حضور خارجي:
لماذا تزايد اهتمام تونس بقضايا المنطقة؟

حضور خارجي:

لماذا تزايد اهتمام تونس بقضايا المنطقة؟



عكست مشاركةُ الرئيس التونسي قيس سعيّد في القمة الأوروبية-الإفريقية، التي انعقدت في بلجيكا يومي 17 و18 فبراير الجاري، اهتماماً تونسياً بتعزيز الحضور الخارجي والانخراط في قضايا المنطقة، وتطوير علاقات مع أطراف عديدة على النحو الذي يسمح لتونس بتحقيق عدد من الأهداف الجوهرية، يتمثل أهمها في تنسيق المواقف مع بعض الأطراف الإقليمية في ملفات مشتركة، وذلك على غرار ملف تيار الإسلام السياسي وخاصة بعد الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيّد في 25 يوليو الماضي، وأفضت إلى تحجيم حركة “النهضة” ونفوذها السياسي، فضلاً عن دعم سياسة الانفتاح الخارجي سواء لدواعٍ اقتصادية أو لتوضيح أبعاد بعض الإجراءات الداخلية.

مؤشرات رئيسية

شهدت الشهور الماضية العديد من المؤشرات التي تكشف عن اهتمام تونس بالقضايا الإقليمية، ومحاولة صياغة دور ما بشأن هذه القضايا. فعلى الصعيد الثنائي، حرصت تونس على تطوير علاقاتها مع عدد من القوى الإقليمية الرئيسية على غرار مصر، حيث قام الرئيس التونسي قيس سعيّد بزيارة القاهرة، خلال الفترة من 9 إلى 11 إبريل الماضي، وهي الزيارة التي كشفت عن توافق تونسي-مصري حول عدد من القضايا، مثل قضية مكافحة الإرهاب، وضرورة تسوية الأزمة الليبية بعيداً عن التدخلات الخارجية، علاوة على ذلك فقد أكد الرئيس سعيّد حينها وقوفَ تونس بجانب مصر في ملف سد النهضة، والتأكيد على حق مصر المشروع في الدفاع عن مصالحها المائية.

وتوازى ذلك مع حدوث تقارب في العلاقات مع الجزائر، عبرت عنه زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تونس يومي 15 و16 ديسمبر الماضي، وهي الزيارة التي كشفت عن مساحة توافق بين الدولتين تجاه عدد من القضايا الإقليمية وفي مقدمتها الملف الليبي. ويلاحظ أيضاً أن الموقف التونسي من النظام السوري، والدفع نحو مسار الانفتاح على النظام، يتماشى -بشكل أو بآخر- مع الموقف الجزائري في هذا الشأن.

وكان لافتاً في هذا السياق أن تونس أولت اهتماماً واضحاً بالتواجد في المنتديات والمنظمات الإقليمية والدولية كأداة لدعم انخراطها في القضايا الإقليمية. فعلى سبيل المثال، تم انتخاب تونس، في 3 فبراير الجاري، عضواً في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي للفترة 2022-2024، كما شارك الرئيس التونسي في القمة الأوروبية-الإفريقية، التي انعقدت في بلجيكا يومي 17 و18 فبراير الجاري، والتي انتهت بالتأكيد على تعزيز الشراكة الأوروبية-الإفريقية في عدد من المجالات الاقتصادية، ودعم مشاريع البنية التحتية للنقل والشبكات الرقمية والطاقة في الدول الإفريقية، وكذلك مساعدة الدول الإفريقية في مواجهة فيروس كورونا وإنتاج اللقاحات، والتنسيق في التعامل مع قضية الهجرة غير القانونية.

دوافع متعددة

ترتبط هذه التحركات التونسية ومحاولات صياغة دور في القضايا الإقليمية بعدد من الدوافع الرئيسية التي يمكن تناولها على النحو التالي:

1– تجنب تصاعد الضغوط الخارجية: ويشكل ذلك مُحفِّزاً هاماً للتحركات التونسية في مرحلة ما بعد قرارات 25 يوليو الماضي التي اتخذها الرئيس سعيّد، والتي استدعت بعض الضغوط الخارجية على تونس، ولذا حرصت الأخيرة في تحركاتها الخارجية على توضيح أبعاد تلك القرارات، ولعل هذا ما اتضح من لقاء وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، في 8 فبراير الجاري، مع سفراء مجموعة السبع بتونس وكذلك ممثلة مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وهو اللقاء الذي استهدف إطلاع المسئولين الأجانب على الأسباب التي دفعت الرئيس التونسي إلى اتخاذ قراره بحل المجلس الأعلى للقضاء. كما أكّد الوزير على أن “المسار الديمقراطي في تونس واحترام حقوق الإنسان والحريات خيارات لا رجعة فيها ولا تراجع عنها، وأن وجود نظام قضائي عادل ومستقل يشكل أحد الأعمدة الأساسية لأي نظام ديمقراطي، وضمانة للحقوق والحريات وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين دوى أدنى تمييز أمام القانون وأمام العدالة”.

2– تقويض سردية تيار الإسلام السياسي: انطوت تحركات الرئيس سعيّد على محاولة لتقويض سردية تيار الإسلام السياسي، وخصوصاً مع الصدام المستمر بين الرئيس وحركة “النهضة”. كما استهدفت إضعاف الخطاب الإخواني الذي يتم الترويج له خارجياً، عبر عدد من المنصات الإعلامية التابعة للتيار، بهدف شن حملة ضد الرئيس التونسي، ومحاولة استدعاء ضغوط خارجية عليه، وصولاً إلى فرض عزلة على تونس، وهو ما لم يتحقق في النهاية.

3– رفع مستوى التعاون الاقتصادي: ترتبط التحركات والمواقف التونسية من القضايا الإقليمية بمجموعة من المصالح الاقتصادية، فالرئيس التونسي يعمل على اجتذاب المزيد من المساعدات والاستثمارات بهدف معالجة الأزمة الاقتصادية، في ظل ارتفاع مؤشرات التضخم والدين العام والبطالة والفقر. وفي هذا الإطار، عادة ما تكون التحركات الخارجية للمسئولين التونسيين مقرونة بأبعاد اقتصادية. فعلى سبيل المثال، شهدت مشاركة الرئيس التونسي في القمة الأوروبية-الإفريقية الأخيرة إجراء عدد من اللقاءات مع مسئولين أوروبيين تضمنت مناقشة آليات التعاون الاقتصادي.

وتمثل العلاقات الخليجية-التونسية مدخلاً هاماً للدعم الاقتصادي لتونس، ولعل هذا ما كشفته زيارة الرئيس التنفيذي للصندوق السعودي للتنمية سلطان بن عبدالرحمن المرشد، في 10 فبراير الجاري، لتونس ولقاءه الرئيس سعيّد وكذلك وزير التخطيط سمير سعيّد، حيث أكد المرشد أن الصندوق سيواصل ضخ استثماراته في تونس، وشدد على حرص السعودية على دعم مسار التنمية في الدولة.

4– مواجهة امتدادات الأزمة الليبية: تشكل الأزمة الليبية أحد الملفات المهمة بالنسبة لتونس، لأن ما يحدث في ليبيا يكون له انعكاس على الأمن والمصالح التونسية، وليس أدل على ذلك من التأثيرات الأمنية التي فرضتها الفوضى في ليبيا في السنوات الماضية على تونس، سواء بسبب جماعات التهريب والجريمة المنظمة عبر الحدود، أو حتى بسبب النشاط المتصاعد للعناصر الإرهابية التي استخدمت ليبيا كنقطة ترانزيت لها.

وفي هذا السياق، تحرص تونس على تأكيد حضورها المستمر في المشهد الليبي، ولعل هذا ما دلل عليه اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس سعيّد برئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، في 18 فبراير الجاري، على هامش القمة الأوروبية-الإفريقية في بلجيكا، إذ أشار الرئيس التونسي، في تغريدة على “تويتر”، إلى أن اللقاء تضمن “التأكيد على العزم المشترك على تدعيم روابط الأخوة وعلاقات التعاون، ومواصلة سنة التشاور والتنسيق بشأن المسائل المتصلة بالعلاقات الثنائية وبتطور الأوضاع في المنطقة”.

5– إنهاء إرث القطيعة مع النظام السوري: توحي التحركات الخارجية التونسية الأخيرة بأن هناك محاولة للتخلص من إرث سنوات القطيعة مع النظام السوري، وهو أمر يستدعي مجدداً ديناميات الصراع بين الرئيس التونسي وتيار الإسلام السياسي، خصوصاً أن هذا التيار كان الداعم الرئيسي لقطع العلاقات مع النظام السوري. وقد ظهرت مؤشرات الانفتاح التونسي على النظام السوري بصورة واضحة في الشهور الأخيرة، وهو أمر يتماشى بشكل ما مع التوجهات الجزائرية، حيث دعا الاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان له في 5 أغسطس الماضي، إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وقال البيان: “ندعو إلى بلورة استراتيجية وطنية لعلاقات تونس الخارجية تقطع مع الاصطفاف، وتتعامل بندية، وتُغلّب مصلحة البلاد، وتعيد الحرارة لعمقها العربي الحقيقي، وخاصة بإعادة العلاقات مع الشقيقة سوريا”. كما التقى وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، في 24 سبتمبر الماضي، مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك.

تعزيز الدور

ختاماً، يبدو أن تونس سوف تواصل تحركاتها الخارجية من أجل صياغة دور بارز في عدد من الملفات الإقليمية، ويساعد على ذلك استمرار التعقيدات الداخلية، ومساعي تيار الإسلام السياسي لاستدعاء ضغوط خارجية على الدولة. وفي هذا السياق، يمكن القول إن حصول تونس على عضوية مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، في 3 فبراير الجاري، سوف تعطي للسياسة الخارجية التونسية المزيد من الزخم خلال المرحلة المقبلة.