انخراط حذِر:
لماذا تركز القوات الأمريكية بالصومال على توجيه العمليات ضد “الشباب”؟

انخراط حذِر:

لماذا تركز القوات الأمريكية بالصومال على توجيه العمليات ضد “الشباب”؟



يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تنخرط بشكل أكبر في دعم العمليات العسكرية التي تشنها الحكومة الصومالية ضد حركة “شباب المجاهدين”. لكن ذلك لا يعني أن القوات الأمريكية سوف تشارك في عمليات قتالية، إذ أن دورها سيقتصر، في الغالب، على التخطيط وتوجيه العمليات، وتحديداً على مستوى عمليات ما يسمى بـ”المرحلة الثانية” التي سيتم تنفيذها في وسط الصومال خلال الفترة المقبلة، في حين كان تركيز القوات الأمريكية على تدريب دفعتين جديدتين من القوات الخاصة الصومالية المعروفة بــ”لواء دنب”، عقب قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بإعادة نشر قوات أمريكية في الصومال في 16 مايو 2022.

عوامل ضاغطة

يمكن تحديد بعض أسباب انخراط القوات الأمريكية في عمليات مكافحة الإرهاب، خلال المرحلة الحالية، وتحديداً باتجاه منطقة وسط الصومال، وذلك على النحو التالي:

1- استمرار النشاط العملياتي لـ”الشباب”: رغم كثافة التحركات على الساحة الصومالية، لزيادة القدرات في مكافحة التنظيمات الإرهابية، ولا سيما حركة “الشباب”، سواء عبر إطلاق الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ما أسماه “حرباً شاملة” ضد الإرهاب، واستمالة بعض أبناء العشائر، وزيادة عدد الضربات الجوية الأمريكية باستخدام الطائرات من دون طيار خلال عام 2022، مقارنة بالعامين السابقين، بنحو 20 عملية، وإعادة إرسال نحو 450 فرداً من القوات الأمريكية الخاصة لتدريب القوات الخاصة المعروفة بـ”دنب”؛ إلا أن النشاط العملياتي لحركة “الشباب” ظل على وتيرة مرتفعة، حيث تشير بعض التقديرات الغربية إلى زيادة في النشاط العنيف بالصومال.

ووفقاً لإحصائيات مشروع “Armed Conflict Location & Event Data Project”، فإن عام 2022 سجل زيادة في عدد أحداث العنف المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية مقارنة بعام 2021، بواقع 23%. ورغم نشاط مجموعات تابعة لتنظيم “داعش” في الصومال، فإن أغلب العمليات منسوبة لحركة “الشباب”، باعتبارها الأنشط على الساحة الصومالية.

وهنا، فإن الحركة كانت لديها القدرة على زيادة معدل النشاط العملياتي عام 2022، والحفاظ على وتيرة مرتفعة لهذا النشاط لبضعة أشهر، بما يعني عدم تأثير عمليات مكافحة الإرهاب على تحجم النشاط العملياتي. ولكن في المقابل، فإن “الحرب الشاملة” التي أطلقها الرئيس الصومالي قبل أقل من عام، أسفرت عن السيطرة على بعض المناطق والقرى التي كانت تحت سيطرة الحركة.

2- دعم عمليات الجيش الصومالي بـ”المرحلة الثانية”: خلال شهر يناير الماضي، أعلن الرئيس الصومالي إطلاق “المرحلة الثانية” من عمليات مكافحة الإرهاب، لمواجهة نفوذ حركة “الشباب”. وترتبط مشاركة قوات أمريكية عاملة في الصومال بالمرحلة الثانية، بدعم تحركات الجيش الصومالي في مكافحة الإرهاب خلال الفترة المقبلة، وتحديداً على مستوى العمليات بمنطقة وسط الصومال.

وتُفيد بعض التقارير الإعلامية بوصول عناصر من القوات الخاصة الأمريكية إلى منطقة محاس، على بعد نحو 300 كيلومتر من العاصمة مقديشو، بإقليم هيران وسط الصومال، للإشراف على الهجوم المرتقب ضد معاقل “الشباب”.

ولكن يبقى أن دور القوات الأمريكية سيكون مقتصراً على تقديم “المشورة” للقوات الصومالية، سواء من خلال عمليات الاستطلاع للطائرات من دون طيار، أو التخطيط للعمليات من قبل ضباط ومستشارين، دون الانخراط العملياتي المباشر، وفقاً لما أشارت إليه تقارير إعلامية أمريكية، وتحديداً ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز، في 27 فبراير 2023، وذلك بناءً على طلب من الحكومة الصومالية للولايات المتحدة الأمريكية، لدعم عمليات مكافحة الإرهاب.

وهنا، يمكن ملاحظة تركيز الحكومة الصومالية على تدعيم عمليات مكافحة الإرهاب في نطاق وسط الصومال بشكل خاص، وهو ما يتضح من انتقال عناصر من القوات الخاصة الأمريكية إلى محافظة محاس، خاصة مع إحراز تقدم ملموس على مستوى استعادة بعض الأراضي التي كانت تحت سيطرة حركة “الشباب” في وسط الصومال منذ منتصف العام الماضي، بعد تحركات من أبناء بعض العشائر لدعم جهود الحكومة، وطرد عناصر الحركة.

3- تخوفات من عدم قدرة الحكومة على السيطرة الميدانية: ربما اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاستجابة لطلب الحكومة الصومالية خلال الفترة الماضية، بشأن انخراط عناصر من القوات الخاصة في تقديم المشورة بشأن تخطيط العمليات ضد حركة “الشباب”، في ظل تخوفاتمن عدم قدرة الحكومة والجيش الصومالي على الحفاظ على الأراضي التي تمت استعادتها من حركة “الشباب” خلال الفترة المقبلة.

إذ تشير تقديرات غربية إلى أن سيطرة الحكومة على الأراضي المستردة من حركة “الشباب” تواجه صعوبات، في ظل عدم استبعاد تمكن التنظيمات الإرهابية من استعادة السيطرة على المناطق التي سبق أن خرجت منها، حال عدم الاهتمام بتأمين تلك المناطق أمنياً، والتركيز على تنمية تلك المناطق عقب طرد العناصر الإرهابية.

وفي حالة الصومال، فإن الأوضاع الاقتصادية وتعرض الصومال لموجة جفاف، وفي المقابل قدرات حركة “الشباب” التمويلية التي قُدرت سابقاً بنحو 120 مليون دولار سنوياً، من فرض الإتاوات على السكان المحليين، وعمليات التهريب والتجارة، بما منحها قدرة على استقطاب عناصر جديدة، وتقديم خدمات موازية للدولة؛ تستدعي وضع خطة لتأمين المناطق المحررة من سيطرة عناصر الحركة.

4- دعم قوات “دنب” في مكافحة الإرهاب: تراجعت فاعلية عمليات مكافحة الإرهاب في الصومال، عقب قرار الولايات المتحدة الأمريكيةبسحب القوات الأمريكية التي كانت تقدر بنحو 700 عنصر،بقرار الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2020، وكانت تأثيراته بارزة في زيادة المناطق التي تخضع لسيطرة حركة “الشباب”، وزيادة معدل النشاط العملياتي.

وقبل إعادة نشر القوات الأمريكية مجدداً في الصومال، في 16 مايو الماضي، عقب انتخاب حسن شيخ محمود رئيساً للبلاد، ركزت مقاربة وزارة الدفاع الأمريكية على أن القوات الخاصة الصومالية التي تولت الولايات المتحدة الأمريكية تدريبها وكانت أحد الأطراف الفاعلة في مكافحة الإرهاب والمعروفة بـقوات “دنب”، انحرفت عن مسارها، بسبب الانخراط في صراعات داخلية، فضلاً عن أن الكفاءة القتالية تراجعت، لأنها تعمل بصورة أفضل تحت قيادة وتوجيه القوات الأمريكية.

وبالتالي، من المتوقع أن يركز انخراط قوات أمريكية في المرحلة الثانية من عمليات مكافحة الإرهاب بوسط الصومال على دعم وتوجيه قوات “دنب”، خاصة بعد تخرج دفعتين جديدتين خضعتا لتدريب من قبل القوات الأمريكية عقب عودتها للعمل في الصومال مجدداً العام الماضي.

ووفقاً لتقارير إعلامية أمريكية، فإن أغلب عناصر الدفعتين سيتوجهون إلى الخطوط الأمامية للقتال ضد حركة “الشباب”، وبالتالي من المرجح مشاركتهم في المرحلة الثانية من عمليات مكافحة الإرهاب، وبالتالي فإن القوات الأمريكية ستقود عمليات التوجيه خلال مشاركة عناصر “دنب”.

5- تدخل تدريجي وفقاً لأولويات مرحلية: يمكن تفسير انخراط القوات الأمريكية في عمليات مكافحة الإرهاب، دون الإشارة إلى مشاركة قتالية في العمليات الميدانية، في إطار الانخراط التدريجي، في سياق ترتيب أولويات مرحلية،إذ كانت المهمة الأولى لهذه القوات عقب العودة مجدداً إلى الصومال، في 16 مايو الماضي، تركز على تدريب دفعات جديدة من قوات “دنب” الصومالية، باعتبارها أولوية مرحلية عقب إعادة نشر تلك القوات في الصومال، لتعويض النقص في أعداد تلك القوات، خاصة عقب عمليات حركة “الشباب” التي تسببت في مقتل العشرات من تلك القوات.

إعادة تقييم

رغم انخراط القوات الخاصة الأمريكية في عمليات مكافحة الإرهاب، والذي يتوقع خلال المرحلة الثانية من الحملة التي أطلقها الرئيس الصومالي، إلا أنه لا توجد أي مؤشرات على مشاركة ميدانية قتالية على نطاق واسع. ولكن يبدو أن ثمة تخوفات لدى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من مزيد من الانخراط المتزايد بصورة أعمق عن ذي قبل، في العمليات اليومية ضد حركة “الشباب”، تحت وطأة التطورات الميدانية، والعوامل التي سبقت الإشارة إليها. وربما تجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها منخرطة بصورة أكبر خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن الحرب الأمريكية على الإرهاب في الصومال الممتدة منذ سنوات تركز على المقاربات العسكرية والأمنية. ووفقاً لتقديرات أمريكية، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها منخرطة بصورة متزايدة ولكن بشكل تدريجي، إذ بدأت خلال عام 2014 من خلال مجموعة من المستشارين العسكريين، حتى وصل الأمر إلى إرسال نحو 700 جندي إلى الصومال، بما يستدعي إعادة تقييم مستوى الانخراط، وتبني مقاربات جديدة لا تركز فقط على المواجهات العسكرية.