقلة النفوذ المغربي في أفريقيا: ربما لا ينفصل ذلك عن رد فعل إيران إزاء تطور العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ومحاولتها توظيف ذلك لتقليص وعرقلة الدور الذي تسعى المغرب إلى تعزيزه على الساحة الأفريقية في المرحلة الحالية، وخاصة منطقة غرب أفريقيا، التي تحظى باهتمام خاص من جانب إيران. إذ تستغل الأخيرة نشاط بعض المؤسسات التي يطلق عليها “البنياد” فضلاً عن وجود بعض الجاليات القريبة منها بهدف توسيع نطاق نفوذها داخل دول تلك المنطقة. وكانت إيران قد حاولت في فترة سابقة استغلال نفوذها داخل بعض تلك الدول من أجل مواصلة عمليات تهريب السلاح إلى بعض المليشيات المسلحة الموالية لها.

4- تباين المواقف إزاء أزمات الإقليم: تعكس المؤشرات الراهنة وجود تناقض بين الموقفين الإيراني والمغربي إزاء بعض الأزمات التي تتصاعد حدتها على الساحة الإقليمية، وخاصة في كل من اليمن وسوريا والعراق. إذ تعارض المغرب بشكل واضح التدخلات الإيرانية في تلك الدول. وكان لافتاً أن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة حرص، خلال لقاءه نظيره اليمني أحمد عوض بن مبارك في 3 أكتوبر الجاري، على إدانة الضربات العسكرية التي شنتها إيران ضد بعض مواقع الجماعات الكردية الإيرانية المسلحة في كردستان العراق. وتوازى ذلك مع الاتهامات التي توجهها المغرب إلى إيران بدعم المليشيا الحوثية المتمردة في اليمن، حيث اعتبرت أن السياسة التي تتبناها طهران تمثل نقطة استناد رئيسية في تقسيم اليمن. وقد أكد بوريطة أن بلاده تثمن “المواقف الرصينة للحكومة الشرعية اليمنية في تجديد الهدنة في اليمن”، مضيفاً أن “المغرب يدين الأعمال الإرهابية للحوثيين”، ومؤكداً أن “مليشيات الحوثيين تشتغل بأجندة إيران”.

ضغوط متزايدة

على ضوء ذلك، يُمكن القول في النهاية إن الاتهامات المغربية ضد إيران بدعم جبهة “البوليساريو” في هذا التوقيت سوف تؤدي إلى زيادة الضغوط الإقليمية والدولية المفروضة حاليّاً على إيران، لا سيما في ظل تعثر المفاوضات النووية التي تجري في فيينا بين إيران والقوى الدولية بسبب استمرار الخلافات حول العديد من الملفات الرئيسية، وتصاعد حدة الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها البلاد منذ 16 سبتمبر الفائت، اعتراضاً على وفاة الفتاة الكردية مهسا اميني على أيدي عناصر من شرطة “الإرشاد”، فضلاً عن تزايد الإدانات العربية والإقليمية والدولية للهجمات العسكرية التي تشنها إيران في شمال العراق.

وعلى الرغم من أنّ هذه الاتهامات الموجهة لإيران لم تكن جديدة وليست هي الأولى من نوعها؛ إلا أن الموقف المغربي هذه المرة يكشف عن عمق تأزم العلاقات مع طهران، ويؤكد أن الرباط ماضية في مواجهة التدخلات التي تقوم بها الأخيرة، خاصة أن العاهل المغربي الملك محمد السادس كان قد أكد، في خطاب له في 22 أغسطس الماضي بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، أن “ملف الصحراء المغربية هو النظارة التي ينظر منها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.