محفزات عديدة:
لماذا تركز إيران على تعزيز العلاقات التجارية مع دول الجوار العربي؟

محفزات عديدة:

لماذا تركز إيران على تعزيز العلاقات التجارية مع دول الجوار العربي؟



تتجه إيران تدريجياً نحو رفع مستوى اهتمامها بتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية مع بعض دول الجوار العربي، على نحو تسعى من خلاله إلى تحقيق أهداف عديدة، يتمثل أبرزها في استثمار بعض الفعاليات الرياضية على غرار تنظيم مونديال كأس العالم لكرة القدم في قطر، ورفع مستوى الصادرات الإيرانية، وتحسين معدلات الناتج المحلي الإجمالي، دون أن ينفي ذلك أن هناك عقبات يمكن أن تعرقل هذه الطموحات الإيرانية ومنها التقلبات السياسية التي تخيم على الأوضاع في المنطقة، وضعف البنى التحتية فيما يتعلق بالعلاقات المصرفية، والسكك الحديدية، والطرق البرية، ومرافق الموانئ، والتسهيلات الجمركية.

سلط إعلان رئيس منظمة تنمية التجارة الإيرانية رضا بيمان باك، في 8 أكتوبر الجاري، عن إنشاء شبكة مالية للتجار الإيرانيين في سلطنة عُمان، الضوء على المزيد من الجهود التي تقوم بها طهران في هذا الإطار؛ حيث اقترح وزير الطرق الإيراني رستم قاسمي أثناء لقائه الرئيس السوري بشار الأسد في اليوم السابق لذلك تأسيس صندوق ضمان الصادرات حتى لا يتم الإضرار بمصالح الشركات الراغبة في العمل بسوريا.

وفي السياق ذاته، ناقش رستم قاسمي أثناء زيارته إلى سوريا مع نظيره السوري زهير خزيم آليات إنشاء خط سكة حديد ثلاثي لنقل الركاب والبضائع بين إيران والعراق وسوريا، الأمر الذي يكشف عن رغبة إيرانية كبيرة في تطوير العلاقات الاقتصادية مع دول الجوار ودول المنطقة من خلال التركيز على الأدوات المالية المؤسسية.

كما قام مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية، محسن رضائي، بزيارة قطر، حيث التقى مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، في 17 أكتوبر الجاري، في إطار زيارته لافتتاح معرض الطاقات الاقتصادية الإيرانية وذلك على أعتاب كأس العالم لكرة القدم 2022، ومتابعة الوثائق الموقّعة بين مسؤولي البلدين.

وكالة أنباء تسنيم: اتفاق قطر وإيران على رفع مستوى التبادل التجاري إلى 3 مليارات دولار حتى عام 2025

دوافع مختلفة

يمكن تفسير رغبة إيران في تحسين علاقاتها التجارية مع دول الجوار في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به البلاد في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:

1- رفع مستوى الصادرات الإيرانية: رغم أن بعض دول الجوار تأتي في مرتبة هامشية في نظام التجارة العالمي؛ حيث تبلغ حصة دول الجوار الإيراني الـ15 في الاقتصاد العالمي حوالي 5٪، إلا أن طهران ما زالت تُولِي أهمية كبيرة لدول جوارها للخروج من عزلتها الاقتصادية. ويبدو واضحاً أن الحكومة الثالثة عشرة في إيران تركز بشدة على زيادة الصادرات غير النفطية والبتروكيماويات لتعويض العجز المالي الناتج عن العقوبات الاقتصادية المفروضة على قطاع النفط.

وأثبتت تجارب بعض الدول التي لها باع في مجال ريادة الأعمال، مثل الصين وكوريا الجنوبية واليابان، أن المكاتب التجارية وزيادة أعداد المستشارين التجاريين في الدول المجاورة تعد أداة مهمة لتنمية الصادرات في الأسواق المستهدفة أكثر من أي وسيلة أخرى، وبالفعل لامست إيران ذلك في عدد من الدول التي لديها فيها مراكز تجارية مثل العراق وأفغانستان وكازاخستان وروسيا، الأمر الذي يؤدي كنتيجة مباشرة إلى تطور العلاقات السياسية أيضاً.

2- الاستفادة من تنظيم المونديال في قطر: تبذل إيران جهوداً حثيثة من أجل الحصول على مكاسب مالية من تنظيم مونديال كأس العام في قطر خلال الشهر القادم، حيث قامت بتطوير بنيتها التحتية من وسائل نقل وخدمات لوجيستية وفنادق، وذلك لاستقبال الجماهير التي ستحضر لمشاهدة المباريات، ويتمثل الهدف الأساسي من ذلك في الحصول على عملة صعبة، في ظل الأزمة التي تواجهها إيران في هذا الصدد بسبب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية.

3- زيادة حجم التبادل التجاري: تنطلق الرغبة الإيرانية الهادفة إلى تأسيس مراكز تجارية في دول الجوار من المبدأ الاقتصادي القائل بأنه لن تتمكن أي دولة من تحقيق إنجاز اقتصادي كبير وتوفير مستويات معيشية أفضل لمواطنيها بدون تجارة خارجية وجذب رأس المال والتكنولوجيا من دول أخرى في العالم. ومن هنا تُعد التجارة الخارجية مهمة بشكل خاص للبلدان النامية، لأن معظم هذه البلدان تواجه مشكلات من قبيل نقص الموارد الاقتصادية، والعمالة الماهرة، وضعف التعليم، وضعف الوصول إلى التكنولوجيا، وما إلى ذلك.

لذا، وفي رؤية اتجاهات في إيران، فإن الانفتاح الاقتصادي والحضور الفاعل على الساحة العالمية، مثل ما حدث مع الصين والهند وقبل ذلك في كوريا الجنوبية وسنغافورة، رغم أنه لا يعني حل جميع المشكلات المذكورة، إلا أنه يلعب دوراً حيوياً للغاية في التغلب عليها والتقليل من حدتها.

وفي هذا الصدد، أعلن علي رضا بيمان باك رئيس منظمة التنمية التجارية الإيرانية، عن الوصول إلى اتفاق مع قطر لرفع التبادل التجاري البيني إلى 3 مليارات دولار حتى عام 2025، وذلك خلال زيارة محسن رضائي إلى الدوحة.

4- إيجاد بيئة تنافسية ملائمة: ترى إيران أن تطوير العلاقات التجارية مع دول العالم يساعد على توسيع عرض السلع والخدمات وخلق بيئة تنافسية في الأسواق بحيث يكون للمستهلكين خيارات أكثر. كما يؤدي ذلك إلى النقل المستمر للمعرفة والحلول المفيدة بين شركاء الأعمال، وبالتالي يلعب ذلك دوراً مهماً للغاية في تحسين الجودة والمعايير البيئية، فضلاً عن تمكين القوى العاملة.

ومن المتوقّع أن يساهم توسع التجارة الخارجية الحكومة الإيرانية على خفض تكلفة مشترياتها وتحمل أعباء مالية أقل من خلال الاستفادة من مجموعة واسعة من مصادر توريد السلع والخدمات.

5- توسيع نطاق التعاون البيني: تعزز العلاقات التجارية المتطورة وضعية القطاعات الاقتصادية المنتجة وتساعد بهذه الطريقة على خلق فرص عمل جديدة ذات مستوى دخل أعلى وتحسن نوعية حياة المواطنين، وهو ما تعول عليه إيران بشدة في ظل الاحتجاجات السياسية المتواصلة فيها، والتي تمثل آخر مؤشراتها في التظاهرات اللاحقة على وفاة الفتاة الكردية العشرينية مهسا أميني، والتي كشفت بعض التقديرات عن أن هذا الحدث أدى إلى وصول التوتر بين النظام الحاكم والشارع الإيراني إلى مرحلة غير مسبوقة، جعلت الاحتجاجات الحالية مختلفة عن كل الاحتجاجات السابقة التي اندلعت في إيران خلال المرحلة الماضية.

عقبات محتملة

ولكن رغم ذلك فإن هناك بعض العقبات التي يمكن أن تحول دون تحقيق هدف إيران في تطوير علاقاتها التجارية مع دول الجوار، والتي يتمثل أبرزها في التقلبات السياسية التي تخيم على الأوضاع في المنطقة؛ حيث يؤثر ذلك على مستوى المبادلات الاقتصادية والتجارية، سواء كانت مطلوبة أم لا. فعلى سبيل المثال، عانت العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية في المجال الاقتصادي من ركود شديد بسبب تعثر العلاقات السياسية بين البلدين في السنوات القليلة الماضية.

ومن ناحية أخرى، غالباً ما يؤدي ضعف الخدمات اللوجستية إلى انخفاض مستوى خدمات الأعمال التجارية بين العديد من دول المنطقة، بما في ذلك إيران وجيرانها. لذلك، ورغم المسافة الجغرافية القصيرة مع الدول المجاورة، فقد حال ضعف البنى التحتية فيما يتعلق بالعلاقات المصرفية، والسكك الحديدية، والطرق البرية، ومرافق الموانئ، والتسهيلات الجمركية، وكذلك الشروط المتعلقة بتسهيل حركة رجال الأعمال أو إصدار تأشيرات العمل وغيرها من التسهيلات التي تقوم بها الشركات، دون الاستفادة القصوى من القدرات الموجودة لتطوير العلاقات التجارية لإيران مع دول الجوار.

هذه العقبات دفعت اتجاهات عديدة في إيران إلى الدعوة أولاً لاعتماد مقاربة اقتصادية وتجارية لتطوير العلاقات مع دول الجوار، وثانياً إلى إنشاء البنية التحتية اللازمة، وتوفير ظروف مواتية لتوسيع نطاق التواصل بين النشطاء الاقتصاديين والتجاريين الإيرانيين ونظرائهم في الدول المجاورة.