عمليات نوعية:
لماذا تركز واشنطن على استهداف قيادات تنظيم “القاعدة” بالإقليم؟

عمليات نوعية:

لماذا تركز واشنطن على استهداف قيادات تنظيم “القاعدة” بالإقليم؟



ركزت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأشهر التالية للانسحاب من أفغانستان على استهداف العديد من قيادات تنظيم “القاعدة” وبشكل خاص في سوريا، حيث تمكنت، في 23 أكتوبر الجاري، من قتل القيادي البارز في التنظيم عبد الحميد المطر، بمنطقة سلوك بريف مدينة تل أبيض شرق الفرات شمال شرق سوريا، وهى ثاني عملية تقوم بها ضد قيادات “القاعدة” في سوريا بعد مقتل سالم أبو أحمد القيادي المسئول عن التمويل والتخطيط بتنظيم “حراس الدين”، وهو فرع “القاعدة” الأقوى في سوريا، والذي تم استهدافه في نهاية سبتمبر الفائت.

وربما يمكن القول إن واشنطن بدأت في منح أولوية لاستهداف قادة تنظيم “القاعدة” خلال العام الأخير، وتحديداً منذ أكتوبر 2020، حيث تمكنت من استهداف أربعة من أكبر قيادات التنظيم في أفغانستان وسوريا وهم أبو محمد السوداني (أكتوبر 2020)، وأبو مصطفى المصري (نوفمبر 2020)، بالإضافة إلى عبد الحميد المطر، وسالم أبو أحمد، وبالتوازي مع مقتل أبو محمد المصري في إيران، في أغسطس 2020، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب تركيز واشنطن على استهداف قيادات التنظيم، سواء على المستوى المركزي أو على مستوى الأفرع المنتشرة في بعض دول الإقليم.

ضربات استباقية

أعلن مدير وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية سكوت بيريير، في قمة الاستخبارات والأمن القومي التي عقدت في 14 سبتمبر 2021، أن تنظيم “القاعدة” يشكل تهديداً كبيراً على أمن ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قال في هذا السياق: “إن التقييم الحالي ربما بشكل متحفظ هو عام إلى عامين لبناء بعض قدرة تنظيم القاعدة على الأقل لتهديد الولايات المتحدة الأمريكية”، وهو ما أكده ديفيد كوهين نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) بقوله أن واشنطن اكتشفت بالفعل “بعض المؤشرات على بعض التحركات المحتملة لتنظيم القاعدة بما يهدد أمن الولايات المتحدة”. وبالتوازي مع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، في 23 أكتوبر الجاري، عبر متحدثها الرسمي جون ريغسبي أن “تنظيم القاعدة لا يزال يشكل تهديداً للولايات المتحدة وحلفائنا”، وأضاف ريغسبي أن التنظيم “يستخدم سوريا كملاذ آمن لإعادة تشكيل نفسه والتنسيق مع فروع خارجية والتخطيط لعمليات في الخارج”. وتعهدت القيادة المركزية الأمريكية في ختام البيان المنشور في أعقاب مقتل عبد الحميد المطر، في 23 أكتوبر الجاري، بمواصلة استهداف المنتمين لتنظيم “القاعدةّ”، سواء في أفغانستان أو في الأفرع المختلفة في المنطقة.

أهداف عديدة

يأتي اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بتكثيف ضرباتها الأمنية ضد قيادات تنظيم “القاعدة” من أجل توجيه العديد من الرسائل المختلفة سواء إلى الداخل الأمريكي أو إلى حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، أو إلى تنظيم “القاعدة” نفسه، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- طمأنة الحلفاء في الشرق الأوسط: أثار الانسحاب الأمريكي المتسارع من أفغانستان- والذي تزامن مع خفض القوات الأمريكية في العراق ومنطقة الساحل الأفريقي- قلقاً لدى العديد من دول المنطقة التي تؤسس علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، على نحو دفع الأخيرة إلى محاولة تأكيد أن ذلك لا يعني تراجعها عن الالتزامات التي تفرضها تلك العلاقات الاستراتيجية، وكانت البداية عبر تركيز ضرباتها الأمنية ضد قيادات تنظيم “القاعدة”، سواء قبل بدء عملية الانسحاب أو في أعقابها، وهو ما حدث بمقتل أهم قيادي بالتنظيم في سوريا في أقل من شهرين على بداية الانسحاب.

2- تقليص حدة الضغوط الداخلية: فرض الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والطريقة التي تم بها، انقساماً واضحاً داخل الإدارة الأمريكية، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى طرح تساؤلات حول التداعيات التي يمكن أن ينتجها ذلك على أمن ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية، ومدى إمكانية تعرضها لعمليات إرهابية أخرى على غرار ما حدث قبل عشرين عاماً، ومن ثم يأتي شن العديد من العمليات الأمنية النوعية ضد قيادات تنظيم “القاعدة” خلال المرحلة الجارية من أجل تهدئة الداخل الأمريكي، عبر التأكيد على أن الإدارة الحالية تضع مكافحة الإرهاب ومواجهة تنظيم “القاعدة” بدون خسائر أمريكية مباشرة على قائمة أولوياتها.

3- إنهاء نفوذ الجناح المتشدد: تشير أسماء القيادات التي استهدفتها العمليات الأمنية الأمريكية خلال عامى 2020 و2021، سواء في أفغانستان أو في أفرع التنظيم المختلفة، إلى أن هناك تركيزاً أمريكياً مباشراً على ما يسمى بـ”الجناح المتشدد” داخل التنظيم، على نحو دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح أن يكون أحد أهداف تلك العمليات هو إنهاء نفوذ هذا الجناح، بما يمكن أن يدفع العناصر الجديدة التي سوف تحل محل القيادات التي قُتلت، إلى إعادة النظر وإجراء مراجعة في تكتيكات الاستهداف وطبيعة المستهدف المتمثل في مفهوم “العدو البعيد”، وهو الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بشكل عام.

4- دفع التنظيم لتبني “المسار الطالباني”: ربما يكون اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى إجراء مفاوضات مع حركة “طالبان” الأفغانية، والوصول إلى اتفاق سلام معها في فبراير 2020، قد دفع دولاً عديدة بالمنطقة إلى التفكير في تبني الخيار نفسه في التعامل مع التنظيمات الإرهابية التي تتواجد على أراضيها. فعلى سبيل المثال، أعلنت مالي، في 20 أكتوبر الجاري، تكليف “المجلس الإسلامي الأعلى المالي” بمهمة فتح حوار مع قيادات جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” بقيادة إياد أغ غالي زعيم الجماعة، والتي تعتبر أهم أفرع تنظيم “القاعدة” في شمال مالي ومنطقة الساحل الأفريقي، بهدف الوصول إلى اتفاق لوقف القتال. ومن هنا، فإن الضغوط التي تفرضها العمليات الأمنية والعسكرية الأمريكية ضد التنظيم ربما تدفع بعض أفرعه إلى تبني ما يسمى بـ”الخيار الطالباني”، عبر الانخراط في مثل هذه الحوارات، وذلك رغم أن هناك انتقادات عديدة وجهت لواشنطن بسبب هذه السياسة التي تبنتها إزاء “طالبان” التي سيطرت في النهاية على أفغانستان منذ منتصف أغسطس الماضي.

5- استهداف تفاهمات طهران و”القاعدة”: منذ الاحتلال الأمريكي لأفغانستان وتوجيه ضربات مكثفة لمناطق ارتكاز تنظيم “القاعدة”، بدأ العديد من قياداته، مثل سيف العدل وأبو محمد المصري، في الانتقال إلى إيران عبر الحدود الأفغانية، على نحو ساعد طهران على تأسيس علاقات معهم، وكان لذلك دور في وقف استهداف تنظيم “القاعدة” لإيران، وهو أحد أهم أسباب انفصال تنظيم “داعش” عن “القاعدة” منذ نشوب خلاف بين أسامة بن لادن وأيمن الظواهري من ناحية وأبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم “القاعدة في العراق” من ناحية أخرى حول “تحديد العدو”، ومن ثم تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التركيز على استهداف قيادات “القاعدة” إلى تقليص قدرة طهران على توظيف علاقاتها مع التنظيم سياسياً واستثمار ذلك في تعزيز حضورها في الإقليم ومواجهة ضغوط القوى الدولية.

في النهاية، ربما تواصل الإدارة الأمريكية الحالية شن عمليات نوعية ضد تنظيم “القاعدة”، لاسيما أن الارتدادات الإقليمية والدولية التي فرضها الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان لم تنته بعد.