الأبعاد العشرة:
لماذا تركز التنظيمات الإرهابية على استهداف المطارات بالمنطقة؟

الأبعاد العشرة:

لماذا تركز التنظيمات الإرهابية على استهداف المطارات بالمنطقة؟



تصاعدت ظاهرة “استهداف المطارات” داخل بعض دول المنطقة في الشهور الماضية، على نحو يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة، تتعلق باستمرار الصراعات المسلحة وتعثر جهود التسوية في بعض تلك الدول، ومحاولات التنظيمات الإرهابية تعزيز نفوذها عبر استقطاب عناصر إرهابية جديدة وتوسيع نطاق مصادر التمويل، إلى جانب تحقيق أهداف إعلامية تلقي الضوء على نفوذها وقوتها، مع رفع مستوى الخسائر البشرية والمادية للأطراف المناوئة لها.

هجمات مستمرة

شهدت بعض دول المنطقة، في الفترة الأخيرة، تصاعداً في استهداف المطارات. ففي 30 ديسمبر 2020، تعرّض مطار عدن لهجوم شنته حركة المتمردين الحوثيين، بعد دقائق من وصول رئيس الحكومة الجديدة معين عبد الملك وأعضاء في مجلس الوزراء ومسئولين حكوميين آخرين. وفي 10 فبراير 2021، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قاعدة حميميم الجوية بمحافظة اللاذقية السورية تعرّضت لهجوم باستخدام راجمات صواريخ بعيدة المدى انطلقت من المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية في محافظة إدلب.

وخلال الأشهر الأربعة الأخيرة، وقعت عمليات إرهابية عديدة استهدفت مطارات ونفذتها تنظيمات إرهابية ومسلحة. ففي 2 مايو الماضي، تعرّض مطار بغداد لهجوم بواسطة صواريخ من نوع “كاتيوشا”. وبعد ذلك بأكثر من شهر، وتحديداً في 10 يونيو الماضي، استهدف هجوم آخر المطار نفسه استخدمت فيه طائرة من دون طيار. فيما تمكنت قوات الأمن العراقية من إحباط هجوم ثالث كان يستهدف المطار نفسه، في 2 يوليو الماضي، باستخدام 10 صواريخ من نوع “غراد”. وتكرر الأمر نفسه بعد ذلك بخمسة أيام باستهداف مطار أربيل في كردستان عبر هجوم بطائرات من دون طيار. وتعرّض المطار نفسه لهجوم آخر بواسطة مسيَّرة مفخخة في 12 سبتمبر الجاري. لكن أكبر العمليات الإرهابية التي استهدفت المطارات خلال الأشهر الأربعة الماضية كانت في أفغانستان، حيث قام تنظيم “داعش خراسان” باستهداف مطار كابول، في 26 أغسطس الفائت، بعد نحو عشرة أيام من سيطرة حركة “طالبان” على الحكم في العاصمة الأفغانية.

أسباب متعددة

يمكن تفسير أسباب تركيز التنظيمات الإرهابية على استهداف المطارات تحديداً، في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- اختيار أهداف مُؤثِّرة: تعتبر المطارات أحد أهم المواقع الحيوية داخل الدول، باعتبار أنها تمثل منفذاً لنقل الأفراد من مختلف الجنسيات من وإلى تلك الدول، إلى جانب عمليات الشحن التجاري، وهو ما يدفع الأخيرة إلى رفع مستويات وإجراءات تأمين المطارات لدرجات عالية، للحيلولة دون تعرضها لعمليات يمكن أن تؤثر على سلامة حركة الملاحة الجوية.

2- توافر أدوات الهجوم: تحاول التنظيمات الإرهابية والمسلحة الالتفاف على الإجراءات الأمنية المشددة التي تتخذها الدول، عبر تعزيز قدرتها على امتلاك الأدوات الكفيلة بتحقيق الهدف من الهجوم. وقد بدا لافتاً أن الهجمات الأخيرة نفذت إما عبر إطلاق صواريخ كما حدث في مطار بغداد في 2 مايو الماضي، أو من خلال الطائرات من دون طيار “الدرونز الانتحاري” كما حدث في العملية الأخيرة التي استهداف مطار أربيل في كردستان العراق في 12 سبتمبر الجاري، أو عبر الهجوم الانتحاري على غرار ما حدث في مطار كابول في 26 أغسطس الفائت.

3- انخفاض كُلفة الاستهداف: ترى بعض التنظيمات الإرهابية أن استهداف المطارات منخفض التكلفة مقارنة بالهجوم على منشآت أو مؤسسات أخرى، ولاسيما فيما يتعلق بتراجع الاعتماد على العنصر البشري، حيث كان لافتاً أن معظم الهجمات التي تعرّضت لها المطارات في المنطقة لم تكن بواسطة انتحاريين، ربما باستثناء الهجوم على مطار كابول، الذي نفذه انتحاري قال البيان الذي أصدره تنظيم “داعش خراسان” وأعلن فيه مسئوليته عنه أنه عبد الرحمن اللغري.

4- إحداث خسائر اقتصادية: تفرض تلك الهجمات، في بعض الأحيان، تداعيات سلبية على الاقتصاد، خاصة أنها قد تؤدي إلى توقف حركة الطيران والتأثير على قطاعى السياحة والتجارة.

5- تعزيز التأثير النفسي: تسعى بعض التنظيمات الإرهابية عبر استهداف المطارات إلى تصدير تأثير نفسي للمواطنين، عبر إضعاف مستويات الثقة لديهم تجاه قدرة أجهزة الأمن على دعم الاستقرار داخل الدولة.

6- توجيه ضربات مزدوجة: يمثل استهداف المطارات محاولة لتوجيه ضربات مزدوجة لأكثر من دولة، باعتبار أن المطارات تستقبل دائماً العديد من الجنسيات، وهو ما تطلق عليه التنظيمات الإرهابية “عملية واحدة ذات أثر متعدد”.

7- التأثير الإعلامي الكبير: يكمن أحد الأهداف الرئيسية للعمليات الإرهابية التي تستهدف المطارات، في إلقاء الضوء على العملية الإرهابية ذاتها، وتحويل ما حدث إلى مادة إعلامية سريعة الانتشار على مستوى العالم، على نحو ترى التنظيمات الإرهابية أنه يضفي مزيداً القوة عليها، وهو ما يمكن ملاحظته عبر استهداف تنظيم “داعش خراسان” لمطار كابول، الذي وجّه رسالة بأن التنظيم موجود ويمتلك قوة ونفوذاً يستطيع من خلالهما مواصلة شن عمليات إرهابية ضد أطراف متعددة داخل أفغانستان.

8- منافسة التنظيمات الأخرى: يبدو واضحاً أن ثمة نمطاً من “الحروب البينية” بدأ يتصاعد بين التنظيمات الإرهابية في بعض دول الإقليم، وذلك لحرصها على إثبات التفوق والنفوذ والسيطرة وتصدر خريطة تلك التنظيمات، كما هو قائم بين تنظيمى “داعش” و”القاعدة” داخل تلك الدول، وتنظيم “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) والتنظيمات “القاعدية” في سوريا. ومن هنا، ترى تلك التنظيمات أن استهداف المطارات تحديداً يمثل آلية لتكريس النفوذ في مواجهة الجماعات الإرهابية الأخرى.

9- مواصلة عمليات التجنيد: تبدي قيادات التنظيمات الإرهابية اهتماماً خاصاً باستهداف المطارات، على أساس أن ذلك يعزز من جهودها لتجنيد مزيد من العناصر الإرهابية، التي يمكن أن تعتبر أن هذا الاستهداف يمثل مؤشراً على الإمكانيات والقدرات التي تمتلكها تلك التنظيمات.

10- استقطاب دعم الرعاة: يعتبر عنصر التمويل أحد أهم الأهداف التي تسعى التنظيمات الإرهابية إلى تحقيقها عبر استهداف المطارات، حيث يحاول كل تنظيم إرهابي إثبات نفوذه وتفوقه على التنظيمات الإرهابية المختلفة النشطة في بعض دول المنطقة، من أجل توسيع نطاق مصادر التمويل التي يحصل عليها، وهو ما يكتسب أهمية خاصة لدى تلك التنظيمات، باعتبار أن التمويل يعد متغيراً رئيسياً يؤثر على قدرتها على الاستمرار في تنفيذ عمليات إرهابية نوعية.

اتجاه متصاعد:

في النهاية، ربما يمكن القول إن ظاهرة “استهداف المطارات” تعبر عن توجه جديد لدى التنظيمات الإرهابية، تسعى من خلال تبنيه إلى تحقيق أهداف عديدة مرتبطة بتعزيز حضورها وموقعها سواء في مواجهة الدول التي تحاول استهداف مصالحها، أو في مواجهة التنظيمات المنافسة لها.