تعدّد المسارات:
لماذا تسعى تركيا للحصول على عضوية منظمة شنغهاي؟

تعدّد المسارات:

لماذا تسعى تركيا للحصول على عضوية منظمة شنغهاي؟



تسعى تركيا للحصول على عضوية منظمة شنغهاي للتعاون، التي تقودها روسيا والصين. وقد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذلك، بعد حضوره قمة المنظمة التي عُقدت منتصف سبتمبر، لعدد من الاعتبارات السياسية، والدوافع الاقتصادية، بالنسبة إلى أنقرة؛ مما يطرح مجموعة من الدلالات الاستراتيجية، في مقدمتها أهمية منظمة شنغهاي بالنسبة إلى تركيا، ربما أكثر كثيراً من الاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو. فضلاً عن تورط تركيا في جبهات عسكرية في سوريا والعراق، مما يستلزم البحث عن حلفاء سياسيين، في آسيا بديلاً عن أوروبا.

بعد المشاركة في قمة منظمة شنغهاي، في مدينة سمرقند الأوزبكية، في 15-16 سبتمبر الماضي، وفي تصريحات للصحفيين، رداً على سؤال بشأن إمكان أن تصبح تركيا عضواً في المنظمة (منظمة شنغهاي)، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “بالطبع، هذا الهدف موجود”، وأشار إلى أن بلاده تسعى للحصول على “عضوية كاملة” في المنظمة التي نالت فيها وضعية “شريك محاور”، منذ عام 2013.

وإزاء تصريحات أردوغان هذه، كان رد الفعل الأسرع من ألمانيا؛ حيث أعرب المستشار الألماني أولاف شولتس عن انزعاجه حيال تقارب تركيا مع منظمة شنغهاي للتعاون “التي تهيمن عليها روسيا والصين” حسب تعبيره، الذي جاء في أعقاب محادثات أجراها مع الرئيس التركي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 20 سبتمبر الماضي.

اعتبارات سياسية

لم تكن تصريحات أردوغان هي الأولى التي يؤكد فيها السعي التركي للانضمام إلى عضوية منظمة شنغهاي، لكن تمتد تصريحات الرئيس التركي إلى ما قبل ستة أعوام، في 20 نوفمبر 2016، حينما طرح صراحة الانضمام إلى المنظمة “بديلاً محتملاً لانضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، الذي لم يعد خيارها الوحيد، في ظل مماطلة بروكسل وبطء المفاوضات المستمرة على مدى سنوات”، بحسب نص تصريحاته حينذاك.

واللافت أن تركيا بالرغم من عمق علاقاتها التاريخية، اقتصادياً وعسكرياً، مع أوروبا، وبسبب عضويتها في حلف شمال الأطلسي “الناتو”؛ إلا أن اعتبارات سياسية متعددة تقف وراء السعي التركي، المستمر لسنوات، للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، لعل أهمها ما يلي:

1- المماطلة الأوروبية في قبول عضوية تركيا بالاتحاد: كان تصريح أردوغان بشأن مماطلة بروكسل، تعبيراً عن الرفض التركي لما يُشكل إهانة قومية لتركيا؛ خاصة أن رحلة تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بدأت منذ عام 1963، عندما أصبحت عضواً منتسباً في الجماعة الاقتصادية الأوروبية (إي إي سي) آنذاك. وفي عام 1987، تقدمت أنقرة بطلب للحصول على العضوية الكاملة، لكن تم تأجيله لسنوات. وبعد تشكيل الاتحاد الأوروبي رسمياً، تقدمت تركيا بطلب للحصول على العضوية الكاملة للاتحاد، في عام 2005، إلا أنها لم تحصل على الموافقة حتى الآن.

2- تزايد التوتر بين تركيا والأوروبيين مؤخراً: ضمن تصريحات الرئيس التركي، في 20 سبتمبر الماضي، بعد مشاركته في قمة منظمة شنغهاي الأخيرة، قال أردوغان: “إن أنقرة ليست ملزمة بتقديم تفسير أو تقرير إلى الاتحاد الأوروبي عن مشاركتها في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، التي جرت مؤخراً في سمرقند بأوزبكستان”. وهذه التصريحات تأتي في سياق التوتر بين تركيا والأوروبيين، في السنوات الأخيرة، بسبب الموقف من الأكراد والتدخل التركي في سوريا ومشكلة اللاجئين. بالإضافة إلى ملف انتهاك حقوق الإنسان في تركيا بعد الانقلاب الفاشل، في 15 يوليو 2016.

3- عدم جاذبية تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي: في ظل توتر علاقات تركيا مع الأوروبيين، وفي الوقت نفسه توتر علاقتها مع واشنطن بسبب حماية الولايات المتحدة الأمريكية للمعارض التركي فتح الله غولن، واتهام أنقرة له بأنه وراء الانقلاب الفاشل؛ يبدو أن الانضمام للاتحاد الأوروبي لم يعد مغرياً لتركيا، أو تحديداً لاهتمامات الرئيس التركي أردوغان، خصوصاً بعد خروج بريطانيا منه؛ حيث يسعى الرئيس التركي بدلاً من ذلك إلى التوجه شرقاً نحو آسيا، بدوافع اقتصادية تأثراً بالمشكلات الداخلية في تركيا. وترتكز الرؤية الأردوغانية على أهمية منظمة شنغهاي في فتح آفاق جديدة للاقتصاد التركي.

دوافع اقتصادية

منذ تأسيسها قبل 21 عاماً، في 15 يونيو 2001، سعت منظمة شنغهاي لتنمية الاقتصادات الإقليمية، وتوفير ظروف مواتية للتجارة ودعم مبادرات الاستثمار فيما بين الدول الأعضاء. وتبعاً لتقرير نشره موقع “آر تي عربي”، في ديسمبر من العام الماضي، فقد بلغ حجم اقتصادات الدول الأعضاء في المنظمة، في عام 2020، نحو 18.4 تريليون دولار، بينما قفزت التجارة البينية للمنظمة إلى 6.2 تريليونات دولار للعام نفسه.

وبالتالي، يبدو أن عدداً من الدوافع الاقتصادية، تلك التي تدفع تركيا دفعاً إلى السعي لعضوية المنظمة، لعلّ من أهمها:

1- الانكماش الاقتصادي وعدم مساعدة أوروبا: بعد الأزمات المالية التي شهدتها عدة دول أوروبية، خلال السنوات الأخيرة، يبدو بوضوح عدم قدرة الاقتصادات الأوروبية على فتح آفاق جديدة أمام الاقتصاد التركي، الذي يعاني من انكماش حاد، انخفضت معه قيمة الليرة التركية انخفاضاً ملحوظاً. ومن المتوقع، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، وأزمات الطاقة التي تعاني منها أوروبا حالياً، أن يتزايد الضعف الأوروبي في مساعدة تركيا اقتصادياً. وهنا، يأتي التطور اللافت الذي باتت تشهده العلاقات التركية، متعددة المسارات، مع القوى الآسيوية، وفي مقدمتها روسيا والصين، خصوصاً مع إعلان كلتا الدولتين استعدادهما لدعم خطوات تركيا للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون.

2- تزايد حجم التبادل التجاري لتركيا مع الصين: في السنوات الأخيرة، تزايد حجم التبادل التجاري بين تركيا والدولة الأساس في منظمة شنغهاي، الصين. ووفقاً لمعطيات تركية رسمية، نشرت في موقع “ترك برس”، في 8 مارس 2020، فقد تجاوز حجم التبادل التجاري بين تركيا والصين، خلال السنوات الخمس الأخيرة، 126 مليار دولار؛ حيث بلغت الصادرات التركية إلى الصين 13.179 مليار دولار، في حين بلغت الواردات التركية من الصين 112.903 مليار دولار.

3- حاجة تركيا الملحّة إلى الغاز الروسي: في لقاء عُقد بينهما في سوتشي الروسية على ضفاف البحر الأسود، الجمعة 5 أغسطس الماضي، اتفق الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، على بحث إمدادات الغاز الروسي إلى تركيا، والتي يتم توريدها بكميات كبيرة، تصل إلى 26 مليار متر مكعب سنوياً. وقد تم الاتفاق على أن يتم دفع ثمن جزء من إمدادات الغاز بالروبل، على أن يتم التحول إلى العملات الوطنية بشكل تدريجي.

دلالات استراتيجية

محاولة تركيا لتغيير الاتجاه إلى الشرق، والسعي للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، تحمل أكثر من دلالة استراتيجية، لعلّ أهمها ما يلي:

1- أهمية منظمة شنغهاي الاقتصادية لتركيا: تفتح عضوية منظمة شنغهاي للتعاون المزيد من آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري لأنقرة، بالنظر إلى أن أكبر أربعة شركاء تجاريين لتركيا، هم: الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وسويسرا، وروسيا؛ ومن ثم يأتي اثنان من أكبر الشركاء التجاريين بالنسبة إلى تركيا في المنظمة، بل يمكن اعتبارهما “قادة المنظمة”؛ هذا بينما يأتي الاتحاد الأوروبي في المرتبة الخامسة في شركاء أنقرة التجاريين.

2- تراجع الحاجة الاستراتيجية العسكرية مع الناتو: رغم أن تركيا كعضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، كانت تدعم تقليدياً سياسة الباب المفتوح للتحالف، بخصوص الحلفاء الجدد، بما في ذلك توسع عام 1999، وعام 2004، شرقاً نحو الأراضي الروسية؛ إلا أن الموقف التركي من طلب كل من فنلندا والسويد الانضمام إلى الحلف، بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وإن كان يأتي في الظاهر بسبب اتّهام تركيا لهما بإيواء أعضاء من حزب العمال الكردستاني؛ إلا أنه -في الوقت نفسه- يأتي رداً على فرض البلدين حظراً على توريد الأسلحة إلى تركيا، في عام 2019، في أعقاب الهجوم التركي على شمال سوريا، الذي استهدف وحدات حماية الشعب الكردي. هذا إضافة إلى محاولة تركيا إضفاء نوع من الأهمية على وضعيتها داخل الحلف، خصوصاً بعد تراجع الحاجة الاستراتيجية العسكرية بين الطرفين، في أعقاب نهاية الحرب الباردة.

3- تورّط تركيا في فتح جبهات عسكرية على حدودها: الجبهات العسكرية التي تورطت فيها تركيا، في سوريا والعراق، جعلت أنقرة بحاجة إلى مزيدٍ من العتاد العسكري والدعم اللوجيستي والحلفاء السياسيين؛ وهو ما لم تجده عند الأوروبيين، فاضطرت إلى البحث عنه عند دول منظمة شنغهاي. أضف إلى ذلك أنّ تورط تركيا بهذا الشكل، مع التوتر الحاصل بينها وبين اليونان، دفعها إلى الاقتراب من المجموعة الآسيوية، وفي مقدمتها روسيا والصين.

براجماتية الاتجاهات

في هذا السياق، يمكن القول إن البراجماتية التركية، في سياستها الخارجية، تدفعها دفعاً إلى التوجه شرقاً تجاه منظمة شنغهاي للتعاون؛ ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن انضمامها إلى المنظمة يجعلها جزءاً من فضاء تنتمي إليه، وفي موقع مساوٍ للدول الأخرى الأعضاء، على عكس الاتحاد الأوروبي الذي ماطل كثيراً في قبول عضوية تركيا، بل إنه حتى في حال انضمامها إلى الاتحاد فلن يتم التعامل معها بندية، وإنما ستبدو دولة تابعة، نتيجة الخلافات الكثيرة بينها وبين الاتحاد.

ورغم ذلك، فإن تركيا ما تزال تستهدف ممارسة الضغط على حلف الناتو، وعلى الاتحاد الأوروبي، في الوقت نفسه، لأجل حصد المكاسب الممكنة، اقتصادياً وسياسياً، خاصة وأنها تدرك تماماً استحالة الجمع بين عضوية الناتو وعضوية منظمة شنغهاي للتعاون؛ إذ لا يمكنها الانضمام إلى المنظمة دون الخروج من الحلف.