عوامل مؤثّرة:
لماذا تزايد معدل عمليات تنظيم “داعش” في العراق؟

عوامل مؤثّرة:

لماذا تزايد معدل عمليات تنظيم “داعش” في العراق؟



تُشير بعض المعلومات والإحصائيات الخاصة بالنشاط العملياتي لتنظيم “داعش” في العراق، إلى زيادة في معدل العمليات بداية من مارس الماضي، مقارنةً بشهري يناير وفبراير الماضيين، قبل أن يشهد منحنى العمليات قفزة في أبريل الفائت. ورغم أنه تراجع خلال مايو الجاري، إلا أنه ظل على معدل أعلى من مارس الماضي، طبقاً لبيانات “وكالة أعماق” الموالية لـ”داعش”. ويمكن تفسير تزايد معدل النشاط العملياتي لـ”داعش” في ضوء مجموعة من العوامل التي ربما كانت مؤثرة، وهى الاستجابة المرتفعة لموجة العنف التي أطلقها التنظيم في الفترة من 18 أبريل إلى 2 مايو 2022، واستمرار استغلال التنظيم للثغرات بين المحافظات المختلفة، إضافة إلى قدرة “داعش” على التكيف التنظيمي بتوسيع التوجه لتقسيم عناصره إلى مجموعات صغيرة، وإمكانية إجراء عملية إعادة هيكلة داخلية جديدة، فضلاً عن إمكانية استغلال ضعف التنسيق المعلوماتي وعلى مستوى الخطط بين القوات المشاركة في العمليات ضد التنظيم، مع التوسع في استهداف المدنيين والتحرك على مستوى القرى والمناطق النائية، لخفض المواجهات والملاحقات مع القوات العراقية.

تواصل السلطات العراقية جهودها لمواجهة تنظيم “داعش”، عبر إطلاق عدد من العمليات العسكرية لملاحقة عناصره في عدد من المحافظات منذ نوفمبر الماضي؛ إلا أنه يمكن ملاحظة أن هناك ارتفاعاً في معدل عمليات التنظيم منذ مارس الماضي، استمر خلال شهرى أبريل الماضي ومايو الجاري. ورغم أن ذلك لا يعكس بالضرورة تطوراً في القدرات العملياتية للتنظيم خلال الفترة الماضية؛ إلا أنه يثير قلقاً واضحاً للأطراف المعنية بمحاربة التنظيم، يتوازى مع تخوفات مستمرة يبديها العديد من المسئولين من قدرته على توسيع نفوذه في العراق، باعتبارها “القيادة المركزية” للتنظيم.

مؤشرات رئيسية

تكشف مؤشرات عديدة عن تزايد معدل العمليات التي يقوم بها تنظيم “داعش” في العراق، يتمثل أبرزها في:

1- توسيع نطاق النشاط العملياتي: خلال الربع الأول من العام الجاري، يمكن ملاحظة تزايد معدلات عمليات “داعش” في العراق، بداية من مارس الماضي، بأكثر من 25 عملية، مقارنة بتراجعها خلال فبراير الماضي، وفقاً لتقرير “Operation Inherent Resolve ” المقدم للكونجرس الأمريكي، خلال الفترة من يناير إلى مارس 2022. وبمراجعة بيانات وكالة “أعماق” الموالية لتنظيم “داعش”، يتضح استمرار منحنى التصاعد في النشاط العملياتي بقفزة خلال أبريل الفائت، قبل أن يتراجع المنحنى خلال مايو الجاري؛ إلا أنه ظل مرتفعاً مقارنة بمارس الماضي، كما يوضّح المخطط التالي:

المصدر: بيانات وكالة “أعماق” الموالية لـ”داعش”.

2- إطلاق عمليات عسكرية جديدة: يعكس إطلاق السلطات العراقية عمليات عسكرية جديدة في عدة محافظات، استمرار نشاط “داعش”؛ إذ أعلنت خلية الإعلام الأمني في العراق، في 23 أبريل الفائت، إطلاق المرحلة الثانية من عملية “الإرادة الصلبة” لمواجهة وملاحقة عناصر التنظيم في 5 محافظات، وسبق أن انطلقت المرحلة الأولى للعملية في أواخر مارس الماضي. ويأتي توقيت إعلان المرحلة الثانية في ظل تزايد معدل عمليات “داعش” خلال الشهر الفائت، في ظل استجابة ملحوظة لتوجيهات المتحدث باسم التنظيم أبو عمر المهاجر، بإطلاق موجة عنف جديدة تحت اسم “غزوة الثأر للشيخين”، بعد مقتل زعيم التنظيم السابق والمتحدث الرسمي.

3- اختراق متواصل لمحافظة ديالى: شهدت محافظة ديالى، خلال الربع الأخير من العام الماضي، نشاطاً ملحوظاً لتنظيم “داعش”، مما دفع إلى إطلاق عملية عسكرية في منطقة جبال حمرين، أسفرت عن تحجيمه نسبياً، وثبات معدل العمليات في المحافظة عند أقل من 10 عمليات شهرياً خلال الربع الأول من العام الجاري، قبل أن يزيد المعدل خلال شهرى أبريل الفائت ومايو الحالي، بما يعكس اختراقاً جديداً للمحافظة، كما يوضح المخطط التالي:

المصدر: بيانات وكالة “أعماق” الموالية لـ”داعش”.

وقد دفع النشاط المتزايد لـ”داعش” في المحافظة إلى إطلاق عملية عسكرية لتفتيش قرى تابعة لناحية خان بني سعد غربي بعقوبة من أربعة محاور، وفقاً لوسائل إعلام عراقية محلية، خاصةً مع تصريحات المتحدث باسم قيادة العمليات اللواء تحسين الخفاجي بأن القوات الأمنية نجحت في تدمير أوكار ومخابئ للإرهابيين، كما نجحت في صد هجوم إرهابي شمال المقدادية، وما أعقب ذلك من إعلان مقتل مسئول عسكري لـ”داعش”.

4- تحذيرات مستمرة من المسئولين العراقيين: تكشف تصريحات المسئولين العراقيين حيال هذا الملف، عن تزايد القلق من العمليات التي يقوم بها تنظيم “داعش”، حيث حذر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من خطر تنظيم “داعش” خلال اللقاء الذي عقده مع قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا، في 10 أبريل الفائت، مؤكداً على أهمية مواصلة الجهود لمواجهة التنظيم باعتباره لا يزال يُشكل تهديداً.

أسباب عديدة

يمكن تفسير أسباب تزايد النشاط العملياتي لـ”داعش” في ضوء عوامل عديدة منها:

1- الاستجابة لموجة العنف الأخيرة: يمكن النظر إلى تزايد النشاط العملياتي لـ”داعش” بالعراق في إطار الاستجابة المرتفعة لتوجيهات “القيادة المركزية” لموجة عنف تحت اسم “غزوة الثأر للشيخين”، والتي استمرت لنحو 15 يوماً (18 أبريل – 2 مايو 2022). وخلال تلك الفترة، فإن معدل عمليات التنظيم تجاوز حاجز الـ60 عملية، ليصبح شهر أبريل الفائت هو الأعلى في معدل العمليات منذ مطلع العام الجاري. وعلى الرغم من تراجع معدل العمليات خلال مايو الحالي مقارنة بأبريل، إلا أن المعدل كان أكبر مقارنة بيناير وفبراير ومارس، بواقع 46 عملية، على نحو يعني أن التنظيم حقق هدفه من موجة العنف التي أطلقها، ولا سيما فيما يتعلق بتنشيط الأفرع والمجموعات التي تتبع “القيادة المركزية” في العراق وسوريا.

2- استغلال الثغرات بين المحافظات: يتضح من خلال تحليل عمليات تنظيم “داعش” بداية من أبريل الفائت إلى مايو الجاري، باعتبارهما الأعلى من حيث معدل العمليات، أن النطاقات الجغرافية للنشاط العملياتي لم تتغير، أى إن العمليات العسكرية لم تدفع التنظيم إلى الاتجاه إلى مناطق جديدة، وهو ما يشير إلى استمرار قدرة التنظيم في العراق على استغلال الثغرات بين حدود المحافظات للتسلل من خلالها، للحفاظ على تدفق عناصره من وإلى المحافظات المختلفة.

وربما يستغل “داعش” أيضاً استمرار ضعف التنسيق المعلوماتي بين الجهات المشاركة في العمليات العسكرية ضده، وما يتصل بذلك من عدم وجود خطط مشتركة للعمليات، هذا بالنظر إلى تعدد الأطراف المشاركة في العمليات، وهو ما أشار إليه تقرير “Operation Inherent Resolve ” المقدم للكونجرس الأمريكي، خلال الفترة من يناير إلى مارس 2022، والذي تطرق -في الوقت ذاته- إلى تحسن القدرات في التنسيق والخطط المشتركة، مع التأكيد على أن القوات العراقية لا تزال تحتاج إلى جهود وتوجيه التحالف الدولي لمواجهة “داعش” في العمليات الميدانية، وبصورة أكبر في الضربات الجوية.

3- القدرة على التكيف التنظيمي: على الرغم من إعلان السلطات العراقية بشكل يومي عن قتل واعتقال عناصر وقيادات لـ”داعش”، إلا أن استمرار النشاط يمكن تفسيره في إطار قدرة التنظيم على التكيف مع المتغيرات الجديدة المتلاحقة، على مستويين: الأول، اتجاه التنظيم إلى إجراء عملية إعادة هيكلة داخلية لمواجهة هذا النقص في القيادات على مختلف مستوياتها، مع استمرار الاحتفاظ بقيادات ميدانية قادرة على قيادة النشاط العملياتي. والثاني، التوسع في تقسيم عناصر التنظيم إلى مجموعات صغيرة تضم بضعة أفراد، على نحو قد يسفر عن توفير حرية حركة أكبر والقيام بعمليات تسلل بصورة أسهل نسبياً من المجموعات الكبيرة، إضافة إلى تحقيق هدف تشتيت جهود القوات العراقية، للعمل على أكثر من محور في المحافظة ذاتها، في محاولة لخفض فاعلية العمليات العسكرية، وتحديداً فيما يتعلق بالضربات الجوية.

4- تغيير دائرة الأهداف واستراتيجية التحرك: يشير تحليل هجمات “داعش” في العراق إلى التوسع في تنفيذ العمليات بالقرى والمناطق النائية، خلال إبريل الفائت ومايو الجاري، لاعتبارات تتعلق بضعف المقاومة لعملياته من قبل القوات العراقية، كما أنه تكتيك يتناسب مع تقسيم العناصر إلى مجموعات صغيرة، بما يساعد على زيادة معدل العمليات.

قلق متزايد

في ضوء ذلك، يمكن القول إن الزيادة في معدل العمليات لـتنظيم “داعش” تثير مخاوف عديدة على المدى البعيد، إذا ما استمرت هذه العمليات على الوتيرة نفسها، ولكنها لا تعكس بالضرورة تطوراً في القدرات بالصورة التي تسمح له بالسيطرة على بعض المناطق أو القرى خلال الفترة الحالية، خاصة مع استمرار انخراط القوات العراقية في عمليات مستمرة وعبر مراحل متتالية لمواجهته.