دوافع عديدة:
لماذا تزايدت معدلات الهجرة من القرن الأفريقي إلى دول الخليج؟

دوافع عديدة:

لماذا تزايدت معدلات الهجرة من القرن الأفريقي إلى دول الخليج؟



رصدت السلطات الأمنية بالصومال زيادة أعداد المهاجرين الذين وصلوا إلى ميناء بوصاصو تمهيداً لعبور خليج عدن نحو اليمن ثم إلى السعودية، فيما أصدرت المنظمات الدولية المعنية بالهجرة تقارير تحذيرية حول ارتفاع كبير في معدلات الهجرة عبر هذا الطريق خلال الأسابيع القليلة الماضية مقارنة بشهر نوفمبر الفائت. وتعد معدلات الهجرة عبر جيبوتي أكثر منها عبر الصومال، وترتبط الهجرة في هذه المنطقة بالكثير من العوامل الضاغطة، وأبرزها الصراعات العرقية والسياسية، والتراجع الاقتصادي الناجم عن ارتفاع معدلات التقلبات المناخية العنيفة والكوارث الطبيعية، وعدم استقرار الأوضاع باليمن، والبحث عن فرصة أفضل للتعليم، وصعوبة إجراءات العودة للنازحين، والتعاون مع الجماعات الإرهابية، والصراع الدولي حول موارد القرن الأفريقي، وتراجع التطلعات نحو التغيير مستقبلاً.

تشهد موجات الهجرة غير الشرعية من منطقة القرن الأفريقي إلى دول الخليج العربي، عبر اليمن، زيادة مضطرة خلال الفترة القليلة الماضية، إذ أبلغت السلطات الصومالية مطلع فبراير الجاري عن ارتفاع أعداد المهاجرين الإثيوبيين الذين وصلوا إلى ميناء بوصاصو أملاً في عبور خليج عدن نحو شبه الجزيرة العربية، فيما أشار أحدث تقرير لمنظمة الهجرة الدولية (IOM) والصادر في 29 يناير الفائت إلى أن الطريق من القرن الأفريقي ثم اليمن بات أحد أكثر ممرات الهجرة الدولية ازدحاماً، ويستخدمه مئات الآلاف من المهاجرين.

نسب متزايدة

لفت التقرير الصادر عن مكتب القرن الأفريقي التابع لمنظمة الهجرة الدولية إلى تزايد أعداد المهاجرين عبر جيبوتي خلال الأسابيع الماضية بنسبة 34% مقارنة بشهر نوفمبر الفائت، ويمثل النساء والأطفال حوالي 35% من إجمالي المهاجرين عبر هذه النقطة.

 فيما ارتفعت معدلات الهجرة عبر الصومال بنسبة 7% مقارنة بشهر نوفمبر الفائت. ووفقاً لمنظمة الهجرة الدولية فإن ما يقرب من 1,250 مهاجراً عبروا عبر منطقة أرض الصومال، وأن حوالي 3,131 مهاجراً إثيوبياً استخدموا منطقة بوصاصو للعبور نحو اليمن.

وأشارت المنظمة إلى ارتفاع أعداد المهاجرين الوافدين إلى اليمن بنسبة 15% خلال ديسمبر الفائت، لافتة إلى أن أعداد المهاجرين عبر جيبوتي تفوق أعداد المهاجرين عبر الصومال، وهذا للشهر الرابع على التوالي.

عوامل مفسرة

يتأثر ارتفاع معدلات الهجرة من القرن الأفريقي إلى شبه الجزيرة العربية عبر اليمن بمجموعة من العوامل، أبرزها:

1- انتشار الصراعات السياسية والعرقية: تُمثل النزاعات السياسية والعرقية الداخلية عامل طرد لمواطني المنطقة؛ إذ تؤثر هذه الصراعات على استقرار المجتمع ومعدلات الأمن، وقد شهدت الفترة الأخيرة تزايداً في نسب الصراعات داخل أكثر من دولة في المنطقة، وهو ما انعكس على ارتفاع معدلات الهجرة. فبحسب الأرقام الرسمية فإن 73% ممن وصلوا إلى اليمن خلال ديسمبر الفائت فروا بسبب الصراع.

وتأتي الصراعات في إقليم تيجراي وأمهرة بإثيوبيا كأحد أبرز الأسباب التي أسهمت في ارتفاع نسب الهجرة ضمن هذا الإطار، علاوةً على النزاعات الجارية في السودان، حيث رصدت منظمة الهجرة الدولية ارتفاع نزوح مواطني السودان نحو النقاط الحدودية مع إثيوبيا (ميتميا وكرموك) وذلك بما يشكل موجات هجرة غير شرعية يُحتمل أن تضاعف معدلات التدفق عبر طريق القرن الأفريقي نحو شبه الجزيرة العربية.

2- تدهور الأوضاع الاقتصادية لدول القرن الأفريقي: تُعد بعض بلدان القرن الأفريقي من أفقر دول القارة، وفقاً لأحدث تقارير البنك الدولي الصادرة في عام 2023، ومن ثم فإن ارتفاع معدلات الفقر بين سكان المنطقة يُمثل المحرك الأبرز في عمليات النزوح نحو دول الخليج المزدهرة اقتصادياً، وبالأخص المملكة العربية السعودية. وتعتمد أساليب عصابات الاتّجار بالبشر والمهربين على إقناع المواطنين وبالأخص الصبية بأن الهجرة إلى دول الخليج ستضمن لهم مستوى معيشياً أفضل.

3- التأثر بالتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية: أسهمت التغيرات المناخية التي شهدتها المنطقة مؤخراً في نزوح الكثير من المواطنين سواء داخلياً أو نحو الخليج العربي، فبحسب المنظمة الدولية للهجرة فإن 58% ممن هاجروا من المنطقة الصومالية في إثيوبيا خلال الأسابيع القليلة الماضية كان بسبب الكوارث الطبيعية.

ولقد أدت ظاهرة النينيا الثلاثية (2020-2023)، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية إلى معاناة ملايين الأشخاص في إثيوبيا وكينيا والصومال من الجوع الشديد نتيجة الجفاف، بينما أدت ظاهرة النينيو الحالية إلى زيادة هطول الأمطار ما أدى إلى فيضانات مفاجئة تسببت في تشريد أكثر من 1.5 مليون شخص في القرن الأفريقي، وترجح الهيئة العالمية للأرصاد الجوية استمرار ظاهرة النينيو حتى أبريل 2024 على الأقل.

إن التقلبات المناخية العنيفة التي تعاني منها المنطقة تركت آثاراً قويةً على الأمن الغذائي ونسب المحاصيل الزراعية؛ إذ يتوقع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن يعاني أكثر من 1.5 مليون طفل صومالي من سوء التغذية خلال 2024. وبدوره أدى التدهور البيئي إلى انتشار الأمراض والأوبئة في المنطقة، وهو ما أدى إلى ارتفاع الوفيات الناجمة عن الملاريا والكوليرا والإسهال.

4- عدم استقرار الأوضاع باليمن: يُشكل عدم استقرار اليمن عاملاً مهماً في اضطراب الأمن ونمو عصابات الاتجار بالبشر والتي تتربح من عمليات الهجرة غير الشرعية، كما أن تنامي جماعات الصراع بالوكالة في المنطقة يجعل من تسهيل عمليات النزوح أداة ضغط سياسي للتأثير على دول الخليج العربي.

 البحث عن فرصةٍ أفضل للتعليم: إن البحث عن مستقبل تعليمي أفضل يأتي ضمن الأسباب التي تزيد من معدلات هجرة الصغار دون ذويهم؛ إذ اعترف بعض المهاجرين الذين فشلت محاولتهم لترك منطقة القرن الأفريقي بأن تدهور مستوى التعليم في بلادهم كان دافعهم للنزوح، ويُعد تدني التعليم في حد ذاته انعكاساً للاضطرابات السياسية والاقتصادية والأمنية لدول المنطقة.

6- صعوبة إجراءات العودة للنازحين: تعمل المنظمات الدولية على دعم العودة دون الإجبارية للنازحين، إلا أن الصراعات العرقية المستعرة بالمنطقة وما تجلبه من تدهور أمني يؤثر على استكمال عمليات عودة النازحين بما يُبقيهم ضمن سجلات المهاجرين، وتعد مناطق أمهرة وتيجراي من أكثر المناطق التي يتم تعليق عودة المهاجرين إليها.

7-   التعاون مع الجماعات الإرهابية: إن انتشار الجماعات الإرهابية في المنطقة يعمق من أطر التعاون مع المنظمات الإجرامية؛ إذ تستفيد الجماعات الإرهابية من التعاون مع عصابات الاتجار بالبشر لسهولة تمرير العناصر التكفيرية وتنقلهم بين بلدان المنطقة سواء للالتحاق بصفوف الجماعات أو لتنفيذ الهجمات العنيفة، كما يخلق ذلك مصدر تمويل مهماً عبر تصريف المعاملات المالية الخارجة عن القانون.

8- الصراع الدولي حول موارد القرن الأفريقي: إن تنامي الصراع الدولي حول موارد القرن الأفريقي، والتي كان أحدثها الخلاف بين إثيوبيا والصومال حول مذكرة التفاهم التي وقعتها الأولى مع إقليم أرض الصومال لاستغلال ميناء بربرة على البحر الأحمر يؤثر على حالة الأمن في المنطقة، ما ينعكس على تشتت القوات العسكرية لحماية جبهات متعددة، ويؤدي ذلك إلى خلق مجال أوسع لزيادة نشاط عصابات الجريمة المنظمة وجماعات الاتجار بالبشر.

كما أن انشغال الحكومات بمواجهة الصراعات الخارجية في ظل ضعف الموارد الاقتصادية يؤثر على التخطيط لمستقبل الملفات الداخلية، ويضغط على موارد الدولة لاضطرار الحكومات لزيادة الإنفاق المالي على التسليح والنواحي العسكرية بما يؤثر على الأوضاع المعيشية للمواطنين.

9- تراجع التطلعات نحو التغيير مستقبلاً: إن استمرار النزاعات المسلحة لسنوات مع تعقد مشهد العراك العرقي واتساع دائرته، إلى جانب تنامي الصراع الدولي حول موارد المنطقة خلال الوقت الحالي؛ يؤثر على نسبة يقين مواطني المنطقة في البيانات السياسية المتعلقة بالتفاهمات التي ستؤدي إلى الاستقرار في المستقبل، ومن ثم يفضلون الهجرة بدلاً من الاستمرار في أوضاع لا يثقون بتحسنها.

مواجهة محتومة

إن ملف الهجرة من القرن الأفريقي نحو شبه الجزيرة العربية عبر اليمن يحتاج لتضافر الكثير من الجهود على أصعدة مختلفة؛ إذ لا يُمكن الاعتماد على الحل الأمني بمعزل عن التخطيط الجيد للإسهام في رفع معدلات النمو الاقتصادي داخل دول المنطقة لتحسين معيشة المواطنين، وذلك إلى جانب الدعم الغذائي والصحي لتخطي أزمة التقلبات المناخية العنيفة التي تواجهها دول القرن الأفريقي، علاوةً على احتياج المنطقة لمبادرات سياسية لحل النزاعات العرقية الداخلية بما يحقق مصالح الجميع.