نقطة استناد:
لماذا تدعم تركيا الرئيس الصومالي “فرماجو” في صراعه مع رئيس الحكومة؟

نقطة استناد:

لماذا تدعم تركيا الرئيس الصومالي “فرماجو” في صراعه مع رئيس الحكومة؟



كشفت تركيا عن دعمها للرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو بعد تصاعد حدة الخلاف مع رئيس الوزراء محمد حسين روبلي بسبب تعليق الأول في 27 ديسمبر الماضي مهام الثاني الحكومية، واتهامه بتعطيل العملية الانتخابية وسعيه إلى تفصيل المشهد الصومالي بما يخدم طموحاته ومصالح حلفائه. إذ تدفع تركيا نحو انتخابات صومالية تضمن بقاء فرماجو الموالي لأنقرة في صدارة المشهد، أو على الأقل ضمن مكوناته الرئيسية، لضمان حماية مصالحها، وتنفيذ سلسلة من الاتفاقيات التي تم توقيعها في السنوات الماضية، خاصة أن رئيس الوزراء الحالي يبدو أقرب إلى منافسي تركيا الإقليميين والدوليين، وبخاصة واشنطن ولندن والقاهرة. وقد أثار الموقف التركي من الأزمة السياسية في الصومال، ودعمها للرئيس فرماجو، كثيراً من التساؤلات بشأن أبعاد الدور التركي تجاه الأزمة، والأهداف المتوخّاة من دعم فرماجو، وأثر ذلك على المصالح التركية في الصومال.

تحركات مكثّفة

تتجه تركيا، فيما يبدو، عبر خطوات متتالية، نحو تأمين وجود الرئيس الصومالي الموالي لها عبدالله فرماجو، وتعزيز حضوره. ويُعتبر فرماجو والتيار الموالي له نقطة استناد استراتيجية لتركيا في الصومال، حيث ألقت تركيا بثقلها العسكري خلفه، وهو ما يُعزز ثقته في أنه قادر على إبعاد “روبلي” منافسه الأقوى، وتفويت الفرصة على إزاحته من السلطة عبر تعطيل العملية الانتخابية. كما تقوم تركيا بشكل مكثف بتدريب قوات الجيش الصومالي، ناهيك عن تسليم مقديشيو مطلع ديسمبر 2021 أول شحنة من الطائرات التركية المسيرة، وكذلك الاتفاق على تأسيس كتيبة لتدريب الجيش الصومالي على استخدام هذه الطائرات، وكيفية استخدامها أثناء القيام بمهام هجومية. وتُعد المسيرات التركية ورقة رابحة في يد فرماجو إذا تم اللجوء إلى الخيار العسكري لحسم صراعه مع رئيس الحكومة.

ولم يكن هذا الدعم العسكري التركي هو الأول من نوعه، فقد سبق ذلك بناء أنقرة في مارس الماضي ثكنات عسكرية جديدة في العاصمة مقديشيو ضمن إعادة هيكلة القوات المسلحة الصومالي. كما قدمت أنقرة في منتصف أغسطس الماضي للجيش الصومالي 22 مركبة مدرعة لمساعدته على حفظ الأمن في البلاد بعد قرار انسحاب قوات بعثة الاتحاد الإفريقي إلى الصومال “أميصوم”.

وتتوازى هذه الخطوة مع نمو المساعدات التركية لإدارة الرئيس فرماجو، فقد أعلن الرئيس التركي في أغسطس الماضي عن عزمه تقديم مبلغ 30 مليون دولار للصومال. كما تعهدت تركيا في يوليو 2021 بدفع ما قيمته 2,5 مليون دولار للصومال في شكل حقوق سحب خاصة، وذلك في محاولة للتحايل على الأزمة المالية التي تفاقمت في الصومال، وزادت وطأتها بسبب تداعيات جائحة كورونا، والركود الاقتصادي.

على صعيد ذي شأن، نجحت تركيا في دفع علاقتها الاقتصادية مع الصومال، وتكريس استثماراتها في عدد من مفاصل الدولة الصومالية، فبينما تجاوز حجم المبادلات التجارية بين البلدين بنهاية عام 2018، ما يقرب من 200 مليون دولار، وقعت شركات تركية بفضل دعم فرماجو عقوداً مع الحكومة الصومالية لتحديث ميناء مقديشيو، كما كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مطلع فبراير 2020 عن مباحثات تركية-صومالية بشأن التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية للصومال. وأضاف في تصريحات له: “إن هناك عرضاً من الصومال من أجل القيام بهذه المهمة، على غرار ما تقوم به تركيا قبالة السواحل الليبية”.

في المقابل، عملت تركيا على توظيف قوتها الناعمة لتعميق تغلغلها في الصومال، وبخاصة وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا”، حيث تقدم الوكالة للصومال مساعدات خاصة في مجال التنمية والمشاريع الاجتماعية. وقامت تركيا ببناء مستشفى في البلاد، وأعادت بناء مطار “آدم عدي” الدولي في العاصمة.

اعتبارات متنوعة

تحاول تركيا من خلال دعم الرئيس الصومالي فرماجو في صراعه مع رئيس الحكومة الحالي “روبلي”، تحقيق أهداف مختلفة، تتمثل في:

1- تأمين حضورها العسكري داخل الصومال: لا ينفصل الدعم التركي للرئيس فرماجو عن حرص أنقرة على حماية وجودها العسكري في الصومال، حيث تملك تركيا ثاني أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في الصومال بالقرب من مطار مقديشيو، وتشتمل القاعدة على ثلاث مدارس عسكرية، ومخازن للأسلحة والذخيرة، وأبنية للإقامة. وفي ظل معارضة قطاعات سياسية صومالية، والمعارضة المسلحة، وخاصة “حركة الشباب المجاهدين”، للوجود العسكري التركي، وبالتالي من المؤكد أن إقصاء فرماجو يعرض المصالح العسكرية التركية لخطر كبير، وقد يقطع الطريق على ترسيخ نفوذها داخل الجيش الصومالي.

2- موازنة تدخلات الفاعلين الدوليين والإقليميين: في ضوء إدراك تركيا أنها ليست هي الفاعل الأجنبي الوحيد في الصومال، وأن هناك دولاً أخرى تسعى إلى تثبيت أقدامها في المنطقة عبر البوابة الصومالية من خلال توظيف الانتخابات المقبلة، ودعم حلفائها؛ فإن أنقرة باتت تُولي أهمية لضمان استمرار فرماجو في صدارة المشهد. وتسعى تركيا لمنع استقطاب الصومال تجاه منافسيها الإقليميين والدوليين، خاصة أن هذه القوى تتجه نحو دعم رئيس الحكومة محمد روبلي، وقد تصاعد القلق التركي بعد استقبال القاهرة في أغسطس الماضي رئيس الوزراء الصومالي الباحث عن إعادة التوازن إلى علاقات مقديشيو الإقليمية، وبناء تحالفات جديدة وازنة للنفوذ التركي في الصومال.

ولا تنفصل السياسة التركية الداعمة لفرماجو في الأزمة السياسية الراهنة عن مخاوفها من تحركات القوى الدولية التي أبدت دعماً ظاهراً لرئيس الحكومة الصومالية بعد تجميد مهامه في ديسمبر الجاري، حيث أرسلت بعض القوى الغربية المتحفظة على تغوّل تركيا في الصومال إشارات دعم لافتة إلى روبلي. وفي الوقت الذي أشاد فيه ممثلو المجتمع الدولي بالجهود التي يبذلها روبلي في تسريع الانتخابات، وجعلها شفافة وذات مصداقية؛ حثت كل من السفارة الأمريكية والبريطانية في مقديشيو الرئيس الصومالي على اتخاذ خطوات فورية لنزع فتيل التوترات، والامتناع عن الأعمال الاستفزازية وتجنب العنف، في تأكيد على دعمهما إجراء الانتخابات وأنهما ضد أيّ محاولات لتعطيلها.

على صعيد ذي شأن، حذّر مكتب إفريقيا التابع لوزارة الخارجية الأمريكية في 27 ديسمبر الماضي، من أن واشنطن “مستعدة للتحرك في وجه من يعرقل طريق الصومال نحو السلام”، واعتبر أن “محاولة تعليق مهام روبلي مقلقة”. وأكد على دعم واشنطن لجهود روبلي لإجراء انتخابات سريعة وذات صدقية.

3- السيطرة على الموانئ البحرية: تُعد الموانئ البحرية في الصومال أحد المحاور الديناميكية الرئيسية للسياسة التركية تجاه الصومال، لذلك سعت تركيا مؤخراً إلى تعزيز وجودها بالمنافذ البحرية المطلة على سواحل البحر الأحمر أو المحيط الهندي، وهو ما انعكس في تشغيل قاعدة عسكرية بحرية على سواحل المحيط الهندي في الصومال في عام 2017 التي نالت دعماً كبيراً من الرئيس الحالي عبدالله فرماجو. كما وفر فرماجو عبر خطوات متتالية بيئة حاضنة لتعاظم حضور تركيا في المنافذ البحرية الصومالية على البحر الأحمر أو المحيط الهندي. هنا، يمكن فهم توجه تركيا نحو الحفاظ على بقاء الرئيس الحالي عبدالله فرماجو في صدارة المشهد الصومالي، لا سيما وأن بقاءه يعزز حضور أنقرة في منطقة البحر الأحمر، والمحيط الهندي، وهو ما تطمح إلى الحصول من خلاله على مكاسب استراتيجية واقتصادية في القارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط.

4- مدّ النفوذ التركي إلى منطقة القرن الإفريقي: تحمل الصومال أولوية لتركيا بالنظر إلى موقعها بإقليم القرن الإفريقي الذي تبذل تركيا جهوداً حثيثة من أجل تعزيز قدرتها فيه على منافسة بعض القوى الإقليمية والدولية التي تُبدي اهتماماً خاصاً بهذه المنطقة. ونجحت أنقرة من خلال دعم الرئيس الصومالي الحالي في إيجاد موطئ قدمٍ لها في منطقة القرن الإفريقي، وهو ما حقق لها مكاسب تجارية واستثمارية عديدة، ناهيك عن دور فرماجو في تعزيز التحالف بين تركيا وإثيوبيا، التي باتت منصة إضافية تعزز من التمركز التركي بالقرن الإفريقي، واستثمار ذلك في الضغط على دول أخرى، خاصة مصر وفرنسا والولايات المتحدة وإيران.

منصة حيوية

في الختام، يمكن القول إن التحرك التركي نحو دعم الرئيس الصومالي عبدالله فرماجو الموالي لها في نزاعه السياسي مع رئيس الحكومة، لا ينفصل في جوهره عن رغبة تركيا في موازنة نفوذ منافسيها الإقليميين والدوليين، وكذلك حماية مصالحها في منطقة القرن الإفريقي، والتي تمثل الصومال منصة حيوية لتحقيقها.