ظاهرة متصاعدة:
لماذا تزايدت هجرة الشبان الموريتانيين إلى الخارج؟

ظاهرة متصاعدة:

لماذا تزايدت هجرة الشبان الموريتانيين إلى الخارج؟



أصبحت ظاهرة هجرة الشبان الموريتانيين إلى الخارج مثار جدلٍ متنامٍ بعد صدور تقارير دولية عديدة تشير إلى أن أرقام المهاجرين الموريتانيين إلى الخارج في تزايد وارتفاع مستمرين، حيث تتركز وجهتهم في دول أفريقية وعربية، فضلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية التي تُعد من أهم الدول التي تستقبل أعداداً متزايدة من المهاجرين الموريتانيين. ويبدو أنّ هناك العديد من العوامل التي تُفسر تزايد هجرة الشبان الموريتانيين إلى الخارج، لعل من أهمها: تدهور العوامل الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، ولا سيما ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، والعوامل الخارجية التي ترتبط بدور شبكات التهريب وضعف النظم القانونية ونظم الرقابة على الهجرة غير النظامية في بعض الدول، خصوصاً في دول أمريكا الجنوبية.

في 3 نوفمبر الجاري، أشارت السفارة الأمريكية في نواكشوط -في تقرير لها- إلى تزايد وتيرة هجرة الموريتانيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأكدت أن حرس الحدود في الولايات المتحدة أوقف نحو 14 ألف موريتاني عبر الحدود قادمين من المكسيك خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، وأعلنت السلطات الأمريكية ترحيل عدد كبير من المهاجرين الموريتانيين لعدم وجودهم في الولايات المتحدة بصورة قانونية. وهو ما يثير التساؤلات حول أسباب تزايد هجرة الشباب الموريتاني إلى الخارج.

مؤشرات متزايدة

تشير اتجاهات الهجرة من موريتانيا إلى الخارج إلى عددٍ من المؤشرات التالية:

1- تنامي مؤشرات الهجرة غير النظامية، حيثتشير العديد من التقارير الدولية إلى أرقام مقلقة حول هجرة الموريتانيين إلى الخارج. فعلى سبيل المثال، أشار المعهد الوطني للهجرة في دولة الهندوراس إلى مرور حوالي 4094 مهاجراً غير نظامي بأراضي هندوراس خلال الفترة 2016-2023، وارتفاع سنوي في أعداد المهاجرين الموريتانيين غير النظاميين، من مهاجر واحد عام 2016 إلى حوالي 3703 مهاجراً في النصف الأول من عام 2023.

2- ارتفاع نسبة الشباب في المجتمع الموريتاني، أظهرت بيانات المعهد المذكور ارتفاع نسبة الشباب بين المهاجرين غير النظاميين من موريتانيا، حيث كان هناك حوالي 2226 من المهاجرين أعمارهم تتراوح بين 21 و30 عاماً، و1240 منهم أعمارهم تتراوح بين 31-40 عاماً، وحوالي 320 أعمارهم بين 41-50 و31 مهاجراً أعمارهم فوق الـ50.

3- هجرة الموريتانيين إلى الولايات المتحدة، تشير العديد من التقارير الأمريكية إلى تزايد عدد المهاجرين الموريتانيين إلى الولايات المتحدة بشكل خاص، حيث أعلن حرس الحدود خلال شهر يونيو الفائت أن نسبة الموريتانيين تضاعفت بين عامي 2022 و2023 بنسبة 1000%. وتشير معطيات غير رسمية إلى وصول أكثر من 20 ألف مهاجر موريتاني إلى الولايات المتحدة عبر الجدار بين مايو 2022 ويونيو 2023.

أسباب عديدة

يبدو أن تصاعد وتيرة هجرة الشباب الموريتاني إلى الخارج يرتبط بعوامل داخلية وخارجية، ويمكن إيجاز هذه العوامل في أربعة عوامل رئيسة:

1- ارتفاع معدلات الفقر، حيث تشير تقارير التنمية البشرية إلى أن معدلات الفقر في موريتانيا لا تزال مرتفعة، فوفقاً لدراسة نشرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في 1 مارس 2023، فإن حوالي 2.3 مليون شخص في موريتانيا، أي ما يقرب من 57% من السكان، يعيشون في فقر متعدد الأبعاد.

2-  تصاعد نسبة البطالة، إذ تُشير التقارير الرسمية الموريتانية إلى أن متوسط نسبة البطالة في موريتانيا يبلغ حوالي 11%، أي إن هناك قرابة 700 ألف شخص عاطلين عن العمل سنوياً. وتشير الدراسات إلى أن معدلات البطالة بين الشباب تعد من بين الأعلى في العالم.

3-  تبلور دور نشط لشبكات التهريب، إذ تلعب دوراً رئيساً في تهريب المهاجرين من موريتانيا عبر طرق غير نظامية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتشير التقارير إلى دور نشط لشبكات التهريب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تروج لفرص الثراء السريع في الولايات المتحدة، وتنشر شعارات ووعوداً لإقناع الشباب بأن هناك طرقاً أخرى غير نظامية وغير مكلفة لدخول الأراضي الأمريكية، وتقترح مقاطع الفيديو المنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التوجه نحو مكاتب تساعد الراغبين في الهجرة.

4-  ضعف النظم القانونية عبر دول العبور، حيث تشير بعض الأدبيات إلى ضعف الرقابة والقوانين المنظمة لعملية الهجرة في بعض الدول، ولا سيما في بعض دول أمريكا اللاتينية مثل نيكاراغوا، فغالباً ما تقوم شركات التهريب بتهريب المهاجرين عبر دول مثل نيكاراغوا، حيث تسمح شروط الدخول الميسرة للموريتانيين بشراء تأشيرة منخفضة التكلفة. وتبدأ شبكة التهريب في الترويج لرحلات جوية من موريتانيا إلى تركيا وكولومبيا والسلفادروا وصولاً إلى نيكاراغوا، ومن هنا يتم نقلهم إلى دول أخرى ثم إلى الولايات المتحدة.

مخاطر كبيرة

يحذر العديد من المراقبين من مخاطر هجرة الشباب الموريتاني إلى الخارج، حيث يتمثل أبرز هذه المخاطر فيما يلي:

1- خطر التجنيد في صفوف التنظيمات الإرهابية، إذ إن ثمة تبادل منافع وتقاطعاً بين شبكات تمويل الإرهاب وشبكات تهريب الهجرة غير النظامية، ولذا فإن ثمة مخاوف لدى العديد من الحكومات، من بينها الحكومة الموريتانية، من أن يؤدي زيادة ميل الشباب الموريتاني إلى الهجرة هرباً من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في النهاية إلى زيادة الإحباط وانخراط أعداد متزايدة منهم في صفوف التنظيمات الإرهابية، وهو الأمر الذي يفرض أعباء إضافية على الأجهزة الأمنية في مكافحة الجريمة الإرهابية ومواجهة التحديات المرتبطة بعودة الموريتانيين من صفوف هذه التنظيمات إلى موريتانيا، ففي بعض الأحيان يعود هولاء إلى وطنهم الأم عبر طريق غير نظامية لتشكيل خلايا إرهابية تهدد أمن واستقرار البلاد.

2- وجود هجرة معاكسة طمعاً في الثروات الطبيعية، فبرغم أن البعض قد يرى أن لهجرة العمالة آثاراً إيجابية في الحد من ارتفاع البطالة وضغوطها الاجتماعية على الدولة، ودورها المحوري في زيادة تحويلات العملة الصعبة ذات الأهمية البالغة؛ فإن بعض الخبراء يُحذرون من أن هجرة الموريتانيين الكثيفة إلى الخارج تتوازى مع هجرة نشطة لمواطني دول غرب أفريقيا إلى موريتانيا طمعاً في عصر الغاز المتوقع.

3- حدوث الاختلال الديموغرافي الناتج عن تراجع نسب الشباب، حيث يشير بعض الخبراء إلى المخاطر التي يمكن أن تنجم عن تزايد معدلات هجرة الموريتانيين إلى الخارج، ومن أهمها الاختلال الديموغرافي في السكان، لا سيما أن معظم المهاجرين هم من فئة الشباب وهم يعتبرون القوة العاملة والمنتجة التي يجب أن تلعب دوراً في التنمية الاقتصادية.

الأزمة / الفرصة

وختاماً، يمكن القول إن تزايد وتيرة هجرة الشباب الموريتاني للخارج تمثل أزمة كبيرة لموريتانيا، وقد تؤدي مع استمرارها إلى مخاطر أمنية واقتصادية، ولا سيما خطر انخراط الشباب الموريتاني في صفوف التنظيمات الإرهابية، حيث تتقاطع شبكات الهجرة غير النظامية مع شبكات تهريب البشر والمهاجرين غير النظاميين، علاوة على الآثار الاقتصادية السلبية المتوقعة، ومن بينها إحلال العمالة الأجنبية محلّ الموريتانية وخاصة من دول غرب أفريقيا، بالإضافة إلى الاختلال الديموغرافي المتوقع. ومن ثم يبدو أن الحكومة الموريتانية تواجه تحديات صعبة للحد من الهجرة غير النظامية، ولا سيما ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. غير أن ثمة فرصاً مثل اكتشافات الغاز المتوقعة التي يمكن أن تعزز من قدرة الحكومة على وضع خطة وطنية شاملة من أجل خلق فرص عمل وتنشيط الاقتصاد الموريتاني للحد من البطالة.