مصالح مشتركة:
لماذا تسعى واشنطن لتطوير العلاقات مع نواكشوط؟

مصالح مشتركة:

لماذا تسعى واشنطن لتطوير العلاقات مع نواكشوط؟



تبدي الولايات المتحدة الأمريكية اهتماماً خاصاً بتوسيع نطاق التعاون الثنائي مع موريتانيا. إذ أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اتصالاً هاتفياً بالرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، في 14 مارس الحالي، لتهنئته على انتخابه رئيساً للاتحاد الأفريقي لعام ٢٠٢٤، وأشار بيان الخارجية الأمريكية إلى أن بلينكن عبر عن رغبة واشنطن في تعزيز التعاون مع نواكشوط لمعالجة القضايا العالمية بما في ذلك الديمقراطية والحكم والسلام والأمن والمناخ والأمن الغذائي بما يتماشى مع أجندة الاتحاد الأفريقي ٢٠٦٣. ويعكس هذا الاهتمام التزام الولايات المتحدة الأمريكية بدعم الشراكة مع دول شمال أفريقيا والساحل الغربي للقارة الأفريقية.

ملفات متعددة

تمتد العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وموريتانيا لأكثر من ستة عقود، وتتميز بتعاون وثيق في مجالات الأمن والتنمية ومكافحة الإرهاب. وتتمثل أبرز مجالات التعاون بين البلدين فيما يلي:

1- إعادة المهاجرين غير الشرعيين: أعلن حرس الحدود الأمريكي، خلال شهر يونيو الماضي، أن أعداد المهاجرين الموريتانيين غير الشرعيين تضاعفت بين عامي ٢٠٢٢ و٢٠٢٣ بنسبة ١٠٠٪. ووفق بيانات الجمارك وهيئة حماية الحدود الأمريكية، فقد وصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية بطريقة غير شرعية عبر الحدود البرية في الفترة من مارس إلى يونيو ٢٠٢٣ أكثر من 8500 موريتاني.

ولكون قضية الهجرة غير الشرعية تمثل أولوية لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ولا سيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في ظل الانتقادات التي يوجهها الجمهوريون لسياساتها في التعامل مع تزايد موجات الهجرة غير الشرعية على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية، كانت قضية عودة المهاجرين الموريتانيين غير الشرعيين لموريتانيا إحدى أبرز قضايا التعاون بين واشنطن ونواكشوط.

وفي إطار الشراكة الأمنية المتنامية بين البلدين، اتفقت الولايات المتحدة الأمريكية وموريتانيا على آلية لترحيل عدد كبير من المهاجرين الموريتانيين الذين تدفقوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً وما زالوا يفتقرون إلى تصريح قانوني يسمح لهم بالبقاء على الأراضي الأمريكية. فقد أشار موقع السفارة الأمريكية في موريتانيا إلى عمليات ترحيل متعددة لعدد كبير من الموريتانيين الذين يفتقرون إلى تصريح قانوني للبقاء في الولايات المتحدة الأمريكية إلى وطنهم بالتعاون مع الحكومة الموريتانية.

وبينما تبذل السلطات الموريتانية وهيئاتها المختصة جهوداً لوقف سيل الهجرة غير الشرعية للموريتانيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أطلقت السفارة الأمريكية في موريتانيا حملة إعلامية للتعريف بالمسارات القانونية لـ”الحالمين بالهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية”، للحد من موجات الهجرة غير الشرعية للموريتانيين.

وفي المقابل، دعت منظمات حقوق الإنسان الأمريكية إدارة الرئيس جو بايدن إلى منح وضع الحماية المؤقت لموريتانيا، مشيرة إلى تقارير عن إساءة المعاملة ضد السكان السود الذين يتم ترحيلهم بعد الفرار. وقد مارس عدد من المشرعين الأمريكيين بمجلسي الشيوخ والنواب ضغوطاً متكررة على الحكومة الأمريكية لتوسيع نطاق الحماية لتشمل الموريتانيين السود، وقد كان من أبرزهم كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي، خلال فترة وجودها في مجلس الشيوخ، التي قادت زملاءها لتوجيه رسالة تحث إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب على وقف عمليات ترحيل المواطنين الموريتانيين.

2- مساعدات أمريكية لدعم اللاجئين: باتت موريتانيا مركزاً لاستقطاب اللاجئين من دول الساحل التي تشهد توترات أمنية بسبب الانقلابات العسكرية، ونشاط الحركات الانفصالية والمسلحة. فقد زاد عدد المهاجرين من دول الساحل في موريتانيا من ٥٧ ألف مهاجر في عام ٢٠١٩ إلى أكثر من ١١٢ ألفاً في العام الماضي. وقد أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في 2 يناير الماضي، أنه يتوقع وصول أكثر من ١٠٠ ألف لاجئ إضافي من الشمال المالي، بسبب الأوضاع المتأزمة بين الحركات الأزوادية المسلحة والحكومة المالية.

وقدشكّل تزايد المهاجرين من دول الساحل تهديداً أمنياً لنواكشوط، ما دفعها لاستدعاء الشركاء الدوليين المعنيين بملف الهجرة، من أجل المساعدة في وضع المهاجرين في ظروف ملائمة تفادياً لخطر الجريمة وعدم الاستقرار الأمني. وفي هذا السياق، ⁠أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، في 19 مارس الجاري، تقديم ٥ ملايين دولار عبر مكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية كمساهمة في خطة الطوارئ المنفذة لصالح اللاجئين والسكان المضيفين في ولاية الحوض الشرقي بموريتانيا. ⁠وقالت ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في موريتانيا، إن هذه المساعدة ستسهم في دعم المبادرات التي تهدف إلى تحسين الخدمات الأساسية وسُبل العيش والتدريب المهني وتنمية البنية المجتمعية.

3- التعاون الثنائي لمواجهة الإرهاب: يُعد التعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية وموريتانيا في مجال مكافحة الإرهاب من أولويات العلاقات الثنائية بين البلدين. ففي هذا المجال، تعاونت واشنطن مع نواكشوط في تطوير قدراتها الأمنية وتدريب قواتها العسكرية والأمنية في المؤسسات العسكرية الأمريكية.

وقدمت الولايات المتحدة الأمريكية الدعم المالي والتقني لتعزيز قدرات موريتانيا لمكافحة الإرهاب وتعزيز أمن الحدود. وقد شارك الجيش الموريتاني في مناورات القيادة الأمريكية الأفريقية “فلينتلوك” و”فينيكس إكسبريس”، واستضاف “فلينتلوك ٢٠٢٠”. وعلى مدى أكثر من عقد، مارست موريتانيا دوراً هاماً في مكافحة الإرهاب ومنع التطرف العنيف باعتبارها المضيفة للأمانة التنفيذية لمجموعة الساحل وكلية الدفاع للمجموعة.

4- تقديم الدعم الاقتصادي لنواكشوط: تقدم الولايات المتحدة الأمريكية المساعدة لموريتانيا في مجال التنمية الاقتصادية من خلال برامج تعزز النمو الاقتصادي، وتحسن القدرات المؤسسية والبنية التحتية. كما توفر واشنطن الدعم في مجال التعليم والتدريب المهني لتعزيز قدرات القوى العاملة في نواكشوط، ويشمل ذلك توفير المنح الدراسية، والتدريب الفني والتقني للشباب، وتطوير المناهج التعليمية، بما يقلل من عدد المهاجرين غير الشرعيين للولايات المتحدة الأمريكية.

وتعمل واشنطن على تعزيز التجارة بين البلدين من خلال تسهيل الصادرات والواردات وتوسيع نطاق العلاقات التجارية. ويتم تقديم الدعم التقني والاستشاري لموريتانيا لتطوير القدرات التجارية والتسهيلات اللوجستية وتعزيز الوصول إلى الأسواق العالمية. فبحسب مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة الأمريكية بلغت صادرات السلع الأمريكية إلى موريتانيا في عام ٢٠٢٢ حوالي ١٥٤ مليون دولار، بزيادة ١٧,٣٪ (٢٣ مليون دولار) عن عام ٢٠٢١، ولكن بانخفاض بنسبة ٤٧٪ عن عام ٢٠١٢. وقد وصل إجمالي واردات السلع الأمريكية من موريتانيا إلى ٦ ملايين دولار في عام ٢٠٢٢، بزيادة ٤٦,٨٪ (٢ مليون دولار) عن عام ٢٠٢١، وبزيادة ٨٠٧٪ عن عام ٢٠٢١. في حين بلغ فائض تجارة السلع الأمريكية مع موريتانيا ١٤٨ مليون دولار في عام ٢٠٢٢، بزيادة قدرها ١٦,٣٪ (٢١ مليون دولار) عن عام ٢٠٢١. ويمكن للتعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة الأمريكية وموريتانيا أن يساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة داخل الأخيرة.

لكن رغم الجهود الأمريكية لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع موريتانيا، فإن هناك جملة من التحديات لا يمكن تجاهلها من أبرزها مواجهة نواكشوط انتقادات داخل واشنطن بسبب ملف حقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بقمع حرية التعبير والاعتقالات التعسفية. كما تبدي الولايات المتحدة الأمريكية قلقها من العلاقات التي تؤسسها موريتانيا مع بعض الدول، على غرار إيران وروسيا، والتي تسعى من خلالها نواكشوط إلى توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع التطورات الي تشهدها الساحة الدولية.