تعزيز الدور:
لماذا تسعى إيران للتعاون مع المجلس العسكري في النيجر؟

تعزيز الدور:

لماذا تسعى إيران للتعاون مع المجلس العسكري في النيجر؟



تبدي إيران أهمية خاصة لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع النيجر، حيث أعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، خلال استقباله وزير الخارجية النيجري بكاري ياو سنغاري، الذي قام بزيارة طهران، في 25 أكتوبر الجاري، عن استعداد بلاده لتوسيع نطاق التعاون مع نيامي.

وتأتي هذه التصريحات الإيرانية بعد أيام قليلة من إعلان الاتحاد الأوروبي عن فرض عقوبات على النيجر، بينما أعلنت فرنسا عن سحب قواتها من البلاد. ويبدو أن طهران تسعى إلى استثمار هذه التطورات في تعزيز علاقاتها مع النيجر، وخاصةً في ظل توتر العلاقات الإيرانية مع الدول الغربية بسبب جمود المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، وتوتر علاقات النيجر مع تلك الدول بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس السابق محمد بازوم.

فضلاً عن ذلك، تعتبر النيجر من أهم الدول المنتجة لليورانيوم، وتأمل طهران في استثمار الانسحاب الفرنسي من النيجر في التوصل إلى صفقات للوصول إلى اليورانيوم، ناهيك عن رغبة طهران في توسيع سوق مبيعاتها العسكرية في القارة الأفريقية، ولا سيما تصدير الطائرات المسيرة، التي يمكن الاستعانة بها في جهود مكافحة الإرهاب.

دوافع عديدة

يمكن القول إن ثمة جملة من الدوافع التي تقف خلف إعلان إيران استعدادها لتعزيز العلاقات مع النيجر في هذا التوقيت، يتمثل أبرزها في:

1- ملء الفراغ بعد الانسحاب الفرنسي: أعلنت باريس عن سحب قواتها من نيامي وإعادة التمركز في تشاد، وهو الأمر الذي تجد فيه طهران فرصة لتعزيز التعاون مع النيجر، ولا سيما التوصل إلى صفقة أو اتفاق للاستفادة من احتياطيات البلاد الضخمة من اليورانيوم، وخاصة بعد قرار المجلس العسكري في النيجر تعليق تصدير اليورانيوم للخارج، في أول أغسطس الماضي، في ظل التوترات المتنامية بين النيجر والدول الغربية، حيث يمثل اليورانيوم حوالي 35% من الاحتياجات الفرنسية ويساعد محطاتها النووية على توليد 70% من الكهرباء.

وتُشير التقارير إلى أنّ النيجر أنتجت 2020 طناً في عام 2022، وهو ما يعادل 4% من الناتج العالمي. وكشفت وكالة الطاقة النووية في الاتحاد الأوروبي “يوراتوم” أن النيجر كانت ثاني أكبر مورد لليورانيوم إلى الكتلة في العام الماضي، إذ تسلمت منها 2975 طناً، أي ما يعادل 25.4% من إمدادات الاتحاد منه.

وقد ظلت شركة “أورانو” الفرنسية تدير منجماً كبيراً في البلاد. وخلال الفترة من 2005 إلى 2020 كانت النيجر ثالث مورد لليورانيوم لفرنسا، بعد كازاخستان واستراليا. لذلك، يمثل تعليق تصدير اليورانيوم إلى فرنسا، علاوة على سحب فرنسا قواتها؛ فرصة لإيران تسعى إلى استثمارها لتعزيز حضورها في النيجر.

2- دعم التعاون الاقتصادي الثنائي: أبدى الرئيس إبراهيم رئيسي استعداد بلاده للتعاون مع نيامي في المجال الاقتصادي، حيث تواجه طهران ونيامي عقوبات وضغوطاً مستمرة من جانب الدول الغربية، وتسعى الدولتان إلى تقليص حدة العقوبات وتعزيز الشراكات السياسية والعسكرية مع دول أخرى للالتفاف على هذه العقوبات.

3- إبرام صفقات عسكرية في أفريقيا: لا تخفي إيران اهتمامها بتوسيع نطاق مبيعاتها العسكرية إلى دول القارة الأفريقية، وهو هدف استراتيجي تسعى إلى تحقيقه الصناعة العسكرية الإيرانية التي اتجهت إلى تطوير صناعة الطائرات المسيرة والتي تلقى رواجاً في السوق الأفريقية، خاصة في ظل تصاعد تهديدات التنظيمات الإرهابية في بعض تلك الدول، والتي تسعى إلى استغلال الاضطرابات السياسية والأمنية من أجل توسيع نطاق نشاطها.

انعكاسات محتملة

من المتوقع أن تثير التحركات الإيرانية في منطقة الساحل ردود فعل من جانب القوى الدولية والإقليمية المناوئة لإيران، خاصة أن هذه التحركات يمكن أن يكون لها انعكاسات عديدة هى:

1- توسيع نطاق النفوذ الإيراني بالمنطقة: وخاصة في ظل التوترات الإيرانية–الغربية، فمن المتوقع أن تعمل طهران على تعزيز حضورها ليس فقط في النيجر وإنما في دول مثل مالي وبوركينافاسو، وهي الدول التي تتمسك حكوماتها العسكرية بسياسات مناوئة للسياسات الفرنسية والأوروبية عموماً.

وفي هذا السياق، أشاد الرئيس إبراهيم رئيسي خلال لقائه وزير الخارجية النيجري بـ”مقاومة شعب النيجر وسعيه للاستقلال في مواجهة سياسات الهيمنة الأوروبية برغم أن أفريقيا تحررت بالفعل من الاستعمار”. ومن ثم يمثل الخروج الفرنسي من النيجر بالنسبة لطهران نهاية حقبة من التحالف الفرنسي مع الرئيس السابق بازوم، وفرصة لإعادة ترتيب وتوطيد العلاقات الإيرانية مع نيامي في ظل العلاقات المتوترة مع الدول الأوروبية.

2- تحفيز التحركات التركية المنافسة: تزايد الاهتمام التركي بالنيجر خلال الفترة الأخيرة وبعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد بازوم، حيث اتجهت أنقرة إلى تعزيز علاقاتها مع المجلس العسكري حفاظاً على مصالحها مع النيجر. فعلى سبيل المثال، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 4 أغسطس الماضي، تعليقاً على قرار المجلس العسكري في النيجر تعليق تصدير اليورانيوم، أن “توقف الأفارقة عن تصدير الذهب واليورانيوم إلى فرنسا ردٌ على الظلم الذي مارسته لسنوات طويلة”.

وقد أبدت أنقرة دعماً لموقف نيامي في مواجهة تهديد باريس بالتدخل العسكري، علاوةً على أن الأولى تعمل منذ فترة على تعزيز علاقاتها مع النيجر، ولا سيما في ظل الوجود الاقتصادي للشركات والجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والثقافية التركية، بجانب الاهتمام بالتواجد والحضور الاستراتيجي في الدول المجاورة لليبيا، حيث الوجود العسكري هناك، فضلاً عن اهتمام أنقرة بزيادة مبيعاتها العسكرية في منطقة الساحل والغرب الأفريقي، وقد باعت أنقرة خلال الفترة الأخيرة من حكم الرئيس السابق محمد بازوم، للنيجر 6 طائرات من دون طيار “بيرقدار” وطائرات “هوركوس” ومركبات مدرعة، وهو الأمر الذي يضعها في منافسة مع إيران التي تسعى لزيادة مبيعاتها العسكرية لدول المنطقة.

3- تصاعد الضغوط الغربية على نيامي: من المرجح أن تتجه الدول الأوروبية إلى زيادة ضغوطها على المجلس العسكري في النيجر من أجل دفعه إلى إعادة صياغة سياسته بما يتفق مع مصالحها، وخاصةً مع اتجاه المجلس لتعزيز الروابط السياسية والعسكرية مع روسيا، والتي تعتبر من أهم القوى المناوئة للوجود الغربي والفرنسي تحديداً في منطقة الساحل الأفريقي.

وبالفعل، أعلن الاتحاد الأوروبي، في 22 أكتوبر الجاري، عن عقوبات تستهدف ممارسة ضغوط سياسية على المجلس العسكري، حيث ورد أن هذه العقوبات تقضي بمعاقبة الأفراد والكيانات المسئولة عن الأعمال التي تهدد السلام والاستقرار والأمن في النيجر، وتقويض النظام الدستوري، أو ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي، وذلك في إشارة إلى المجلس العسكري.

اهتمام متبادل

ختاماً، ثمة اهتمام متبادل من جانب إيران والنيجر بتعزيز العلاقات الثنائية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث تواجه الدولتان ضغوطاً وعقوبات غربية لدفعهما نحو مسار يتفق مع مصالح هذه الدول، لذلك من المتوقع أن تشهد منطقة الساحل الأفريقية تحركات سياسية مكثفة من جانب إيران، ولا سيما الزيارات الرسمية لدول المنطقة، مع تنامي علاقات طهران مع الحكومات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينافاسو، وفي ظل التفاهمات الإيرانية-الروسية إزاء مواجهة النفوذ الغربي في المنطقة.