في إطار السعي المغربي لتنويع شركائها وتوسيع شبكة تحالفاتها على المستويين الإقليمي والدولي، أعلن مجلس النواب البرازيلي (في 14 فبراير 2023) اعتماده مشروع مرسوم بالمصادقة على “اتفاقية الإطار للتعاون في مجال الدفاع” مع المغرب، والموقعة في العاصمة البرازيلية “برازيليا” (في 13 يونيو عام 2019). وبهذه المصادقة تمت إحالة الاتفاقية إلى مجلس الشيوخ البرازيلي للتصديق عليه أيضاً، ومن ثمّ دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ، خاصة وأن “لجنة العلاقات الخارجية والدفاع الوطني” بمجلس النواب المغربي قد صادق على هذه الاتفاقية في الأول من ديسمبر 2021.
أبعاد التعاون
تهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون الثنائي بين المملكة المغربية والبرازيل في المجال الدفاعي والأمني؛ إذ يشمل التعاون بينهما الزيارات المتبادلة للوفود، وتبادل المدربين والطلاب من المؤسسات التعليمية العسكرية، والمشاركة في الدورات النظرية والعملية، والفعاليات الثقافية والرياضية، والمساعدة الإنسانية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- تعزيز القدرات العسكرية للمغرب: يتمثل الهدف الرئيسي وراء تعزيز المغرب لعلاقاته العسكرية والأمنية مع البرازيل، في رفع كفاءة وتعزيز قدرات قواته المسلحة، حيث يتيح له الاتفاق الموقّع مع البرازيل في هذا الشأن إمكانية عقد صفقات للحصول على تكنولوجيات متطورة في مجال التسليح، خاصة وأن البرازيل تمتلك براءات اختراع يمكن أن تبيعها للمغرب لتطوير قطاع الصناعة العسكرية المغربية، ومن ذلك إمكانية الحصول على صاروخ كروز بعيد المدى “MICLA-BR” والذي يتم إطلاقه من الجو، وأيضاً طائرات المراقبة والإنذار الجوي المبكر المعروفة باسم “Embraer R-99” والتي يمكن توظيفها لمراقبة الحدود المغربية الجزائرية ومعبر “الكركرات” مع موريتانيا الذي يتعرض لهجمات منفصلة لعناصر جبهة البوليساريو الانفصالية، وكذلك الدخول في شراكات ثنائية أو متعددة الأطراف لتحقيق هذا الغرض. كما أن البرازيل تحتل الترتيب الـ12 ضمن أقوى الجيوش على المستوى العالمي وفقاً لتصنيف “جلوبال فاير باور” لعام 2023، وفي المقابل تحتل المغرب الترتيب الـ61 على المستوى العالمي وفقاً لهذا التصنيف أيضاً، وهو ما يدفع الرباط لتعزيز علاقاتها العسكرية والأمنية مع البرازيل.
2- تبادل الخبرات الأمنية والقدرات العسكرية: يهدف التعاون الأمني والعسكري بين المغرب والبرازيل بشكل رئيسي إلى الاستفادة من الخبرات العسكرية التي تتمتع بها البرازيل عبر تبادل زيارات المسؤولين العسكريين في الأكاديميات العسكرية المغربية والبرازيلية، وكذلك تبادل الخبرات في العمليات الميدانية للقوات المسلحة، بما في ذلك عمليات حفظ السلام الدولية، كما أن البرازيل تمتلك بنية صناعية عسكرية متقدمة، بشكل يُمكّنها من منافسة الكثير من الدول في هذا المجال، وهو ما يتطلع إليه المغرب لتطوير قدراته العسكرية ورفع كفاءة قواته المسلحة.
3- إجراء مناورات عسكرية مشتركة: تنص الاتفاقية على تبادل الخبرات الأمنية والعسكرية وهو ما يعني إمكانية إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين الدولتين، الأمر الذي يزيد من جاهزية القوات المسلحة المغربية لمواجهة التهديدات والمخاطر الأمنية المحيطة، سواء داخل البلاد أو على المستوى الإقليمي، وقد تشارك البرازيل في مناورات الأسد الأفريقي المقرر عقدها في الفترة من مايو إلى يوليو من العام الجاري في المغرب وفقاً لما أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية من قبل في هذا الخصوص.
4- تطوير قطاع الصناعة العسكرية: تسعى المغرب من خلال توقيعها اتفاقيات للتعاون العسكري والأمني مع البرازيل إلى جذب الاستثمارات البرازيلية في قطاع الصناعات العسكرية، حيث تنصّ الاتفاقية التي تم التصديق عليها في البرلمان البرازيلي على إمكانية ضخ استثمارات برازيلية مهمة في الصناعة العسكرية المغربية الجديدة التي قنّنها القانون المغربي مؤخراً، ويتماشى ذلك مع توجهات البرازيل الحالية الخاصة بفتح قنوات مستقبلية بشأن الاستثمار في مجال الصناعة الحربية المغربية تحديداً، والتي بدأت تجلب إليها استثمارات متعددة من الولايات المتحدة وكندا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وأوروبا، حيث تهدف الرباط من ذلك إلى تنفيذ استراتيجية تطوير الصناعة العسكرية بما يسهم في تلبية احتياجاتها الوطنية، وفي الوقت نفسه خفض فاتورة استيراد الأسلحة والمعدات العسكرية.
دلالات هامة
يعكس الاتّفاقُ المغربي البرازيلي على تعزيز التعاون الأمني والعسكري بينهما مجموعةً من الدلالات السياسية والأمنية الهامة، ومن أبرزها ما يلي:
1- تبني المغرب دبلوماسية كثيفة في أمريكا اللاتينية: حيث جاء التصديق البرازيلي على اتفاقية التعاون في مجال الدفاع مع المغرب، عقب الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” للبرازيل في 19 يونيو 2022، والتي شهدت التوقيع على سبع اتفاقيات في مجالات مختلفة تتراوح بين الاستثمار والدفاع والمساعدة القانونية المتبادلة والازدواج الضريبي للنقل البحري والجوي، مع التركيز على مجال الدفاع والتعاون العسكري، وهو ما يُعد مؤشراً هاماً على نجاح التحركات الدبلوماسية المكثّفة التي يقوم بها المسؤولون المغاربة خلال الفترة الأخيرة، لتحقيق أهداف توجهات السياسة الخارجية المغربية بتمديد النفوذ في قارة أمريكا الجنوبية، في ظل تبنيها سياسة خارجية براجماتية تهدف لإقامة علاقات استراتيجية وفي الوقت نفسه بناء قوة عسكرية توازن بين الدفاع والهجوم لحماية الأمن القومي للمغرب.
2- استمالة الموقف البرازيلي لدعم قضية الصحراء: يُشير التوجه المغربي نحو تعزيز علاقته العسكرية والأمنية مع البرازيل، إلى رغبة المغرب في توظيف هذه العلاقات لاستمالة الموقف البرازيلي لتأييد المقترح الغربي الخاص بتسوية قضية الصحراء والمتمثل في منح الإقليم حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية، والتعويل على إمكانية أن تسهم العلاقات المغربية البرازيلية في اختراق القارة أمريكا اللاتينية للتسويق للموقف المغربي الرسمي في قضية الصحراء، كما أن المغرب يدرك جيداً قوة العلاقات البرازيلية مع دولة جنوب أفريقيا، ولذلك قد تسعى المغرب لتوظيف البرازيل في حلحلة موقف جنوب أفريقيا المتعنت تجاه قضية الصحراء.
3- تعزيز ركائز التعاون جنوب – جنوب: من شأن تعزيز التعاون العسكري والأمني مع البرازيل أن يسهم في تعزيز الدور الإقليمي والدولي للمغرب بعد أن أصبح لاعباً محورياً في أمريكا الجنوبية في إطار “التعاون جنوب-جنوب”، خاصة وأن البرازيل تعد أكبر دول قارة أمريكا اللاتينية من حيث المساحة وعدد السكان، كما أن لها دوراً فاعلاً في عدد من المنظمات داخل القارة اللاتينية، وهو ما يمكن توظيفه في تقديم الدعم السياسي للمغرب في المنظمات الإقليمية والدولية، الأمر الذي يسهم في تعظيم المكاسب السياسية للرباط.
4- ازدياد حدة التنافس المغربي الجزائري خارج شمال أفريقيا: تعكس اتفاقية التعاون الأمني والعسكري بين المغرب والبرازيل، حالة التنافس القائم بين المغرب والجزائر على تعزيز العلاقات الثنائية لكل منهما مع دول قارة أمريكا الجنوبية، وخاصة البرازيل. وقد اتخذ هذا التنافس الصور التالية:
توقيع اتفاقيات للتعاون في قطاع الصناعة بين الجزائر والبرازيل، حيث تم التوقيع على اتفاقيات لتعزيز التعاون في هذا القطاع في شهر سبتمبر الماضي.
تصديق مجلس الشيوخ البرازيلي (في سبتمبر 2022) على اتفاقية التعاون الدفاعي بين البرازيل والجزائر الموقعة (في ديسمبر 2018)، والتي تشمل مجالات: تبادل الوفود والمعلومات، وتدريب الأفراد، واقتناء الأسلحة والمعدات العسكرية وأنظمة الأسلحة، فضلاً عن تبادل الخبرات في مجال الصيانة والدعم اللوجيستي للمعدات التي يتم تسويقها بين الطرفين. ووفقاً لهذه الاتفاقية ستدعو البرازيل المراقبين العسكريين الجزائريين إلى المناورات والتدريبات الوطنية.
تقدم الجزائر بطلب رسمي للانضمام لمجموعة دول بريكس التي تضم (البرازيل – روسيا – الهند – الصين – جنوب أفريقيا)، معتمدة في ذلك على الدعم الروسي لذلك الأمر في ظل علاقات التقارب الاستراتيجي بين الدولتين، كما تعول الجزائر على علاقاتها القوية مع جنوب أفريقيا والهند لدعم هذا الطلب أيضاً. كما أن للجزائر علاقات اقتصادية كبيرة مع الصين، وقد تشهد الفترة القادمة مطالبة المغرب للبرازيل بدعم انضمامها لمجموعة دول “بريكس”.
سباق التسلح القائم بين المغرب والجزائر، وهو ما يعكسه حجم صفقات الأسلحة التي عقدها كل من الدولتين خلال السنوات الأخيرة، ورغبة كل منهما في تنويع مصادر التسليح بهدف الحصول على أكثر الأنظمة العسكرية والدفاعية تطوراً. وفي هذا الإطار، يأتي التنافس المغربي الجزائري على تعزيز العلاقات العسكرية والأمنية مع البرازيل.
5- تنويع الشركاء الاستراتيجيين: يشير التعاون العسكري والأمني بين المغرب والبرازيل إلى استراتيجية المغرب الخاصة بتنويع مصادر تسليح وتطوير قواتها المسلحة، من خلال توسيع دائرة علاقاتها الإقليمية والدولية. وفي هذا الإطار، شهدت الفترة الأخيرة اتجاه المغرب لعقد صفقات أسلحة مع الهند وتركيا، والآن تتوجه نحو البرازيل للتأكيد على عدم اقتصارها على الشركاء التقليديين مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والصين وإسرائيل (عقب توقيع اتفاق التطبيع بينهما قبل عامين) وذلك بهدف الاستفادة من منظومات عسكرية جوية وبرية وبحرية متنوعة تسهم في بناء قوتها الدفاعية بما يتماشى مع المتغيرات الأمنية المصاحبة لتصاعد التهديدات الأمنية من قبل التنظيمات الإرهابية النشطة في منطقة الساحل والصحراء جنوباً، والتهديدات المحتملة من الجارة الجزائر شرقاً في ظل توتر العلاقات بينهما.
أبعاد ثلاثية
الخلاصة، يكشف اتجاه المغرب لتعزيز علاقاته العسكرية والأمنية مع البرازيل، عن نجاح التحركات الدبلوماسية المغربية المكثفة في إقامة علاقات استراتيجية مع كافة دول العالم، ومن بينها تلك الدول الصاعدة في مجال التصنيع العسكري وخاصة البرازيل، الأمر الذي من شأنه تعزيز قطاع الصناعة العسكرية الوطنية من جهة، ورفع القدرات العسكرية للقوات المسلحة للمغرب من جهة أخرى، ومن ثم تعزيز نفوذها وثقلها السياسي والعسكري في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا من جهة ثالثة.