رغم تبني معظم دول الجنوب العالمي مواقف تعارض العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس داخل غلاف غزة في 7 أكتوبر الماضي، إلا أن الهند اتخذت موقفاً داعماً للعمليات العسكرية الإسرائيلية، حيث أعرب رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” مباشرة، عن أن بلاده تتضامن مع إسرائيل وتدين حركة حماس قبل أن يُعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن دعمه لإسرائيل، وهو ما يثير تساؤلات عديدة عن دوافع الهند لدعم إسرائيل في الحرب الحالية.
أسباب عديدة
ترجع الأسباب التي دفعت الهند لاتخاذ موقف مؤيد للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة على خلاف روسيا والصين اللتين انتقدتا علناً استمرار تلك العمليات مع ارتفاع تكلفتها الإنسانية، إلى ما يلي:
1- توسيع نطاق العلاقات مع تل أبيب: ارتفع مستوى العلاقات الهندية-الإسرائيلية في ظل حكومة ناريندرا مودي، الذي أجرى أول زيارة لرئيس وزراء هندي إلى إسرائيل في عام ٢٠١٧ منذ بداية العلاقات الدبلوماسية بين الهند وإسرائيل في عام ١٩٩٢. وتعد إسرائيل هي أكبر مورد للأسلحة للهند، حيث تمثل الهند ٤٦٪ من صادرات الأسلحة الإسرائيلية التي تشمل الطائرات بدون طيار، والرادارات، وأنظمة الصواريخ.
كما تتعاون الدولتان في مشاريع البحث والتطوير الدفاعية المشتركة. وخلال الفترة من عام ٢٠٠٠ إلى عام ٢٠١٠، قدرت التجارة الدفاعية الثنائية بين الهند وإسرائيل بحوالي ١٠ مليارات دولار. وقد ساهم مودي في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والهند، إذ بلغ حجم التجارة بينهما ١٠,١ مليارات دولار في السنة المالية ٢٠٢٢-٢٠٢٣ وفق بيانات السفارة الهندية في إسرائيل.
2- الهوية القومية الهندوسية لحزب بهاراتيا جاناتا: ينظر أعضاء حزب رئيس الوزراء الهندي- بهاراتيا جاناتا- إلى الصراع بين إسرائيل وحركة حماس من عدسة الهوية القومية الهندوسية، حيث ينظرون إلى إسرائيل كما يتصورون الهند باعتبارها دولة ذات أغلبية عرقية قومية تواجه تهديداً وجودياً يتمثل في الإرهاب.
وقد حذر وزير من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم الذي يتزعمه مودي من أن الهند “قد تواجه الوضع الذي تواجهه إسرائيل اليوم إذا لم تقف ضد التطرف ذي الدوافع السياسية”. ويقارن الحزب الحاكم الهندي بين هجوم حماس على إسرائيل والوضع في الهند قبل انتخاب مودي رئيساً للوزراء في عام ٢٠١٤، حيث نشر تغريدة مفادها أن “ما تواجهه إسرائيل اليوم، عانت منه الهند بين عامي ٢٠٠٤ و٢٠١٤”. وقد بلغ الأمر أن بعض القوميين الهندوس اليمينيين احتشدوا خارج السفارة الإسرائيلية في نيودلهي مطالبين بالانضمام إلى القوات الإسرائيلية لمحاربة “العدو المشترك” لكلٍّ من إسرائيل والهند.
وقد عزّزت تلك السردية من التعاون الهندي مع الخبراء الأمنيين الإسرائيليين، فضلاً عن شراء أجهزة وبرامج إسرائيلية متخصصة لمكافحة الإرهاب والأمن؛ لدعم قدرات الحكومة الهندية في التعامل مع المعارضة السياسية، والأقليات. وبينما يقود مودي حزب بهاراتيا جاناتا نحو الانتخابات العامة في عام ٢٠٢٤، فإن دعمه لإسرائيل في حربها في غزة يهدف إلى تعزيز شعبيته بين الناخبين المتشددين كمدافع قوي عن الأغلبية الهندوسية في الهند، وملتزم بمكافحة الإرهاب في الداخل، ودعم الشركاء ذوي التفكير المماثل في الخارج.
3- تعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة: على خلاف عديد من دول الجنوب العالمي، ومجموعة “بريكس”، فإن الهند عملت على تقوية علاقاتها مع الولايات المتحدة، في إطار السعي الأمريكي لاحتواء الصعود الصيني، وإضفاء الطابع المؤسسي على الحوار الأمني الرباعي؛ وهو الأمر الذي عزّز من مكانة الهند في النظام الأمني الذي تشكله واشنطن في منطقة الإندوباسيفيك، وكذلك من مكانتها في الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة النفوذ الصيني عالمياً وفي منطقة الشرق الأوسط.
وبعد تذبذب الموقف الهندي بشأن الحرب الروسية-الأوكرانية، فقد تكون الحكومة الهندية هدفت من الإدانة الواضحة لحركة حماس في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر الماضي، إلى توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة بشأن استعدادها لدعم حليف استراتيجي لواشنطن في المنطقة، وتقليص حدة التوتر الذي ينتاب العلاقات الهندية-الأمريكية لتبني حكومة مودي بعض السياسات التي لا تتوافق مع رؤى الإدارة الأمريكية، مثل الموقف من الحرب الروسية-الأوكرانية.
4- علاقات غير مستقرة مع إيران: بينما وسعت الهند من نطاق التعاون الثنائي مع الدول التي تربطها علاقات استراتيجية بإسرائيل، فإن علاقاتها في المقابل مع القوى الداعمة لحركة حماس غير مستقرة. فعلى سبيل المثال، خفّضت نيودلهي مستوى علاقاتها التجارية مع إيران، انصياعاً للعقوبات الأمريكية على طهران بسبب برنامجها النووي. كما تبدو مترددة في إتمام مشروع تطوير ميناء تشابهار الذي يمكن أن يساعدها في الوصول إلى أسواق آسيا الوسطى دون العبور من الأراضي الباكستانية.
حسابات متداخلة
كانت العلاقات الهندية-الإسرائيلية تاريخياً بعيدة كل البعد عن التقارب، وكانت مؤسسة السياسة الخارجية الهندية تتعاطف مع القضايا العربية، نتيجة المشاعر المشتركة المناهضة للاستعمار. وكانت القيادة السياسية في نيودلهي أيضاً حساسة تجاه أكبر أقلية دينية في الهند (المسلمين). ولكن منذ وصول مودي إلى السلطة في عام ٢٠١٤، أصبحت نيودلهي أقل دعماً للقضية الفلسطينية بشكل كبير، حتى مع بقائها ملتزمة بها علناً.
فعلى سبيل المثال، امتنعت الهند في عامي 2015 و2016، عن التصويت على قرارات بالأمم المتحدة كان من شأنها إحالة إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة “الجرف الصامد”، التي بدأت في ٨ يوليو ٢٠١٤.
ويُعزَى دعم الهند لإسرائيل -إلى حد كبير- لاعتبارات السياسة الواقعية التي تتبناها الحكومة الهندية في الوقت الراهن، بجانب التوافق بين مودي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث ترتبط نيودلهي بعلاقات متشعبة مع تل أبيب ترى أنها تعزز من نفوذها وحضورها في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن أن نيودلهي ليس لديها أي تعاطف مع حركة حماس أو مؤيديها.
ولكن بعد فترة من إعلان نيودلهي صراحةً دعمها للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، فإنها بدأت تتبنى موقفاً متوازناً بعض الشيء للحفاظ على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، مع تزايد الغضب الرسمي والشعبي العربي من استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، حيث أكدت دعمها لحل الدولتين، وتعهدت بتقديم المساعدات الإنسانية لغزة؛ وذلك خوفاً من تحول العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى حرب إقليمية تهدد استثمارات الهند مع إسرائيل وشركائها في المنطقة، والأخطر من ذلك إعادة تنشيط التهديد الإرهابي في الداخل الهندي مع قرب الانتخابات العامة خلال العام المقبل.