تأثير طالبان:
لماذا تسعى التنظيمات الإرهابية إلى تغيير توجهاتها في المنطقة العربية؟

تأثير طالبان:

لماذا تسعى التنظيمات الإرهابية إلى تغيير توجهاتها في المنطقة العربية؟



لم يكن نجاح حركة طالبان في السيطرة على الحكم في أفغانستان بعد ساعات من بداية انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، إلا انعكاسًا لسياسة “إعادة التموضع” التي تبنتها في الفترة الماضية، وتمثلت أهم معالمها في المفاوضات التي أجرتها الحركة مع الولايات المتحدة الأمريكية وانتهت بالوصول إلى اتفاق سلام في فبراير 2020. وهنا، فإن تداعيات ذلك قد لا تقتصر على الترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على إعادة صياغتها في أفغانستان بناءً على المعطيات الجديدة التي فرضتها سيطرة طالبان على السلطة، وإنما ستفرض ارتدادات محتملة في المنطقة العربية، خاصة أن بعض التنظيمات الإرهابية بدأت -حتى قبل سيطرة طالبان على السلطة- في تبني سياسة مشابهة لتلك التي اتبعتها الأخيرة، كمسار جديد في عملية التمكين والاستحواذ، عبر الترويج لخطابها السياسي، وأجندتها المحلية، والسعي لفتح قنوات اتصال مع الدول الغربية، مع محاولة نفي صفة الإرهاب من خلال استبعاد آلية استهداف المصالح الأمريكية والغربية بشكل عام.

تحركات متوازية

اتخذت بعض التنظيمات الإرهابية في المنطقة خطوات عديدة تفيد بأنها تتجه إلى تبني السياسة نفسها التي اتبعتها حركة طالبان، ويتمثل أبرزها في:

1- هيئة تحرير الشام: سعت هيئة تحرير الشام في سوريا (جبهة النصرة سابقًا) -التي نظمت، في 17 أغسطس الجاري، مسيرات في محافظة إدلب السورية دعمًا لحركة طالبان ورفعت فيها أعلامها وأعلام الحركة- إلى العمل علي تحسين صورتها أمام الدول الغربية، عبر محاولة تقديم نفسها كفصيل مسلح معارض له خلفية دينية وليس جماعة إرهابية، مع الترويج لأن هناك قواسم مشتركة يمكن أن تجمع التنظيم والدول الغربية.

فعلى سبيل المثال، نشر موقع “FRONT LINE”، في 2 أبريل 2021، نص الحوار الذي أُجري قبل ذلك بشهرين وتحديدًا في 2 فبراير من العام نفسه، بين الصحفي الأمريكي مارتن سميث، وقائد التنظيم أبي محمد الجولاني الذي حرص على الظهور في اللقاء بزيٍّ مختلف عن الزي الديني أو العسكري الذي كان دائم الظهور به منذ نشأة التنظيم الإرهابي في يناير 2012، وهو ما فسرته اتجاهات عديدة بأنه محاولة للترويج لحملة جديدة هدفها إقناع الدول الغربية بأن الأجندة التي يتبناها التنظيم منفصلة عن تلك التي تسعى إليها التنظيمات الإرهابية الأخرى.

لكن الجولاني لم يكتفِ بالإشارة الرمزية التي يطرحها زيه في الحوار، وإنما سعى خلاله إلى توجيه رسائل عديدة للدول الغربية مفادها أن الأجندة التي يتبناها التنظيم لا تشكل تهديدًا للمصالح الغربية، بل إنها تعكس وجود قواسم مشتركة بين الطرفين. ففي هذا السياق، قال الجولاني إن “الدور الذي يقوم به التنظيم في محاربة نظام الأسد وتنظيم داعش والسيطرة على المنطقة التي يقطن بها ملايين النازحين الذين من الممكن أن يصبحوا لاجئين عكس المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية”، مضيفًا أن “هيئة تحرير الشام لا تشكل تهديدًا للولايات المتحدة الأمريكية، ويجب على حكومتها أن ترفع اسمها من قائمة التنظيمات الإرهابية”. وفي رده على تساؤلات المُحاوِر حول الانتهاكات التي يتعرض لها نشطاء وصحفيون في السجون التابعة للهيئة، كان لافتًا أن الجولاني عرض السماح للمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بزيارة تلك السجون والتحقق من تلك الاتهامات، بعد أن أشار إلى أن الأشخاص المقبوض عليهم هم من “أتباع النظام أو روسيا أو داعش”، وهم الأطراف الثلاثة المعادون للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية في سوريا.

وبالتوازي مع ذلك، بدأت الحركة في شن حملة هدفها الأساسي التأكيد على طابعها المحلي، في إشارة إلى أنها تختلف عن التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، خاصة تنظيمي القاعدة وداعش، حيث أكدت أكثر من مرة على أن مهمتها تتركز حول مواجهة التدخلات الخارجية، لا سيما من جانب إيران التي اتهمتها بدعم أجندات أطراف أخرى لا سيما تركيا والولايات المتحدة الأمريكية.

2- تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي: مع نجاح المفاوضات بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، قام تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بإعادة تغيير خطابه الإعلامي، ليكون بدوره أقرب إلى خطاب “جماعة تمرد مسلح”. حيث أصدر في بداية فبراير 2021، بيانًا بمناسبة مرور عامين على اندلاع الثورة في الجزائر ضد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، واستخدم فيه مفردات سياسية جديدة، على غرار “دعم التحركات الشعبية السلمية في مواجهة الأنظمة”، و”سيادة الشعب”، وهو المفهوم الذي لا تتبناه التنظيمات الإرهابية، باعتبار أنه يتعارض كلية مع التوجهات العامة التي تتبناها، وهو ما اعتبرته اتجاهات عديدة بمثابة محاولة من جانب التنظيم لاحتواء الضغوط التي يتعرض لها والاتهامات التي توجه له باعتباره أحد الأفرع الرئيسية لتنظيم القاعدة.

أهداف عديدة

تسعى تلك التنظيمات إلى تحقيق أهداف عديدة عبر اتباع هذه السياسة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- الانخراط في العملية السياسية: تحاول بعض التنظيمات الإرهابية في المنطقة تبني المسار “الطالباني” عبر التحول إلى فاعل سياسي رئيسي، لا سيما داخل الدول التي تمثل محاور ارتكاز للتنظيم، بهدف تعزيز فرص مشاركتها في أية مفاوضات محتملة قد تُعقد لحل الأزمات السياسية القائمة، وهو ما يمكن ملاحظته من قبل هيئة تحرير الشام التي تسعى إلى إقناع الدول الغربية بأنها يمكن أن تتحول إلى أحد الفاعلين في المشهد السوري، بما يعني أنها تريد استقطاب دعم تلك الدول للمشاركة في أية ترتيبات سياسية قد يجري العمل على صياغتها في المرحلة القادمة.

2- رفع التصنيف كجماعة إرهابية: تعتبر أغلب التنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة المتطرفة بالإقليم مُصنَّفة على قوائم الإرهاب الدولي، سواء من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أو من جانب دول الاتحاد الأوروبي. ومن هنا، فإنها ترى أن تبني خطاب إعلامي وسياسي جديد يمكن أن يساعد على رفع بعضها من تلك القوائم، ومن ثم توسيع هامش الحركة المتاح أمام قياداتها للتعامل مع التطورات السياسية التي تشهدها بعض دول الأزمات.

3- إعادة بناء الصورة الذهنية المجتمعية: تدعي التنظيمات المتطرفة تغيير بعض المفاهيم والمنطلقات العقائدية من أجل عادة بناء صورة مجتمعية مغايرة عن الصورة النمطية المقترنة بالإرهاب، وهو هدف يمكن أن يساعد، وفقًا لرؤية قياداتها، في إعادة بناء قاعدة شعبية جديدة تساعدها في التحول إلى طرف في المشهد السياسي مستقبلًا.

4- سهولة تلقي التمويلات والتبرعات: فرض اتجاه العديد من القوى الإقليمية والدولية إلى اتخاذ إجراءات مشددة لمحاصرة عمليات تحويل الأموال لجماعات وتنظيمات إرهابية، ووقف نشاط العديد من الجمعيات الأهلية والخيرية والتي كانت مصدرًا رئيسيًا لدعم أنشطة بعض هذه الجماعات، تداعيات قوية عليها، حيث تسبب ذلك في تراجع العديد من أنشطتها بشكل حاد، بما فيها القدرة على دفع الرواتب للعناصر الإرهابية التابعة لها، على نحو يمكن أن يدفع بعضهم للانشقاق عنها. ومن هنا فإنها قد ترى أن الاقتراب من المسار “الطالباني” يمكن أن يساعد -بشكل كبير- في تعزيز مصادر تمويلها خلال المرحلة القادمة.

في النهاية، يمكن القول إن سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان سوف تفرض تأثيرات مباشرة على بعض دول المنطقة، لا سيما التي تتواجد بها تنظيمات إرهابية، على غرار سوريا والعراق، خاصة أن تلك التنظيمات ربما تتجه إلى إجراء تغيير في توجهاتها للتعامل مع التحولات الجديدة التي ستنتجها عودة طالبان إلى كابول مرة أخرى.