مصالح متبادلة:
لماذا تسعى تركيا إلى تطوير علاقاتها الاقتصادية مع الأردن؟

مصالح متبادلة:

لماذا تسعى تركيا إلى تطوير علاقاتها الاقتصادية مع الأردن؟



تبذل الأردن جهوداً حثيثة من أجل تنمية مواردها المحلية من المعادن باعتبارها إحدى الآليات التي تستند إليها لتجاوز التحديات الاقتصادية التي تواجهها. ولذلك أعلنت وزارة الطاقة والثروة المعدنية، في 5 يونيو الجاري، عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة “سولفيست” التركية لاستكشاف الذهب في منطقة أبو خشيبة جنوب البلاد. ورغم أن مهام الشركات التركية في الأردن للتنقيب عن الذهب قد تواجه تحديات يتمثل أبرزها في ارتفاع التكلفة الاستثمارية للاستخراج وسط بيئة اقتصادية تركية ضاغطة بسبب جائحة “كورونا”، وتدهور سعر صرف العملة “الليرة”، وتصاعد الأزمات المالية للشركات التركية؛ إلا أنقرة ترى في عمليات التنقيب داخل الأردن فرصة لتعزيز دورها في الإقليم.

مؤشرات مختلفة

يكشف مسار العلاقات بين تركيا والأردن عن استدارة جديدة بين البلدين، حيث تجد الأولى في تلك العلاقات منطلقاً لتعزيز حضورها الاقتصادي في الإقليم، وتثبيت توجهاتها السياسية الجديدة بعد الاتجاه نحو التهدئة مع بعض الدول. كما تمثل العلاقات مع تركيا أولوية للثانية في هذه المرحلة، في ظل اهتمامها بتنويع شراكاتها الإقليمية، وتوسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة الإقليمية.

وفي هذا السياق، تبنت الدولتان استراتيجيات مغايرة لتعزيز تقاربهما، بدت جلية في مؤشرات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تعزيز الشراكة في مشاريع التعدين: اتجهت الأردن، في 5 يونيو الجاري، إلى توقيع اتفاق مع شركة “سولفيست” التركية لاستكشاف الذهب في منطقة أبو خشيبة. ولم يكن هذا الاتفاق هو الأول من نوعه، ففي 14 أبريل الماضي، وقعت وزارة الطاقة والثروة المعدنية مذكرة تفاهم مع شركة “سولفيست” لاستكشاف النحاس في منطقة أبو خشيبة بعد تأهيلها.

2- التوقيع على اتفاقية إطارية: رغم قرار الأردن، في 13 مارس 2018، بتجميد اتفاقية منطقة التجارة الحرة مع تركيا؛ إلا أنها حافظت على دعم الشراكة التجارية وتطوير العلاقات الاقتصادية، وعدم وصولها إلى حد القطيعة، وظهر ذلك في توقيع أنقرة وعمّان على اتفاقية إطارية في أول أكتوبر 2019 لتأسيس مجالس مشتركة بهدف تنمية العلاقات الاقتصادية.

3- رفع مستوى التعاون الدفاعي: حققت الأردن وتركيا نقلة نوعية في مجال التعاون الدفاعي، بدت ملامحها جلية بعد توقيع شركة “صناعة الآلات والكيماويات” التركية و”المركز الأردني للتصميم والتطوير”، في 5 يوليو 2021، على اتفاقية مشتركة في مجال الصناعات الدفاعية، تتضمن التزام الشركة التركية بنقل خبراتها في مجال تصنيع الأعيرة النارية إلى المركز الأردني. وبموجب الاتفاقية أيضاً، تلتزم الشركة التركية بتوفير كافة الإمكانيات اللوجستية المتعلقة بعملية الإنتاج، وتشمل المعدات اللازمة لإنشاء خطوط الإنتاج، وتبادل التكنولوجيا، والمساعدة الفنية، والتدريب الفني.

4- تطبيق نظام “التأشيرة الحرة”: اتجهت تركيا والأردن نحو تعزيز التعاون المشترك بينهما، خاصة في القطاع السياحي، حيث كان للإجراءات التي اتخذتها تركيا دور في زيادة عدد السياح الأردنيين، خاصة فيما يتعلق بالعمل بنظام التأشيرة الحرة مع الأردن. ووفقاً لبعض التقديرات، يبلغ متوسط عدد السياح الأردنيين إلى تركيا حوالي 100 ألف سائح سنوياً، في حين وصل عدد السياح الأتراك إلى الأردن، طبقاً لتقارير تركية، إلى نحو 17 ألف سائح مقيم، و28 ألف زيارة ليوم واحد.

أهداف متعددة

تسعى تركيا والأردن إلى تحقيق أهداف عديدة عبر توسيع نطاق العلاقات الثنائية فيما بينهما، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تطوير العلاقات مع إسرائيل: تتجه تركيا إلى تطوير علاقاتها مع إسرائيل، واحتواء تأثير اتساع نطاق الخلافات حول بعض الملفات بهدف تعزيز قدرتها على الاستفادة من مشاريع تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، ولذلك ربما تحرص حكومة حزب العدالة والتنمية على الاستفادة من العلاقات التي تربط تل أبيب وعمّان، ومحاولة استغلال العلاقات مع الأردن كورقة رابحة في تحسين العلاقات مع إسرائيل التي ما تزال تبدي شكوكاً تجاه الانفتاح على تركيا.

2- دعم الحضور في الإقليم: اتخذت تركيا خطوات عديدة خلال الفترة الأخيرة استهدفت من خلالها تعزيز نفوذها في المنطقة العربية، من بوابة توسيع نطاق التعاون التجاري والمشاريع الاقتصادية، وهو ما عكسه حصول شركة “سولفيست” التركية على حق التنقيب عن الذهب والنحاس، فضلاً عن الاتفاقية الخاصة بتعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية مع عمّان خلال الأشهر الأخيرة. 

والواقع أن تركيا تعي أهمية المتغير الأردني في القضايا التي تحظى بأهمية خاصة من جانبها، وفي الصدارة منها الملف السوري، والعلاقات مع إسرائيل. وفي هذا الإطار، تُبدي أنقرة اهتماماً خاصاً بعمّان، وتسعى لتعزيز تعاونها مع الأخيرة، وهو ما انعكس بوضوح في تجاوب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عشية استقباله وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في 3 مارس الماضي، مع دعوة الملك عبد الله الثاني لزيارة الأردن. وخلال زيارة وزير الخارجية الأردني، أكدت الدولتان على أهمية العلاقات الثنائية، وضرورة العمل على تعزيزها وزيادة التعاون في المجالات كافة بين البلدين وتطويرها في كافة المجالات.

3- التنسيق في ملف اللاجئين: تستضيف كل من الأردن وتركيا لاجئين سوريين، على نحو دفعهما إلى رفع مستوى التنسيق فيما يتعلق بالتعامل مع هذا الملف تحديداً. وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، خلال زيارة الصفدي إلى تركيا: “نعمل بشكل مشترك مع الأردن فيما يتعلق بالعودة الطوعية والآمنة للسوريين، ونأمل في هذا الموضوع أيضاً بتنظيم واستضافة مؤتمر دولي على مستوى الوزراء في تركيا”، مضيفاً: “سنواصل تعاوننا في مختلف المحافل الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي”.

4- احتواء تأثير الضغوط الاقتصادية: في ظل التداعيات العديدة التي فرضتها جائحة “كورونا” على الاقتصاد الأردني، وتصاعد حدة التوتر في المنطقة، لا يمكن استبعاد اتجاه الأردن إلى محاولة جذب مزيد من الاستثمارات التركية، أو على الأقل تحويل الأردن إلى مركز عبور للمنتجات التركية إلى أسواق المنطقة. ويتوازى ذلك -من دون شك- مع الأزمة الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد التركي، والتي كان لها دور رئيسي في اتجاه تركيا نحو العمل على رفع مستوى التعاون الاقتصادي مع بعض الدول، مثل الأردن.

5- توجيه رسائل مباشرة إلى الخصوم: ربما تحاول تركيا من خلال تعزيز علاقاتها مع الأردن امتلاك أوراق ضغط إضافية في سياق إدارة الملفات الخلافية مع خصومها الإقليميين والدوليين، خاصةً في ظل توتر العلاقات مع العراق على خلفية تدخلاتها عسكرياً في شمال الأخيرة، وإصرارها على بناء المزيد من السدود على نهر الفرات.

تحول ملحوظ

ختاماً، يمكن القول إن حصول شركات تركية على مشاريع للتنقيب عن المعادن في الأردن يكشف عن تحول ملحوظ في الخطاب الأردني الذي ظل مناهضاً للدور الذي تسعى تركيا إلى ممارسته في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ إن متغيرات الداخل فضلاً عن المعطيات الإقليمية والدولية الجديدة، على غرار استمرار تداعيات جائحة “كورونا” والحرب الروسية-الأوكرانية، باتت تدفع الطرفين إلى تعزيز التقارب بينهما.