أعلنت اللجنة الوطنية العليا للانتخابات الجزائرية في 30 نوفمبر 2021، النتائج النهائية للانتخابات المحلية والبلدية التي تم إجراؤها في 27 نوفمبر الماضي، وأسفرت نتائج التصويت في هذه الانتخابات عن تراجع الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية (حركة مجتمع السلم– حركة البناء الوطني) في ذيل قائمة نتائج الانتخابات الخاصة بالمجالس البلدية، حيث حلت حركة “البناء الوطني” في المرتبة الخامسة بحصولها على 1848 مقعد، فيما حلت حركة مجتمع السلم “حمس” في المرتبة السادسة بحصولها على 1820 مقعد، وعلى صعيد نتائج انتخابات المجالس الشعبية حلت حركة “حمس” على المرتبة الخامسة بحصولها على 239 مقعد وبعدها حركة البناء الوطني التي حصلت على 230 مقعد.
دلالات هامة
حملت الانتخابات البلدية والولائية التي شهدتها البلاد، مجموعة من الدلالات السياسية الهامة، حيث تم إجراء هذه الانتخابات لتجديد المجالس البلدية والجهوية البالغ عددها 1541 مجلس بلدي و58 ولاية (نفس عدد محافظات الجزائر) لمدة خمس سنوات، وترشح في سباق الانتخابات البلدية 115230 مرشح بمعدل أربعة مرشحين لكل مقعد، و18910 مرشح للمجالس الولائية بمعدل ثمانية مرشحين لكل مقعد، وتمثل النساء 15% من المرشحين، ومشاركة 48 حزب سياسي و281 قوائم مستقلة، وقبلها بيومين بدأت عمليات التصويت في هذه الانتخابات على مستوى المكاتب ومراكز التصويت المتنقلة المخصصة لسكان المناطق النائية، والبدو الرحل ببعض ولايات جنوب البلاد وشملت ولايات “تندوف”، و”إليزي”، و”جانت”، و”تمنراست”، و”بشار” و”عين صالح”، وقد خصصت سلطة الانتخابات 676 مكتب تصويت، و13 ألفا و326 مركز اقتراع و129 مكتباً متنقلا خاصاً بالبدو الرحل، وفي هذا الاطار أسفرت هذه الانتخابات عن الآتي:
1- ارتفاع نسبة المشاركة مقارنة بالانتخابات التشريعية، من أبرز نتائج هذه الانتخابات هو تحقيق نسبة مشاركة مرتفعة وصلت إلى حوالي 35.97% على صعيد الانتخابات البلدية، و34.39% على صعيد انتخابات المجالس الشعبية، أي تصويت حوالي 8.5 مليون ناخب من إجمالي عدد الناخبين المُقدر بحوالي 23 مليون ناخب (23.717.479 ناخب)، وهي بذلك نسبة مرتفعة مقارنة بنسبة مشاركة الناخبين في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أجريت في شهر يونيو الماضي وشهدت إحجاماً ملحوظاً في أعداد الناخبين البالع عددهم حوالي 23 مليون ناخب، حيث لم تتعدى نسبة المشاركة في تلك الانتخابات عن 23% فقط، وهي نفس نسبة مشاركة الناخبين في الاستفتاء على الدستور.
ويمكن تفسير ذلك من خلال مشاركة الأحزاب السياسية الممثلة لمنطقة القبائل الواقعة شمال شرق البلاد والتي تتمتع بثقل سياسي على الأرض وهو ما ساهم في تحفيز الناخبين هناك على المشاركة في العملية التصويتية مما سهم بشكل ملحوظ في زيادة نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، وهو ما يسهم في تعزيز شرعية النظام السياسي القائم برئاسة “عبدالمجيد تبون” الذي كان يعول على ارتفاع نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، ورغم الارتفاع الطفيف في نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، إلا أنها تظل ضعيفة نظراً لأن الانتخابات البلدية والمحلية لها علاقة مباشرة بمصالح وخدمات المواطنين.
2- صدارة أحزاب الموالاة، أسفرت نتائج هذه الانتخابات عن تصٌدر الأحزاب السياسية المعروفة بأحزاب الموالاة المراتب الأولى لهذه الانتخابات، حيث جاءت “جبهةالتحريرالوطني” (98 مقعد في البرلمان)في المرتبة الأولى من حيث عدد مقاعد المجالس البلدية بحصولها على 4584 مقعدا،فيما حصلت على الأغلبية المطلقة في 124 بلدية،والأغلبية النسبية في 552 بلدية، في حين جاء حزب “التجمع الوطني الديمقراطي” (58 مقعد في البرلمان) على 4584 مقعداً،وحصل على الأغلبية المطلقة في 58 بلدية، وحصل على الأغلبية النسبية في 331 بلدية، ويحمل ذلك مؤشر هام على قدرة احزاب الموالاة على المنافسة والبقاء في صدارة المشهد السياسي في مرحلة ما بعد سقوط “بوتفليقة”، كما يعني ذلك أيضاً أنهم لايزالون يمتلكون قواعد شعبية داخل المجتمع الجزائري يمكن الاعتماد عليها لاحقاً في العودة لرأس السلطة في البلاد.
3- تراجع الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، تشير النتائج النهائية لهذه الانتخابات إلى عدم قدرة الأحزاب السياسية الإسلامية التي شاركت فيها، على تحقيق نتائج إيجابية وتعويض الخسائر التي لحقت بها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ففي حين حققت حركة مجتمع السلم “حمس” الحصول على الترتيب الثالث في تلك الانتخابات (65 مقعد)، إلا أنها لم تستطع المحافظة على هذا الترتيب وحلت في الترتيب الخامس والسادس في الانتخابات المحلية والولائية، لتعكس هذه النتائج مدى التراجع والتخبط الذي أصبحت تعاني منه هذه الأحزاب، والذي يؤكد على حقيقة تراجعها وانحسار دورها في الحياة السياسية داخل البلاد.
4- تقدم المرشحين المستقلين، حققت قوائم المرشحين المستقلين نتائج إيجابية في هذه الانتخابات بحصولهم على 4430 مقعداً في المجالس البلدية،محققة الأغلبية في 91 بلدية،فيما فازت بالأغلبية النسبية في 334 بلدية في كافة أنحاء البلاد، وبذلك حصلوا على الترتيب الثالث بين الأحزاب السياسية المتنافسة في هذه الانتخابات، وعلى صعيد انتخابات المجالس الشعبي الولائية حصل المستقلون على 434 مقعد ليحلوا ثانياً بعد جبهة التحرير الوطني، وهو ما يعد مؤشراً هاماً على استمرار تقدم المرشحين المستقلين في الاستحقاقات الانتخابية، وذلك على غرار ما حققوه من نتائج إيجابية في الانتخابات البرلمانية قبل ستة أشهر، وذلك بعد أن حلوا في الترتيب الثاني في تلك الانتخابات بحصولهم على 84 مقعد من إجمالي مقاعد البرلمان البالغة 207 مقعد، وهو ما يعني في المقابل تراجع قدرة الأحزاب السياسية المخضرمة على المنافسة في الاستحقاقات الانتخابية التي تشهدها البلاد وعلى رأسهم الأحزاب الإسلامية.
أبعاد الضعف
يمكن تفسير النتائج الضعيفة التي حققتها الأحزاب السياسية الممثلة للإخوان المسلمين في هذه الانتخابات، وذلك على غرار النتائج الهزيلة التي حققوها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بحصول كافة الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية على 114 مقعد من إجمالي 207 مقعد بنسبة 22%، في سياق عدد من العوامل، والتي يمكن إبراز أهمها في الآتي:
1- انخفاض أعداد الكوادر الحزبية المشاركة، حيث أعلنت حركة مجتمع السلم (65 مقعد في البرلمان) قبل خوض غمار هذه الانتخابات عن تراجع أعداد مرشحهيم الذين شاركوا فيها، وأكد على ذلك إعلان بعض قياديي الحركة مشاركتهم في 500 بلدية فقط بعد أن كانوا يشاركون في 1500 بلدية، هذا إلى جانب غياب الكوادر الحزبية القادرة على الترشح وكذلك عدم قدرة هذه الأحزاب على استقطاب عناصر تستطيع إقناعهم بتوجهاتهم السياسية ومعتقداتهم الأيديولوجية.
2- انقسام واضح بين الأحزاب الإسلامية، فقد شاركت حركة حمس، إلى جانب “حركة البناء الوطني” (39 مقعد في البرلمان)، كل بمرشحيه دون الدخول في تحالف لتعزيز فرص مرشحيهم في هذه الانتخابات، والتراشق الإعلامي بين الحزبين، وهو ما ساهم في تشتت الأصوات على النحو الذي ظهرت عليه النتائج النهائية لهذه الانتخابات، كما أن تلك الأحزاب ليس بينها رؤى وأفكار وتوجهات توحد صفها وتجعل منها أحزاب سياسية قوية تستطيع المنافسة في أية استحقاقات انتخابية وذلك على غرار الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وما تلى ذلك من انقسام ظهر جلياً في عدم تكوين كتلة نيابية موحدة داخل البرلمان، وهو ما دفع حمس لأن تبقى في صفوف المعارضة، في حين اختارت حركة البناء الوطني دعمها لتشكيل حكومة تحت قيادة الرئيس “عبدالمجيد تبون” وحصلت على وزارة “التكوين المهني” في حكومة “أيمن بن عبدالرحمن”.
3- تبني خطاب سياسي مُنفر للرأي العام، ساهم الخطاب السياسي الذي تبنته هذه الأحزاب خلال الحملات الدعائية لهذه الانتخابات، في نفور الكثير من الناخبين عن التصويت للأحزاب السياسية الممثلة للإخوان المسلمين في النتائج البلدية والجهوية الأخيرة، ونفس الشيء في الانتخابات البرلمانية الأخيرة أيضاً، حيث انتقد الناخبون ما وصفوه بهزلية الخطاب السياسي الدعائي لهذه الأحزاب واتهامهم بالانتهازية بسبب هروب بعض المرشحين إلى قوائم انتخابية أخرى وترشيح آخرين واستقطابهم لتمكينهم من الحصول على نتائج إيجابية، إلا أن ذلك لم يجدي نفعاً، بل ساهم في اتجاه الناخبين للتصويت لصالح القوائم الانتخابية الأخرى ولاسيما المستقلين الذين أصبحوا يمثلون بديلاً معتبراً للإخوان.
4- توقف نظام المحاصصة المتبع في عهد بوتفليقة، يمكن تفسير التراجع الملحوظ في نتائج الأحزاب السياسية الإسلامية إلى توقف العمل بنظام المحاصصة السري الذي كان يتبعه النظام السياسي السابق برئاسة “بوتفليقة” والذي كان يعتمد على منح تلك الأحزاب بعض المقاعد في البرلمان؛ لتوظيف هذه الأحزاب لخدمة أغراض سياسية محددة لهذا النظام وعلى رأسها البقاء في السلطة، مع إتاحة هامش معين لهذه الأحزاب للمشاركة في المشهد السياسي بالبلاد، رغم إعلانها المستمر بتعرضها لمضايقات أمنية تمنعهم من المشاركة في العملية الانتخابية.
5- غياب الحواضن الشعبية التقليدية، من أهم الأسباب التي ساهمت في هذا التراجع الملحوظ لإخوان الجزائر هو فقدانهم للقواعد الشعبية التي كانوا يعتمدون عليها في الانتشار داخل المجتمع وجذب الناخبين للتصويت لصالح مرشحيهم، وذلك مقارنة بأحزاب الموالاة التي أكدت نتائج الانتخابات على امتلاكها قواعد شعبية تقليدية وثابتة، وقد يرجع سبب ذلك إلى فقدانهم التمويل اللازم لجذب الناخبين والقيام بحملات دعائية قوية، كما أن بعض الناخبين يرون أن هذه الأحزاب تعد امتداداً لنظام “بوتفليقة” السابق ويجب استبدالهم بالمستقلين، حيث فقد الناخبون ثقتهم في قدرة الأحزاب الإسلامية على حل مشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية.
تراجع مستمر
خلاصة القول تشير النتائج النهائية للانتخابات المحلية والبلدية الجزائرية إلى استمرار تراجع الأحزاب السياسية ذات التوجهات الإسلامية، بعدما فشلوا في تحقيق نتائج إيجابية لتعويض ما تلقوه من خسائر في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بل على العكس ازدادت خسائرهم بشكل ملحوظ في ظل ما يعانونه من انقسام وتخبط واضحين، وهو ما يرجح اتجاه هذه الأحزاب نحو المزيد من التراجع السياسي في المرحلة القادمة.