تواصل إقليمي:
لماذا تسعى حكومة الوحدة الوطنية الليبية إلى الانخراط في الأزمة السودانية؟

تواصل إقليمي:

لماذا تسعى حكومة الوحدة الوطنية الليبية إلى الانخراط في الأزمة السودانية؟



تستند مُبادرة “إحلال السلام ووقف الحرب” في السودان، التي أعلن عنها عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس الليبية، إلى عددٍ من الدوافع يأتي في مقدمتها: محاولة الدبيبة وحكومة طرابلس الهروب إلى الأمام في ظل أزمات الداخل الليبي، وتنشيط خطوط التواصل الإقليمي مع الجوار الليبي والمحيط العربي، فضلاً عن تفعيل مكانة حكومة الوحدة الوطنية إقليمياً عبر الدخول على خط الأزمة في السودان، علاوةً على اللعب على وتر “ملف الهجرة” مع الأوروبيين، ومحاولة الحد من حركة النزوح الكبيرة إلى الداخل الليبي من جانب اللاجئين السودانيين الفارين من الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع.

بإعلان رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، مُبادرة “إحلال السلام ووقف الحرب” في السودان، قبل يومين من زيارة قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، ومع دعوة الدبيبة لقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، لزيارة طرابلس؛ تكون حكومة غرب ليبيا قد دخلت على خط الأزمة في السودان.

وكان دقلو أول من كشف عن مبادرة الدبيبة في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “X”، أما البرهان الذي وصل إلى طرابلس، في 26 فبراير الفائت، فقد عقد اجتماعين مُنفردين مع الدبيبة، وأيضاً مع محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي.

دوافع متشابكة

كما يبدو فإن مُبادرة الدبيبة جاءت لجمع كل من البرهان وحميدتي وجهاً لوجه لأجل حلحلة الصراع السوداني، في الوقت الذي تؤشر فيه إلى أن السلطات في غرب ليبيا تبحث عن دور للحد من الصراع؛ إلا أنها في الوقت نفسه تُثير قدراً كبيراً من التساؤلات حول الدوافع وراء هذه المبادرة وذلك الدور. واللافت أن دوافع رئيس حكومة الوحدة الوطنية للدخول على خط الأزمة السودانية، تتعدد بشكل واضح، وذلك كما يلي:

1- تحقيق “قفزة سياسية” لتجاوز أزمات الداخل الليبي: فمع تحويل عبد الحميد الدبيبة اهتمامه، الذي يبدو مُفاجئاً، إلى السودان، وإلى الأزمة الناشبة فيه منذ أكثر من عشرة أشهر، يأتي التحول هذا كـ”قفزة سياسية” لإثبات الوجود على المستوى الإقليمي، ربما أكثر منه تحولاً واقعياً يرتكز على محفزات الأهمية السياسية والاقتصادية للسودان بالنسبة إلى ليبيا.

إذ من المُلاحظ أن مُبادرة الدبيبة قد استدعت انتقادات محلية في الداخل الليبي، من منظور “عجز” الدبيبة عن حسم الأزمة الليبية، بل -وبحسب وصف بعض وسائل الإعلام الليبية- فشل الدبيبة في إعادة السلام إلى ليبيا. هذا، رغم زيارة البرهان إلى طرابلس، وموافقة حميدتي على زيارة ليبيا وامتنانه لـ”جهود الدبيبة الرامية إلى دعم الأمن والاستقرار في السودان”، كما أشار في تغريدته على موقع “X”.

2- محاولة تنشيط خطوط التواصل الإقليمي: حيث يبدو أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية يسعى إلى التغطية على تزايد الأزمة الأمنية في العاصمة الليبية طرابلس، وكذلك في مدن الساحل الشمالي الغربي في ليبيا، من خلال توظيف مبادرة “إحلال السلام ووقف الحرب” في السودان إعلامياً، خاصة أن هذه المبادرة تتضمن -بحسب الإعلان عنها- الجمع بين البرهان وحميدتي في لقاء واحد وجهاً لوجه، بما يُمثل في حال تحققه انتصاراً غير مسبوق للدبلوماسية الليبية، ولحكومة الوحدة الوطنية، ورئيسها عبد الحميد الدبيبة. هذا، رغم استبعاد ذلك الاحتمال، من المنظور الواقعي، رغم ترحيب حميدتي بدعوة الدبيبة.

إلا أنه من المُلاحظ أن مُبادرة الدبيبة ليس من الضروري أن تكون قائمة بذاتها؛ بل يُمكن أن تكون إحدى الخطوات الداعمة لـ”الإطار الإقليمي” الذي يهدف إلى تسوية الأزمة في السودان، وذلك من حيث إن هذه المبادرة، التي تأتي في وقت تُعاني فيه ليبيا من عدم استقرار سياسي، لا يُمكن أن يتم طرحها إلا بعد مشاورات مع بعض الأطراف الإقليمية المؤثرة والمتدخلة بشكل ما في السودان.

ولعلّ هذا ما يعني أن ليبيا، عبر المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، يُمكن أن تُصبح لاعباً مؤثراً في الشأن السوداني، بحكم الجوار الجغرافي، وبحكم التأثير العسكري والقبلي للمُرتزقة والمُقاتلين السودانيين الموجودين على أراضيها.

3- تفعيل مكانة حكومة الوحدة الوطنية إقليمياً: إذ يستند الدبيبة في الدخول على خط الأزمة السودانية إلى محاولة تفعيل مكانة حكومة الوحدة الوطنية على المستوى الإقليمي، كما على المستوى الدولي، وتحديداً بعد قرار مجلس الأمن الأخير، بتاريخ 27 فبراير، بالتحذير من عقوبات مجلس الأمن “لكل من يُعرقل أو يُعيق استكمال عملية الانتقال السياسي، بما في ذلك عرقلة الانتخابات أو تقويضها”.

وبالتالي، يبدو أن كلا الرجلين، البرهان والدبيبة، قد التقيا عند نقطة تقاطع المصالح بالنسبة إلى كل منهما. فإذا كان من الممكن النظر إلى زيارة قائد الجيش السوداني إلى طرابلس، من منظور محاولة البرهان إثبات أنه مُنفتح على كافة المبادرات الإقليمية لتسوية الأزمة السودانية، خاصة بعد رفضه المبادرة الأخيرة التي طرحتها الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد”؛ فإنه -في الوقت نفسه- يبدو أن مبادرة الدبيبة هي محاولة “تسجيل حضور” في الفضاء الإقليمي، ومحاولة من جانبه لصرف الأنظار، ولو مؤقتاً، عن الأزمة التي تُعاني منها حكومته.

4- الدخول على خط التنافس مع خليفة حفتر: وهو ما يتبدى عبر حديث الدبيبة الدائم والمتكرر، مثل حديثه في أغسطس الماضي، عن “تورط أحد الأطراف الليبية في دعم أحد أطراف الصراع في الحرب الدائرة بالسودان”، في إشارة ضمنية إلى المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي. ومن ثم يأتي طرح المبادرة كنوع من كسب إحدى جولات التنافس، إن لم يكن الصراع، مع حفتر؛ خاصة من خلال دعوة حميدتي لزيارة طرابلس بعد زيارة البرهان واجتماعه في طرابلس مع الدبيبة والمنفي.

وكما يبدو، فإذا كان لجوء حكومة طرابلس والدبيبة لفتح مجال للعلاقات مع قائد الجيش السوداني البرهان، الذي يتهم حفتر بدعم قوات الدعم السريع؛ فإن في دعوة حميدتي لزيارة طرابلس محاولة من الدبيبة لكسب الساحة الليبية، والقوى المؤثرة فيها، إلى جانبه.

5- الحد من حركة النزوح الكبيرة إلى ليبيا: فمثل غيرها من دول الجوار السوداني، فقد استقبلت ليبيا الآلاف من اللاجئين السودانيين، الذي فروا من الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع. ووفقاً لبيانات مفوضية اللاجئين، فقد بلغ عدد اللاجئين الذي وصلوا إلى الأراضي الليبية، حتى نهاية يناير الماضي، حوالي 31 ألفاً، في حين تتحدث السلطات الليبية عن أعداد تصل إلى نحو 400 ألف لاجئ، إلى الدرجة التي بات فيها اللاجئون السودانيون يُمثلون أكبر جنسية لاجئة في ليبيا.

وبالتالي، فمن منظور التأثير الكبير للأزمة السودانية على الوضع الليبي الداخلي، سواء من حيث أعداد اللاجئين أو المُقاتلين السودانيين، تبدو مبادرة الدبيبة للحد من أعداد اللاجئين السودانيين؛ حيث إن الوضع في ليبيا يزداد سوءاً، بالنظر إلى أن البلاد ليست في الحالة الجيدة التي تسمح بتقديم المساعدة المادية والغذائية لتلك الأعداد من اللاجئين، خاصة أولئك المتجهين إلى مدينة “الكُفرة”، التي تُمثل المرتكز بالنسبة لهؤلاء اللاجئين.

6- توظيف ملف الهجرة غير النظامية مع الاتحاد الأوروبي: إذ يأتي أحد الدوافع لطرح مبادرة “وقف الحرب” في السودان، عبر محاولة الدبيبة اللعب على وتر ملف “الهجرة غير الشرعية” من جانب هؤلاء اللاجئين، خاصة السودانيين، بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي عموماً، وإيطاليا على وجه الخصوص؛ خاصة أن البعض منهم يحاول التوجه إلى أوروبا عبر الأراضي الليبية.

ولعل هذا ما يسمح لرئيس حكومة الوحدة الوطنية بالتقاط الهم الأوروبي في ملف الهجرة غير الشرعية. فمن خلال المُبادرة، والدخول على خط محاولة “حلحلة” الأزمة السودانية، والتحكم في ملف الهجرة واللجوء، يُمكن له مُطالبة الاتحاد الأوروبي بالمساعدة والدعم.

تفعيل مكانة

في هذا السياق، يُمكن القول إن طرح مُبادرة “إحلال السلام ووقف الحرب في السودان”، في الوقت الذي تُمثل فيه قفزة سياسية في المحيط الإقليمي للدولة الليبية؛ فهي -في الوقت نفسه- محاولة “تفعيل مكانة” لحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، وإثبات شرعيتها ومكانتها إقليمياً ودولياً. هذا بالإضافة إلى أن المبادرة نفسها بالنسبة إلى الدبيبة تُعتبر “ورقة مناورة تكسبه زخماً دولياً وإقليمياً”.

رغم ذلك، فإنه من المتوقع ألا تصل المبادرة إلى مبتغاها في جمع كل من البرهان وحميدتي وجهاً لوجه في جلسة واحدة، وذلك بالاعتماد على ما قامت به حكومة الخرطوم، والبرهان شخصياً، من رفض لقاء حميدتي، في أكثر من مناسبة.