طموحات اقتصادية:
لماذا تسعى الجزائر للانضمام إلى مجموعة “بريكس”؟

طموحات اقتصادية:

لماذا تسعى الجزائر للانضمام إلى مجموعة “بريكس”؟



تقدمت الجزائر بطلب رسمي للانضمام لمجموعة “بريكس” (BRICS)، التي تضم كلاً من روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، بعد مشاركتها افتراضياً بالقمة الأخيرة للمجموعة التي عُقدت في الصين في 23 يونيو الماضي، وفقاً لتصريح المبعوثة الخاصة المكلفة بالشركات الدولية الكبرى بوزارة الخارجية الجزائرية ليلى زروقي، في 7 نوفمبر الجاري. وقد سبق أن أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال اللقاء الإعلامي الدوري مع الصحافة الوطنية في أواخر يوليو الماضي، أن الجزائر تتوافر لديها بنسبة كبيرة الشروط التي تُمكّنها من الانضمام لـ”بريكس” التي تُعد قوة اقتصادية وسياسية، وقد رحبت موسكو وبكين بانضمامها.

تداعيات محتملة

يمكن القول إن ثمة جملة من التداعيات المتوقعة التي دفعت الجزائر لتسريع عملية انضمامها لمجموعة “بريكس”، يتمثل أبرزها في:

1- تحقيق مكاسب اقتصادية نوعية: يسمح انضمام الجزائر إلى مجموعة “بريكس”- التي يمثل أعضاؤها أكثر من ٤٠٪ من سكان العالم، وقرابة ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فيما تبلغ حصتها من التجارة العالمية ١٦٪، ومساهمتها في إنتاج السلع التي يحتاجها العالم ٣٠٪- بتحقيق عديد من المكاسب الاقتصادية في وقت تروج فيه الجزائر لنفسها كبوابة للربط بين أفريقيا وأوروبا، وتنويع اقتصادها بعد تحقيقه انتعاشاً مالياً على خلفية ارتفاع أسعار النفط والغاز عالمياً في أعقاب الحرب الروسية-الأوكرانية.

وسيدفع انضمام الجزائر إلى المجموعة- التي تضم اقتصاديات دولية ناشئة- إلى تأسيس شراكات اقتصادية مع تلك الدول على النحو الذي يزيد من التعاون لتحقيق المكاسب المشتركة، والاستفادة من القواعد الصناعية القوية بتلك الدول، وخاصة بعد تساؤلات جزائرية متعددة حول جدوى الإبقاء على اتفاق الشراكة الأورومتوسطي الموقّع في عام 2005 بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، الذي يعتبره الجزائريون مجحفاً لبلادهم، باعتبار أن الجزائر لا تستفيد منه بقدر استفادة الاتحاد الأوروبي، حيث تُشير الانتقادات الجزائرية له إلى أنه يُدر أرباحاً كبيرة على أوروبا على حساب اقتصاد الدولة المبني على عائدات صادرات الوقود الأحفوري.

2- الاستفادة من تمويل بنك التنمية الجديد: على الرغم من تحقيق الاقتصاد الجزائري مكاسب في أعقاب ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي في السوق العالمية على خلفية العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، تسعى الحكومة الجزائرية إلى تنويع الأنشطة الاقتصادية بهدف تقليل الاعتماد على مبيعات الوقود الأحفوري، ولا سيما مع التوقعات بعودة أسعار النفط إلى مستوياتها التقليدية بعد انتهاء الأزمة.

ولذلك أقرت الحكومة قوانين جديدة تهدف لجعل الاقتصاد أكثر انفتاحاً وتشجيعاً للاستثمار الأجنبي. وسيسمح انضمام الجزائر لمجموعة “بريكس” بالحصول على تمويل من بنك التنمية الجديد- الذي أسسته المجموعة برأس مال 100 مليار دولار لتمويل مشاريع التنمية في الدول الأعضاء- لمشروعات استثمارية ضخمة في القطاعات الصناعية والخدمية.

3- تعزيز فرص تأسيس نموذج تنموي: يُساعد انضمام الجزائر للمجموعة على الاستفادة من خبرات الاقتصاديات الناشئة بها، وكذلك تجاربها الرائدة في قطاعات معينة كالصناعة والزراعة، واستغلال الثروات لتأسيس نموذج تنموي جزائري جديد بديل للاقتصاد المبني على عائدات النفط والغاز الطبيعي، وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، وبناء اقتصاد قوي متنوع قادر على الصمود في مواجهة الأزمات.

4- تفعيل سياسة تنويع الشركاء الدوليين: في ظل نظام دولي يشهد جملة من التحولات التي تشير إلى انتهاء الهيمنة الأمريكية والغربية عليه، وتحول القوة من الغرب إلى الشرق ممثلاً في روسيا والصين؛ بدأت بعض دول المنطقة في السعي إلى تنويع علاقاتها وشراكاتها الدولية، بحيث لا تكون مرهونة فقط بالحليف الأمريكي الذي يقلل من انخراطه في قضايا وأزمات المنطقة في ظل الاستراتيجية الأمريكية للتحول تجاه آسيا للحفاظ على المصالح الأمريكية التي أصبحت أكثر ارتباطاً وتأثراً بالتطورات الآسيوية.

وتأتي محاولة الجزائر الانضمام لمجموعة “بريكس” في إطار مساعيها لتنويع شراكاتها الدولية بما يتوافق مع المصالح والاهتمامات الجزائرية. ففي الوقت الذي تسعى فيه إلى إمداد الدول الأوروبية بالغاز الطبيعي بعد توقف إمداداته الروسية في أعقاب الحرب الروسية-الأوكرانية، واعتبار عديد من تلك الدول الغاز الجزائري بديلاً للغاز الروسي؛ فإنها تبدي رغبة في الانضمام لمجموعة “بريكس” التي تضم روسيا. وبعد يوم واحد من تقديم الحكومة الجزائرية طلباً للانضمام لـ”بريكس”، وافقت الصين والجزائر على الخطة الخمسية الثانية للتعاون الاستراتيجي الشامل التي تغطي الفترة من عام ٢٠٢٢ إلى عام ٢٠٢٦، والتي تهدف إلى مواصلة تكثيف التعاون بين البلدين في مجالات متعددة، بما فيها الاقتصاد والتجارة والطاقة والزراعة والعلوم التكنولوجية والفضاء، إضافة إلى تعزيز المواءمة بين استراتيجيات التنمية للبلدين.

5- استمرار صادرات الغاز والنفط: دفع توقف إمدادات الطاقة الروسية للدول الأوروبية في أعقاب الحرب الروسية-الأوكرانية الدول الأوروبية لتسريع خطواتها من أجل تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، وضخ المزيد من الاستثمارات في الطاقة المتجددة، وبما يتوافق مع تعهداتها في إطار التزاماتها الدولية بمواجهة ظاهرة تغير المناخ، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع صادرات الطاقة الجزائرية لأوروبا مستقبلاً، التي هي الآن في تزايد لتعويض النقص في الإمدادات الروسية.

ومن دون شك، فإن انضمام الجزائر لمجموعة “بريكس” سيضمن استمرار صادرات النفط والغاز الجزائري- التي تمول عائداتهما ميزانية الدولة وجهودها للتنويع الاقتصادي- للصين التي تعد أكبر مستورد للطاقة في العالم، فضلاً عن إمكانية تخصيص بكين جزءاً من استثماراتها في صناعة النفط والغاز الجزائريين.

6- دعم توجهات السياسة الخارجية: يساهم انضمام الجزائر إلى مجموعة “بريكس” في تعزيز التحول اللافت في السياسة الخارجية الجزائرية في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، والقائم على السعي نحو تأسيس نظام اقتصادي جديد يضمن التكافؤ والمساواة بين مختلف الدول حسبما صرح خلال اللقاء الإعلامي الدوري مع الصحافة الوطنية. ويُشكّل الانضمام امتداداً لسياسة الجزائر التاريخية والسياسية كدولة رائدة في حركة عدم الانحياز. وقد ذكر الرئيس الجزائري أن انضمام دولته للمجموعة يأتي في إطار سعيها للابتعاد عن الاستقطابات الدولية.

معضلة الاستقطاب

على الرغم من إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في لقائه الدوري مع الصحافة الوطنية، أن انضمام الجزائر إلى مجموعة “بريكس” سيُبعدها عن “تجاذب القطبين”؛ فإن انضمامها سيضعها في قلب الاستقطابات الدولية، ولا سيما مع الجهود الصينية والروسية لأن تكون المجموعة محاولة لإنهاء الهيمنة الغربية والأحادية الأمريكية في النظام الدولي، وتأسيس نظام آخر متعدد الأقطاب؛ حيث تبنت المجموعة في أول اجتماع لها في عام 2009 تأسيس نظام دولي ثنائي القطبية. وتسعى المجموعة لتفعيل نظام مالي موازٍ للنظام الدولي الحالي. ولذلك سيثير انضمام الجزائر لمجموعة “بريكس” حفيظة الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بينما تعول الأخيرة على الجزائر لأن تكون بديلاً لروسيا في مجال الغاز، في حين تسعى للانضمام إلى مجموعة “بريكس”، على نحو سوف ينظر إليه على أنه تحيز جزائري لتكتل اقتصادي ذي أهداف سياسية تقوده موسكو.