مرحلة جديدة:
لماذا تدعو العراق لإنهاء دور التحالف الدولي ضد “داعش”؟

مرحلة جديدة:

لماذا تدعو العراق لإنهاء دور التحالف الدولي ضد “داعش”؟



يبدو أن العلاقات بين العراق والتحالف الدولي ضد “داعش” سوف تدخل مرحلة جديدة، ظهرت أولى مؤشراتها في التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في 26 سبتمبر الفائت، وقال فيها أنه “لا ضرورة لوجود التحالف الدولي على أراضي العراق؛ إذ لم يعد تنظيم داعش يشكل تهديداً”. ويتزامن هذا التوجه العراقي الجديد مع تحولات بدت لافتة في رؤية واشنطن لإدارة العلاقات الأمريكية-العراقية، حيث تعمل إدارة الرئيس جو بايدن على أن يقتصر دور الأمريكيين خلال المرحلة المقبلة على تقديم دعم استشاري للحكومة العراقية فقط، جنباً إلى جنب مع توقيع اتفاقية شراكة أمنية تشمل التدريبات العسكرية الثنائية والمتعددة الأطراف وتبادل المعلومات.

لكن اللافت في هذا السياق أن هذا التحول ليس الأول من نوعه، ففي 5 يناير 2020 قرر التحالف الدولي تعليق عمليات تدريب القوات العراقية والقتال ضد تنظيم “داعش”، بسبب الالتزام بحماية القواعد العراقية التي تستضيف قواته، وذلك بعد محاولة استهداف تلك القوات من قبل المليشيات المسلحة الموالية لإيران عشية مقتل القائد الأسبق لـ”فيلق القدس” التابع للحرس الثوري قاسم سليماني في 3 من هذا الشهر، في العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وأدت أيضاً إلى مقتل نائب أمين عام مليشيا “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس. بيد أن التطور الأخير يطرح تساؤلات عديدة حول أهم التداعيات المحتملة التي يمكن أن يفرضها إنهاء دور التحالف الدولي ضد “داعش” في العراق، ومدى قدرة الأخيرة على مواجهة أى مخاطر أو تداعيات مستجدة، وانعكاس ذلك على مستقبل العلاقات بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية.

دوافع رئيسية

يمكن تفسير سعى العراق إلى إنهاء دور التحالف الدولي ضد “داعش” في ضوء دوافع عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- تحقيق الانتصار على “داعش”: تأتي تصريحات السوداني بعد تحقيق التحالف الدولي الانتصار على “داعش”، وتدمير قدراته الذاتية، فضلاً عن التطور الحادث في القدرات الأمنية العراقية التي تنامت في الفترة الأخيرة، على نحو ساعد قوات الأمن في ضبط المعادلة الأمنية بصورة لافتة في عموم البلاد. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى توقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي في 26 يوليو 2021، اتفاقاً يُنهي رسمياً المهام القتالية لقوات التحالف الدولي المكلفة بمواجهة “داعش”، وانسحابها من البلاد بشكل رسمي، والانتقال إلى مهمة استشارية لمساعدة القوات العراقية. وقد أشار بايدن في هذا السياق إلى أن الدور الأمريكي في العراق سيركز على المساعدة في مجال التدريب والدعم الاستخباراتي.

2- تأكيد القدرة على حماية المصالح الأجنبية: تزامنت هذه التصريحات مع تحول لافت في أداء الأجهزة الأمنية فيما يتعلق بحماية وتأمين المصالح الأجنبية على الأراضي العراقية، وتجلى ذلك في تراجع حدّة الهجمات التي طالما كانت تستهدف مقر البعثة الدبلوماسية الأمريكية، والقواعد العسكرية الأمريكية. كما أكدت حكومة السوداني الالتزام بحماية الأفراد والمستشارين الأمريكيين وقوات التحالف الدولي. وبحسب تقديرات محلية عراقية، فإن الحكومة نجحت في تجاوز الأزمة الأمنية، وهو ما ظهر في منحها أهمية أكبر في التوقيت الحالي لأولويات التنمية والتقدم الاقتصادي ومعالجة أزمات اقتصادية واجتماعية متوارثة وتعزيز القدرة على الانخراط في شراكات اقتصادية مع العديد من القوى الدولية.

3- تصاعد الجدل حول الوجود الأمريكي: لا يمكن فصل هذا التوجه عن تصاعد الجدل من جديد حول الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وتنامي التوجهات المناهضة له، على نحو بدا جلياً في توجيه جماعة “أصحاب الكهف” والقنوات التابعة لها على “تليجرام”، في مايو الماضي، تهديدات عدة ضد القوات الأمريكية الموجودة في العراق. كما وصل الجدل إلى الذروة في العراق مع سيطرة “الإطار التنسيقي” الذي يضم القوى السياسية الشيعية الرئيسية والمؤثرة، على مفاصل المشهد السياسي والأمني العراقي، وهو التيار الأقرب إلى إيران، والذي يتبنى توجهات مناهضة للوجود الأمريكي. ولذلك عندما وصف السوداني في تصريحات متلفزة له، في 15 يناير الماضي، القوات الأمريكية بـ”الصديقة”، أبدى بعض قادة “الإطار” انزعاجاً شديداً، خاصة ممن يوصفون بـ”المتشددين”، ومن أبرزهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي زعيم ائتلاف “دولة القانون”، وأمين عام مليشيا “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، وكلاهما يطالب بضرورة إخراج القوات الأمريكية.

4- تعزيز التفاهمات العراقيةالأمريكية: ربما تكون هذه التصريحات انعكاساً لتوافق محتمل بين البلدين على ضرورة إخراج قوات التحالف ضد “داعش” من العراق، وهو ما كشفت عنه زيارة وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي للعاصمة الأمريكية واشنطن في 7 و8 أغسطس الماضي، ولقاؤه نظيره الأمريكي لويد اوستن، واتفاق الوزيرين الأمريكي والعراقي خلال الزيارة على تشكيل لجنة عسكرية عليا لتقييم العملية المستقبلية المتعلقة بمهام التحالف في مواجهة تنظيم “داعش”. وقد يكون ذلك مرتبطاً بالاستراتيجية التي تتبعها إدارة بايدن فيما يتعلق بتقليص مستوى الانخراط العسكري في بعض الأزمات الإقليمية، بالتوازي مع تزايد الاهتمام بملفات وأزمات دولية أخرى، على غرار النزاع مع الصين في منطقة الإندوباسيفيك، والحرب الروسية-الأوكرانية.

انعكاسات محتملة

ثمّة تداعيات قد تُسفر عنها مطالبة حكومة السوداني بإنهاء وجود قوات التحالف الدولي ضد “داعش” في العراق، يأتي في مقدمتها تزايد نفوذ التنظيمات الإرهابية والمسلحة، وخاصة تنظيم “داعش”. إذ قد يدفع انسحاب قوات التحالف من العراق خلال الفترة المقبلة الخلايا النائمة التابعة للتنظيم إلى تصعيد نشاطها في الداخل العراقي. وإذا كانت العمليات الأمنية والعسكرية الاستباقية التي تنفذها القوات العراقية ضد خلايا التنظيم قد حققت نتائج إيجابية خلال الفترة الماضية، فإن ذلك لم يمنع الأخير من محاولة تنفيذ عمليات إرهابية في عدد من المدن العراقية، وخاصة في كركوك وديالى ونينوى.

فضلاً عن ذلك، فإن انسحاب قوات التحالف سوف يسمح بتوفير مناخ مواتٍ لتنامي النفوذ الإيراني ليس في العراق وحدها، وإنما في الإقليم بشكل عام، حيث ترى اتجاهات عديدة في إيران أن هذه الخطوة المحتملة سوف تؤدي إلى تقليص حدة الضغوط الأمنية والسياسية التي تتعرض لها الأخيرة في المنطقة، وهو ما قد يسمح لها بالتحرك بمرونة أكبر على الأرض.

كما أن هذا الانسحاب الذي يعني تراجع الحضور الأمريكي في العراق، قد يساهم في إعادة تشكيل خريطة القوى السياسية داخل الأخيرة، بما يسمح بتهميش النفوذ الكردي والسني لمصلحة التيارات الشيعية الموالية لإيران، خاصة مع اقتراب موعد استحقاقات سياسية مهمة، وعلى رأسها انتخابات مجالس المحافظات، ثم الانتخابات البرلمانية.