استهداف الوكيل:
لماذا تزايد الاهتمام الأمريكي بدور “فاجنر” في السودان؟

استهداف الوكيل:

لماذا تزايد الاهتمام الأمريكي بدور “فاجنر” في السودان؟



مع تصاعد حدة المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل الفائت، منحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أولوية خاصة لهدفين رئيسيين: يتمثل أولهما، في إجلاء الرعايا الأمريكيين من السودان تجنباً لتكرار إخفاقات أمريكية سابقة في بعض مناطق الصراعات يمكن أن تؤثر على مستقبلها السياسي، خاصة أن الرئيس بايدن يسعى للفوز بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في نوفمبر ٢٠٢٤.

وينصرف ثانيهما، إلى تقليل مستوى انخراط القوى الدولية المناوئة للولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيما روسيا، من خلال مجموعة “فاجنر”، للمساهمة في عملية إعادة تشكيل المستقبل السياسي للسودان بصورة تفضي للحفاظ على مصالحها الخاصة داخل الأخيرة.

ويبدو أن هذا التوجه سوف يتزايد خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد أن أبدت روسيا عدم ممانعتها في انخراط “فاجنر” في الصراع السوداني، على نحو بدا جلياً في تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في 26 أبريل الفائت، والتي قال فيها أنه “يحق للسودان الاستفادة من الخدمات الأمنية لمجموعة فاجنر”.

تحركات متوازية

كشفت تحركات المسئولين الأمريكيين خلال الأشهر الماضية عن تخوفات أمريكية من تزايد دور مجموعة “فاجنر”، التي تصفها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بأنها “بديل” لوزارة الدفاع الروسية، في مناطق الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في ليبيا والسودان إلى جانب دول أخرى مثل تشاد وأفريقيا الوسطى. فقد أشارت تقارير عديدة إلى أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن طالبا خلال زياراتهم الأخيرة للمنطقة بالضغط على القادة العسكريين في السودان وليبيا من أجل إنهاء علاقاتهم مع مجموعة “فاجنر”.

وتوازى ذلك مع تزايد المخاوف الأمريكية من احتمال انتقال مقاتلي المجموعة من ليبيا إلى السودان، خاصة بعد أن كشفت صور الأقمار الصناعية التي حللتها شبكة “سي إن إن” ومجموعة المصدر المفتوح “All Eyes on Wagner”، في ٢١ أبريل الفائت، عن قيام طائرة نقل روسية بالانتقال بين قاعدتين جويتين ليبيتين تحت سيطرة قوات الجيش الوطني الليبي، وتستخدمهما المجموعة.

وفي هذا السياق، قالت السفارة الأمريكية في ليبيا، في ٢٧ أبريل الفائت، أن مساعدة وزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى باربرا ليف تحدثت مع قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر حول “الحاجة الملحة لمنع الجهات الخارجية ومن بينها مجموعة فاجنر الروسية من زيادة زعزعة استقرار ليبيا أو جيرانها بما في ذلك السودان”.

أسباب متعددة

على الرغم من عدم وجود تقارير مؤكدة عن انخراط مقاتلي “فاجنر” بصورة مباشرة في القتال الدائر حالياً في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلا أنه يمكن تفسير أسباب تزايد الاهتمام الأمريكي بذلك في ضوء الاعتبارات التالية:

1- احتمال تأجيج القتال في السودان: استناداً إلى تاريخ “فاجنر” في الصراعات الإقليمية والأفريقية تحديداً، فإن هناك مخاوف أمريكية من أن دورها في الأزمة السودانية الراهنة سوف يؤدي إلى تفاقم الصراع العسكري بين الجيش وقوات الدعم السريع. وقد عبّرت تصريحات المسئولين الأمريكيين عن تلك المخاوف، حيث قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، في ٢٤ أبريل الفائت، أن “المجموعة لديها القدرة على زيادة إشعال الصراع”. وأكد وزير الخارجية انتوني بلينكن في اليوم ذاته أن “الإدارة الأمريكية لديها قلق عميق مع دور فاجنر في السودان لكون دورها في العديد من الدول الأفريقية المختلفة يجلب معه المزيد من الموت والدمار”. وهنا، فإن الإدارة الأمريكية تسعى عبر ذلك إلى تجنب احتمال توسيع نطاق الصراع العسكري السوداني وتمدده إلى دول الجوار التي يشهد بعضها أزمات داخلية مزمنة تهدد استقرارها، وفي مقدمتها تشاد.

2- تعزيز المساعي الروسية للحصول على قاعدة بحرية: أبدت السودان، في أبريل 2021، معارضتها لخطط إنشاء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان، يمكن أن تستضيف مركزاً لوجستياً بحرياً وساحة إصلاح، وما يصل إلى ٣٠٠ فرد، وأربع سفن بحرية، بما في ذلك السفن التي تعمل بالطاقة النووية. ومع ذلك، فإن الإدارة الأمريكية ترى أن دور “فاجنر” في الصراع السوداني يهدف إلى التأثير على مخرجاته بحيث تتوافق مع مساعي روسيا للحصول على القاعدة البحرية، التي لا تزال مهتمة بها حتى الآن، لا سيما في ظل الموقع الاستراتيجي المهم الذي تحظى به السودان.

وقد كشفت إحدى وثائق “البنتاجون” المسربة، وفقاً لتقرير صحيفة “واشنطن بوست” في ٢٢ أبريل الفائت، أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ناقش خلال زيارته إلى العاصمة السودانية الخرطوم، في ٩ فبراير الماضي، هذه الخطط مجدداً في لقاءاته مع القادة العسكريين السودانيين.

3- مساعدة موسكو على تخطي العقوبات الغربية: أدى تزايد العقوبات الغربية والأمريكية على روسيا في أعقاب شن الحرب في أوكرانيا، في ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، من أجل عزل موسكو دولياً، وتجفيف مصادر الدعم الروسي للعمليات العسكرية بهدف وقفها، إلى تبني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سياسات بديلة لتجاوز العقوبات الغربية. وحسب تقارير عديدة، فإن تعزيز العلاقات مع بعض الدول الأفريقية التي تتمتع بوجود ثروات طبيعية كبيرة وتحظى بموقع استراتيجي بالقرب من خطوط المواصلات العالمية يمثل أحد تلك البدائل، ولذلك عملت موسكو على توسيع نطاق علاقاتها الثنائية مع السودان خلال المرحلة الماضية، وسعت إلى تعزيز دور “فاجنر” داخل السودان للوصول إلى ثروات الذهب السوداني.

وقد أشار تقرير استقصائي لشبكة “سي إن إن” الأمريكية، في ٢٩ يوليو ٢٠٢٢، إلى أن هناك مخططاً روسياً لاستغلال النفوذ في السودان من أجل تقليص حدة العقوبات الغربية القوية، ولدعم المجهود الحربي في أوكرانيا.

نهج مستمر

يأتي حرص إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على منح أولوية لدور “فاجنر” المتزايد في السودان عند صياغة مواقفها بشأن استمرار الاقتتال العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، متسقاً مع السياسة التي تتبناها لاستهداف المجموعة التي يتزايد دورها في العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا ومناطق الصراعات في المنطقة، وتخفيف مصادر تمويلها، ودورها المتعاظم في مساعدة الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين على تخطي العقوبات الدولية، والأمريكية تحديداً، وتوفير مصادر التمويل للعمليات العسكرية ضد كييف. بجانب قناعة مسئولي الإدارة الأمريكية بأن روسيا تسعى من خلال المجموعة التي تربطها، حسب تقارير عديدة، علاقات بطرفي الصراع العسكري الراهن في السودان إلى تأجيج العنف في البلاد رداً على محاولتها إنهاء أو تقويض نفوذها في الدولة، وفرض حالة من عدم الاستقرار التي تساعدها في تحقيق مكاسبها الاقتصادية والعسكرية على المديين المتوسط والطويل.