حسابات داخلية:
لماذا تستدعي إيران أزماتها الخارجية حالياً؟

حسابات داخلية:

لماذا تستدعي إيران أزماتها الخارجية حالياً؟



بعد أسبوع من وقوع الانفجارات التي استهدفت خطَّيِ الغاز في محافظتي فارس وجهار محل وباختياري، في 14 فبراير الجاري، وجهت إيران اتهاماً مباشراً إلى إسرائيل بالمسئولية عنها. ورغم أنها لم تستبعد شبهة “العمل التخريبي” من البداية؛ إلا أنها لم تسارع، على غير العادة، للإشارة إلى هوية الجهة التي تشتبه في أنها قامت بتنفيذ هذه العملية، حيث قال وزير التفط الإيراني جواد أوجي، في 21 فبراير الجاري، إن إسرائيل هي الجهة التي قامت بتنفيذ هذه الهجمات.

واللافت في هذا السياق، هو أن توجيه اتهامات مباشرة إلى إسرائيل توازى مع اتهامات مباشرة وُجِّهت إلى بعض قوى المعارضة الإيرانية في الخارج (التي يتهمها النظام بتلقي دعم من جانب قوى عديدة مناوئة للسياسات التي يتبناها) بالمسئولية عن الهجوم السيبراني الذي تعرض له مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، في 13 فبراير الجاري، وأدى إلى تعطل نظام التصويت الإلكتروني خلال الجلسة التي عقدها المجلس للنظر في رفض مجلس صيانة الدستور الموازنة العامة التي قدمتها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي للعام المالي الجديد الذي سوف يبدأ في 21 مارس المقبل.

دوافع عديدة

يمكن تفسير اتجاه النظام في إيران إلى استدعاء الأزمات الخارجية التي تصاعدت حدتها في الفترة الأخيرة في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:

1- رفع مستوى المشاركة في الانتخابات: تتزايد التوقعات والتحذيرات في إيران من إمكانية تراجع مستوى المشاركة الشعبية في انتخابات مجلسي الشورى وخبراء القيادة التي سوف تُجرَى في أول مارس المقبل، وهو ما يعود إلىالرفض الواسع الذي أبداه مجلس صيانة الدستور (الذي يتولّى صلاحية البت في أهليّة المرشحين للاستحقاقات المختلفة) لعدد كبير من مرشحي تيار المعتدلين للانتخابات، كان في مقدمتهم الرئيس السابق حسن روحاني الذي رُفض ترشحه لانتخابات مجلس خبراء القيادة (الذي يتولى صلاحية تعيين وعزل المرشد الأعلى للجمهورية ومراقبة أعماله) رغم أنه كان عضواً في هذا المجلس لثلاث دورات متتالية. وقد وجه روحاني رسائل عديدة إلى المجلس لمعرفة الأسباب التي دفعت الأخير إلى تبني هذا الموقف دون أن يتلقى إجابة واضحة ومباشرة في هذا الصدد.

من هنا، يسعى النظام عبر استدعاء الأزمات الخارجية وما تفرضه من ضغوط على إيران إلى رفع مستوى المشاركة الشعبية في الانتخابات، باعتبار أنها تمثل رداً من جانب الشارع السياسي في إيران على تلك الضغوط التي يروج النظام إلى أن الدول الغربية تفرضها في سياق محاولاتها لتقويض دعائم الاستقرار في إيران.

2- تقليص ضغوط الأزمة الاقتصادية: رغم حصول إيران على جزء من عوائد صادراتها النفطية بالعملة الصعبة، ولا سيما بعد إبرام صفقة السجناء مع الولايات المتحدة الأمريكية في 18 سبتمبر الماضي؛ إلا أن مستوى التضخم لم يتراجع، حيث ما يزال يحوم حول 43%، وهو ما يمثل مؤشراً للمدى الذي وصلت إليه الأزمة الاقتصادية.

وقد كان لافتاً في هذا السياق أنّ وسائل الإعلام القريبة من الحكومة بدأت في نشر تقارير عن نجاح الحرس الثوري والسلطة القضائية الإيرانية في الحصول على عوائد أخرى بالعملة الصعبة، ليس فقط من خلال الصادرات النفطية، وإنما عبر استعادة بعض الأموال التي تم تحويلها إلى مصارف خارجية بواسطة بعض رجال الأعمال، على غرار بابك زنجاني، الذي صدر حكم بالإعدام ضده، في عام 2016، ولم ينفذ حتى الآن، بتهمة الاحتيال في عمليات بيع للنفط تمت عبر الالتفاف على العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران قبل الاتفاق النووي، ووصلت قيمتها إلى نحو 2.7 مليار دولار. وبحسب تلك الجهات، فإن ثروة بابك زنجاني وصلت إلى 5 مليارات دولار، تم استرداد 2 مليار دولار منها وتحويلها إلى البنك المركزي.

وهنا، فإن النظام يحاول عبر ذلك الترويج إلى أن بعض القوى الخارجية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وعدد من الدول الأوروبية، تسعى إلى عرقلة الجهود التي يبذلها من أجل احتواء التداعيات التي يفرضها استمرار الأزمة الاقتصادية، التي تفاقمت بسبب العقوبات الأمريكية التي أعيد تطبيقها في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018.

3- تبرير العمليات العسكرية الخارجية: تعرضت العمليات العسكرية التي قام الحرس الثوري بتوجيهها داخل بعض الدول الأخرى، ولا سيما باكستان، في 16 يناير الفائت، لانتقادات داخلية، باعتبار أنها تتسبب في استقطاب مزيد من الخصوم الإقليميين والدوليين للسياسة التي تتبعها إيران في التعامل مع بعض الملفات. بل إن بعض الاتجاهات في الداخل اعتبرت أن الضربات العسكرية التي سارعت باكستان إلى توجيهها داخل إيران، في 18 من الشهر نفسه، فرضت خيارات محدودة على إيران، ووضعتها في موقف محرج، خاصة أنها لم تستطع الرد عليها بضربة ثانية، لا سيما أن ذلك كان من الممكن أن يتسبب في اتساع نطاق المواجهات العسكرية مع باكستان.

ولذا، فإن النظام يحاول عبر استدعاء الأزمات الخارجية إضفاء وجاهة خاصة على المقاربة التي يتبناها والتي تقوم على أن العمليات الخارجية التي يقوم بتنفيذها في الخارج تمثل الآلية الأنسب للتعامل مع التهديدات التي تواجه أمن إيران وتوجيه ضربات استباقية لمصادرها قبل أن تصل إلى أراضي إيران نفسها. وكان المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي قد صاغ، في عام 2015، عنواناً رئيسياً لهذه المقاربة عندما حاول تبرير الدعم العسكري الذي تقدمه إيران إلى سوريا، بقوله إن “إيران تحارب داعش في دمشق لكي لا تضطر إلى محاربته في طهران”.

4- مواصلة الإجراءات المشددة تجاه المحتجّين: مع أن الأزمة التي فرضتها الاحتجاجات التي شهدتها إيران في الفترة من منتصف سبتمبر 2022 وحتى بداية يناير 2023 اعتراضاً على وفاة الفتاة الكردية العشرينية مهسا أميني على أيدي عناصر شرطة الأخلاق الذين اتهموها بعدم الالتزام بقواعد ارتداء الحجاب، تراجعت إلى حد كبير؛ إلا أن النظام الإيراني ما يزال حريصاً على اتخاذ مزيدٍ من الإجراءات المشددة ضد المحتجين، بغية منع تجدد الاحتجاجات مرة أخرى، وخصوصاً بعد أن استقطبت دعماً واهتماماً من جانب الدول الغربية، التي سارع بعضها إلى التعويل عليها لممارسة ضغوط أقوى على النظام في إيران من أجل إجراء تغيير في السياسات التي يتبعها.

إذ نفذت السلطات الإيرانية، في 23 يناير الفائت، تاسع حكم بالإعدام صدر ضد الناشط السياسي محمد قبادلو. وقد أثارت هذه الإجراءات ردود فعل قوية في الداخل والخارج، على نحو يواجهه النظام دائماً بالترويج إلى أن هذه الإجراءات تمثل -في قسم منها- رداً على ما يسميه بـ”المخططات الخارجية” التي تحاول نشر الفوضى داخل إيران.

في ضوء ذلك، يمكن القول إن حرص النظام في هذا التوقيت على استدعاء الأزمات الخارجية التي يواجهها يشير إلى أنه ربما يمهد المجال أمام تعزيز قدرة تيار المحافظين الأصوليين على السيطرة على معظم مقاعد مجلسى الشورى الإسلامي والخبراء في الانتخابات التي سوف تُجرَى في أول مارس المقبل، على نحو يوحي بأن خريطة القوى السياسية الإيرانية مقبلة على تغييرات واسعة خلال المرحلة القادمة.