مصالح متشابكة:
لماذا تزايد الاهتمام الأمريكي بالملف الليبي؟

مصالح متشابكة:

لماذا تزايد الاهتمام الأمريكي بالملف الليبي؟



أجرى وفد أمريكي ضم الجنرال مايكل لانجلي قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، والسفير والمبعوث الأمريكي الخاص لليبيا ريتشارد نورلاند، زيارة إلى مدينتي طرابلس وبنغازي خلال الفترة من ٢٠ إلى ٢٢ سبتمبر الجاري. ففي بنغازي، التقى بالقائد العام لـلجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، والفريق عبد الرزاق الناظوري رئيس أركان الجيش الوطني. وأثناء وجوده في طرابلس، التقى برئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، والفريق محمد الحداد رئيس أركان القوات الموالية لحكومة الوحدة.

ملفات رئيسية

تناولت زيارة المسئولين الأمريكيين واجتماعاتهم مع العديد من قيادات الشرق والغرب الليبي أبرز الملفات التي تتقدم أجندة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه ليبيا في الوقت الراهن، والتي تتنوع ما بين بحث سبل تشكيل حكومة وطنية منتخبة ديمقراطية، وإعادة توحيد الجيش الليبي، والحفاظ على السيادة الليبية عبر إخراج المرتزقة الأجانب، ويمكن تناولها على النحو التالي:

1- إخراج مجموعة فاجنرالروسية: في إطار المساعي الأمريكية للضغط على روسيا بعد حربها ضد أوكرانيا، لوقف عملياتها العسكرية المستمرة حتى الآن، فإن الولايات المتحدة تعمل مع حلفائها على تقويض دور مجموعة “فاجنر” الذي لا يقتصر على الجوانب العسكرية والأمنية، وإنما يمتد إلى توفير الدعم المالي لروسيا، من خلال سيطرة المجموعة على جزء من ثروات الدول التي تنشط فيها، لاستمرار عملياتها العسكرية ضد كييف.

وتأتي الجهود الأمريكية لإخراج مقاتلي المجموعة من عديد من دول المنطقة والقارة الأفريقية بالتزامن مع خطوات واسعة النطاق اتخذتها إدارة الرئيس جو بايدن ضد المجموعة، من خلال فرض عقوبات متعددة عليها بسبب اتساع نطاق دورها في الحرب الروسية-الأوكرانية، والانقلابات العسكرية التي شهدتها عديد من الدول الأفريقية مؤخراً، والتي من شأنها التأثير على الأمن والمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا.

وقد كان ملف إخراج القوات الروسية من ليبيا على أجندة الزيارة المفاجئة لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكي (سي آي أيه)، ويليام بيرنز، في ١٢ يناير الماضي، إلى ليبيا ولقائه قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، في بنغازي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في طرابلس. وتقدر القيادة الأمريكية في أفريقيا أن هناك حوالي ألفي مقاتل لـ”فاجنر” في ليبيا بين يوليو وسبتمبر ٢٠٢٠، وأنهم مجهزون بعربات مدرعة وأنظمة دفاع جوي وطائرات مقاتلة ومعدات أخرى زودتهم بها روسيا.

ويعد إخراج مقاتلي مجموعة “فاجنر” من ليبيا أولوية رئيسية للولايات المتحدة، وذلك لعدة أسباب، يتمثل أبرزها في القلق الأمريكي من استغلال روسيا المجموعة لإغلاق الحقول والموانئ النفطية، حيث تتركز أنشطة “فاجنر” حول المنشآت النفطية في وسط ليبيا، إلى جانب منع تجنيد مقاتلين ليبيين في صفوف المجموعة للقتال في أوكرانيا.

2- استمرار تدفقات النفط والغاز: تمتلك ليبيا أكبر احتياطيات مؤكدة من النفط الخام في أفريقيا، لكن الصراع والتنافس السياسي والبنية التحتية المهملة تعيق عمليات قطاع الطاقة وتحد من إمكاناته. ويعد استمرار تدفق النفط أولوية أمريكية لمواجهة النقص في النفط الروسي، الذي يؤثر على الأسعار في السوق العالمية، وعلى أمن الطاقة للدول الأوروبية التي كانت تعتمد بالأساس على واردات الطاقة الروسية، والتي تم فرض عقوبات عليها في أعقاب العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا. وكثيراً ما دعا المسئولون الأمريكيون الفرقاء الليبيين إلى التخلي عن التهديد بإغلاق المنشآت النفطية، وقد سبق أن حذر المبعوث الأمريكي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند من أن ذلك سيكون مدمراً لاقتصاد البلاد.

3- إعادة توحيد المؤسسة العسكرية: يُعد هدف تأسيس قوة عسكرية وأمنية موحدة خاضعة للسيطرة المدنية مع احتكار الاستخدام المشروع للقوة القادر على الحفاظ على الاستقرار الليبي، والمساهمة في تحقيق الأمن في منطقة الشرق الأوسط، أولوية للسياسة الأمريكية تجاه ليبيا. ولذلك دائماً ما يكون ملف توحيد الجيش الليبي على أجندة لقاءات مسئولي الإدارة الأمريكية السياسيين والأمنيين بالقادة السياسيين والعسكريين الليبيين من طرفي الصراع.

وتدعو الولايات المتحدة إلى تشكيل قوة عسكرية تضم طرفي الصراع العسكري في الشرق والغرب، بما يمكّن الدولة الليبية من مواجهة الأزمات الداخلية. وقد أكد لانجلي خلال لقائه مع محمد الحداد رئيس أركان القوات الموالية لحكومة الوحدة، على أهمية مواصلة العمل على تشكيل قوة عسكرية مشتركة لكونها أمراً حيوياً لضمان السلم والاستقرار الليبي. وتؤيد الولايات المتحدة إنشاء وحدة مشتركة بين قوات الطرفين كخطوة أولى لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية.

وفي حقيقة الأمر، تواجه الجهود الأمريكية لتوحيد القوات العسكرية الليبية إشكاليات عدة تتنوع ما بين استمرار الانقسام السياسي المحتدم في ليبيا الذي يفرض انعكاسات كبيرة على الجهود المحلية والإقليمية والدولية لتشكيل جيش ليبي موحد، والعقبات اللوجيستية والمالية التي تحول دون تحقيق ذلك.

4- إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية: أعلنت إدارة الرئيس بايدن أنها تدعم مضي ليبيا قدماً في انتقالها إلى نظام سياسي موحد ومنتخب ديمقراطياً ومستقر يتمتع بمشاركة واسعة من المجتمع الليبي ويحظى بقبوله، ويمكنه تقديم خدمات عامة موجهة بشكل فعال ومنصف وحماية حقوق الإنسان لجميع الليبيين.

ولذلك، تدعم الإدارة إجراء انتخابات جديدة في ليبيا، وقد استخدمت نفوذ الولايات المتحدة لتعزيز جهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة لتحقيق هذه الغاية. بجانب ذلك، خصص الكونجرس أموالاً لتمكين الدبلوماسية الأمريكية وبرامج المساعدات من مساعدة الليبيين على إجراء الانتخابات، وإتمام المرحلة الانتقالية منذ سقوط نظام معمر القذافي، وإنهاء حالة الاحتراب السياسي التي لا تقتصر تداعياتها على الداخل الليبي فقط. ورغم الجهود الأمريكية التي تبذل في هذا الملف، فإن هناك الكثير من الدعوات لدور أمريكي أكثر حزماً للدفع بملف الانتخابات الليبية قدماً.

5- تقديم المساعدات لمواجهة آثار الإعصار: صاحب زيارة لانجلي ونورلاند إلى بنغازي وصول ١٣ طناً مترياً من المعدات الحيوية المقدمة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لدعم المجتمعات المتضررة من الأعاصير والفيضانات، والتي هي في حاجة للمساعدة. ويقدم الجسر الجوي الذي وفّرته القيادة الأمريكية بأفريقيا، وفقاً لتغريدة للسفارة الأمريكية بليبيا على حسابها بموقع “إكس” في ٢١ سبتمبر الجاري، لنقل الإمدادات الإنسانية من مخزن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بدبي، أغطية وأطقم نظافة شخصية وملاجئ استعجالية سوف توزع عبر شركائها على المتضررين من الإعصار والفيضانات المدمرة التي نتجت عنه بداية من 10 سبتمبر الجاري. وحتى الآن، قدمت الولايات المتحدة ١٢ مليون دولار استجابة لهذه الكارثة الإنسانية.

تحركات مستمرة

كشفت تحركات الإدارة الأمريكية خلال الأشهر الماضية عن اهتمام أمريكي متصاعد بالملف الليبي، بداية من الزيارات الأمنية والعسكرية المتعددة لليبيا، ولعل أهمها الزيارة المفاجئة لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه)، ويليام بيرنز، في ١٢ يناير الماضي، بجانب الإعلان، في ٢٤ مارس الماضي، عن استراتيجية الولايات المتحدة “لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار: الخطة الاستراتيجية العشرية لليبيا” لتحقيق أهداف “قانون الهشاشة العالمية” لعام ٢٠١٩، والذي يهدف إلى معالجة الأوضاع الهشة في المناطق المعرضة للصراع، حيث أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن، في أبريل ٢٠٢٢، أن ليبيا ستكون من الدول التي سيشملها تطبيق القانون.

وقد توازى ذلك مع استمرار الجهود الأمريكية لإنهاء حالة الانقسام السياسي الليبي، وتوحيد الجيش، وإخراج المرتزقة، واستمرار تدفقات النفط والغاز؛ حيث سعت الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة إلى منع تحول ليبيا إلى ملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية في ظل الهشاشة التي تواجهها الدولة راهناً.