أزمة مزمنة:
لماذا تصاعدت المواجهات المسلحة في أرض الصومال؟

أزمة مزمنة:

لماذا تصاعدت المواجهات المسلحة في أرض الصومال؟



تشهد مدينة لاس عنود، عاصمة منطقة صول، الواقعة جنوب شرق أرض الصومال (صوماليلاند)، اشتباكات مسلحة مستمرة بين قوات أرض الصومال وبعض المليشيات العشائرية، كان آخرها في بداية مارس الحالي، وذلك على خلفية تبني قادة العشائر مطالب انفصالية، حيث يسعون إلى الانضمام لإقليم بونتلاند، وهو ما يأتي في سياق تصاعد حدة التوتر بين مقديشيو وهرجيسا، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب تصاعد المواجهات المسلحة في لاس عنود والمسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها خلال المرحلة القادمة، خاصة أن هذه الأزمة تحظى باهتمام دولي بارز، بدا جلياً في البيان الذي صدر بعد انتهاء الاجتماع السداسي الذي ضم الإمارات وقطر وتركيا والصومال والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، في واشنطن، في 7 مارس الجاري، والذي دعت فيه الدول المشاركة كافة الأطراف إلى الالتزام بوقف إطلاق النار وخفض التصعيد والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق والمشاركة في حوار بناء وسلمي.

أسباب متعددة

يمكن القول إن ثمة أسباباً عديدة أدّت إلى تفاقم حدة المواجهات المسلحة في تلك المنطقة، يتمثل أبرزها في:

1- التصعيد العسكري للمليشيات العشائرية: تطالب تلك المليشيات بانفصال لاس عنود المتنازع عليها بين ولاية بونتلاند وأرض الصومال التي أعلنت نفسها جمهورية مستقلة من جانب واحد. وتستند تلك المليشيات إلى الاتهامات التي توجهها للسلطات في أرض الصومال، كمبرر لتبني هذه الخيار، على غرار تنفيذ حملة اغتيالات سياسية، وهو ما ترد عليه الأخيرة بأن هذه الاتهامات لا تتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، وأنها محاولة فقط لتحقيق أهداف الانفصاليين. وفي هذا السياق، عقد قادة العشائر في المنطقة مؤتمراً استمر من 28 يناير الماضي وحتى 6 فبراير الفائت، طالبوا في ختامه بالانسحاب الكامل لقوات أرض الصومال من المنطقة.

2- استمرار التوتر بين بونتلاند وصوماليلاند: لا تنفصل هذه المواجهات عن استمرار التوتر بين بونتلاند وصوماليلاند، وخاصة بعد قيامهما بحشد قواتهما على الحدود منذ ديسمبر الماضي، حيث يفرض الانتماء الأوّلى للعشائر تأثيراً مباشراً يساهم في تأجيج الصراع، إذ تندلع المواجهات بين القوات التابعة لأرض الصومال ومجموعات مسلحة من عشيرة طلبهنتي، التي أعلن زعماؤها أنها موالية للحكومة الصومالية، وزعموا أن ذلك جاء بعد حملة تطهير قامت بها سلطات أرض الصومال ضد سكان المنطقة.

3- محاولة مقديشيو استغلال الصراع: ترى اتجاهات عديدة أن مقديشيو تسعى إلى استغلال تصاعد حدة المواجهات المسلحة بين الطرفين من أجل تعزيز موقعها في مواجهة أرض الصومال تحديداً، خاصة أنها تدعو إلى الاستجابة لمطالب مواطني المنطقة، وهو ما لا يتوافق مع رؤية الأخيرة التي تعتبر أن ذلك مقدمة لإضعافها وتعرضها لضغوط أكبر من جانب الأطراف المناوئة لها. فضلاً عن أن مقديشيو تحاول أيضاً الضغط عل بونتلاند التي تبدو منشغلة حالياً في إدارة الصراع مع صوماليلاند حول المنطقة، لا سيما في ظل التباينات العالقة بين الطرفين حول العديد من الملفات.

لكن ذلك لا ينفي أن اندلاع المواجهات المسلحة جاء في وقت صعب بالنسبة لمقديشيو، التي تسعى في الوقت الحالي إلى منح الأولوية للحرب ضد حركة “شباب المجاهدين” الإرهابية، والتي تكتسب أهمية خاصة من جانب بعض القوى الإقليمية والدولية، حيث ترى أن الحركة يمكن أن تسعى بدورها للاستفادة من نشوب تلك المواجهات من أجل توسيع هامش الحركة وحرية المناورة المتاحة أمامها وتقليص الضغوط التي تتعرض لها من جانب الحكومة الصومالية والقوى الداعمة لها.

4- فشل الوساطة الجيبوتية في الوصول إلى تسوية: عرض الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، خلال مشاركته في اجتماع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد) الذي عقد في مقديشو، في أول فبراير الفائت، ممارسة دور الوسيط للوصول إلى توافق بين الطرفين. إلا أن ذلك لم يقابل بردود فعل إيجابية من جانب العشائر، التي تبني قادتها شروطاً مسبقة قبل الاستجابة لأى جهود وساطة، منها انسحاب القوات الموالية لأرض الصومال من المنطقة، فضلاً عن أنهم يبدون تحفظات إزاء العلاقات بين جيبوتي وأرض الصومال، لا سيما أن للأولى تمثيلاً دبلوماسياً في هرجيسا، على نحو ترى العشائر أنه يخصم من قدرتها على ممارسة دور الوسيط.

مساران رئيسيان

على ضوء ذلك، يمكن طرح مسارين رئيسيين للمواجهات الحالية بين أرض الصومال والمليشيات العشائرية: المسار الأول، يتمثل في قبول الطرفين بالوصول إلى تسوية للصراع، عبر المفاوضات المباشرة، برعاية بعض دول الجوار، على غرار إثيوبيا وجيبوتي، خاصة في ظل تصاعد حدة الضغوط الإقليمية والدولية التي يتعرضان لها، لا سيما من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، التي طالب سفيرها في الصومال لاري اندريه الطرفين بضبط النفس وخفض التصعيد.

وبالطبع، فإن هذه الضغوط تتصاعد خاصة على أرض الصومال، بعد القرار الذي اتخذه مجلس الشيوخ، في أول أكتوبر الماضي، بالتمديد للرئيس المنتهية ولايته موسى بيهي عبده، لمدة عامين، بموافقة 72 من أصل 76 نائباً وهو ما رفضته قوى المعارضة. كما أن استمرار المواجهات المسلحة يضع عقبات عديدة أمام الجهود التي تبذلها أرض الصومال للحصول على اعتراف دولي بها، وقد يدفع قوى دولية عديدة إلى قطع المساعدات الإنسانية التي تقدمها لها.

ويتوازى مع ذلك، اتساع نطاق الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها العشائر في لاس عنود، التي تعتمد على الطرق التجارية التي تسيطر عليها أرض الصومال، وهو ما يفرض خيارات محدودة أمام الطرفين وربما يساعد في دفعهما إلى إجراء مباحثات بينهما.

يضاف إلى ذلك، تفاقم حدة الأزمة الإنسانية الناتجة عن المواجهات، والتي أثارت اهتماماً دولياً، على نحو بدا جلياً في تأكيد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين على أن ما يقرب من مائة ألف صومالي، معظمهم من النساء والأطفال، فروا من لاس عنود إلى إثيوبيا، في الفترة التي أعقبت اندلاع المواجهات المسلحة.

والمسار الثاني، ينصرف إلى استمرار الصراع المسلح بين الطرفين، خاصة في ظل إصرار كل طرف على التمسك بمطالبه وشروطه المسبقة، فضلاً عن وجود جماعات لها مصالح في تأجيج المواجهات المسلحة، وتسعى إلى استغلالها لتعزيز نفوذها الداخلي.

مصالح متقاطعة

مع ذلك، فإن تقاطع مصالح العديد من القوى الإقليمية والدولية المهتمة بالتطورات التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي بشكل عام، يمكن أن يكون لها دور في تحديد أى من المسارين سوف يتحقق في النهاية، وهو ما سوف يؤثر بشكل مباشر سواء على الصراع بين بونتلاند وصوماليلاند، أو على العلاقة بين الأخيرة والصومال، التي تسعى بدورها إلى تعزيز قدرتها على مواجهة التهديدات التي تتعرض لها في الفترة الحالية، ولا سيما من جانب حركة “شباب المجاهدين”، التي تواجه حالياً ضغوطاً قوية بسبب الضربات الأمنية القوية التي تلقتها في الفترة الماضية.