تعزيز التقارب:
لماذا تدعم أوكرانيا السياسة المغربية تجاه قضية الصحراء؟

تعزيز التقارب:

لماذا تدعم أوكرانيا السياسة المغربية تجاه قضية الصحراء؟



جاءت زيارة وزير الخارجية الأوكراني ديميترو كوليبا إلى المغرب، في 22 مايو الجاري، في سياق العديد من التحولات التي طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية، لاسيما ما يتعلق بتحسن العلاقات بين سوريا والعديد من الدول العربية، فضلاً عن استمرار الحرب بين روسيا وأكرانيا منذ 24 فبراير 2022 وحتى الآن.

وقد كان لافتاً أن كوليبا حرص خلال الزيارة على تأكيد دعم بلاده للسياسة المغربية إزاء قضية الصحراء، حيث قال أن أوكرانيا “تعتبر الوحدة الترابية مفهوماً مقدساً”، معلناً أن بلاده تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي، وترى فيه “أساساً جاداً من أجل تسوية نزاع الصحراء بشكل ناجح”، وهو ما يُثير تساؤلات عديدة حول أسباب اتجاه أوكرانيا إلى دعم الموقف المغربي من ملف الصحراء.

توقيت لافت

تعد زيارة وزير الخارجية الأوكراني ديميترو كوليبا إلى المغرب الأولى من نوعها، وقد جاءت في إطار الجولة التي قام بها في عدد من الدول الأفريقية. وقد كان لافتاً أن زيارة كوليبا توازت مع تطورات مهمة طرأت على الصعيدين الإقليمي والدولي. فعلى الصعيد الإقليمي، عادت سوريا إلى جامعة الدول العربية، بعد القرار الذي اتخذه مجلس وزراء الخارجية العرب في 7 مايو الجاري، بعد مرور ما يزيد على عِقد من العزلة الدبلوماسية التي فرضتها بعض الدول العربية على دمشق. وفي رؤية كييف، فإن ذلك قد يساعد في تشكيل تحالفات جديدة تشمل المغرب، وربما يساهم في تحسن العلاقات المغربية-السورية، وهو ما ترى أنه يدعم الموقف الروسي، في ظل العلاقات القوية التي تؤسسها روسيا مع سوريا والدعم البارز الذي تقدمه لإنهاء العزلة التي كانت الأخيرة تتعرض لها. وقد انعكست هذه المقاربة الأوكرانية في تحذيرات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته أمام القمة العربية التي عقدت في جدة في 19 مايو الجاري، من استمرار بعض الدول العربية في دعم روسيا في حربها ضد بلاده.

كما جاءت الزيارة، والجولة بشكل عام، بعد إعلان الرئيس زيلينسكي عن خطة للسلام مع روسيا، حيث ترى كييف أن صيغة السلام التي طرحها زيلينسكي والمؤلفة من 10 نقاط، وتنص على انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، يجب أن تكون أساساً لأي تسوية للحرب التي شنتها روسيا. وقد اقترح زيلينسكي في الكلمة التي ألقاها أمام قمة مجموعة السبع، التي عقدت في 20 مايو الجاري، عقد قمة سلام عالمية في يوليو القادم لعرض خطته.

وفي هذا السياق، تسعى أوكرانيا إلى تكثيف جهودها من أجل استقطاب تأييد كثير من دول العالم لموقفها ومبادرتها الجديدة، وخاصة مع ظهور خطط سلام منافسة لإنهاء الحرب في أوكرانيا طرحتها دول أخرى، حيث روجت الصين لخطة أعدتها لتحقيق السلام في أوكرانيا، وأرسلت مبعوثاً كبيراً إلى كييف وموسكو وعواصم أوروبية لمناقشة سبل الوصول إلى تسوية سياسية لهذه الحرب، فيما أكدت جنوب أفريقيا أن كييف وموسكو وافقتا على مناقشة خطة سلام مع زعماء أفارقة.

دوافع عديدة

يمكن تفسير إعلان أوكرانيا عن دعمها لموقف المغرب في ملف الصحراء في هذا التوقيت في ضوء جملة من الدوافع، التي يتمثل أبرزها في:

1- استقطاب دعم المغرب للمبادرة الأوكرانية للسلام: تسعى أوكرانيا في الوقت الحالي إلى الحصول على تأييد عدد كبير من دول العالم لرؤيتها التي تعدّها السبيل الوحيد إلى السلام مع روسيا. وقد أكّد كوليبا أثناء زيارته للمغرب، على أن الأولوية الرئيسية لديه تتمثل في إقناع الدول الأفريقية بتأييد خطة الرئيس زيلينسكي للسلام، وكتب على “انستجرام”: “هناك مفاوضات مهمة مقبلة مع زعماء وشركات في أفريقيا”، وقال إنه يهدف إلى حشد الدعم لاستمرار تدفق الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود دون عوائق، وتأمين فرص جديدة للشركات الأوكرانية.

وفي هذا السياق، أعرب كوليبا عن شكر بلاده للمغرب على موقفها من الحرب، منوهاً بتصويت الرباط لصالح قرارات الأمم المتحدة بشأن الحرب، وأشار إلى تطلع بلاده لاستقطاب الكثير من الطلاب المغاربة للدراسة، مبرزاً أن كييف تعمل من أجل عودة الطلاب المغاربة المنقطعين بسبب الحرب لاستئناف دراستهم في المؤسسات الجامعية الأوكرانية.

2- موازنة التحركات الدولية لروسيا: رغم أن العلاقات بين المغرب وروسيا لم تصل إلى مرحلة متقدمة من التطور، فإن الدولتين لا تخفيان رغبتهما في الحفاظ على المصالح الاقتصادية الثنائية، على نحو بدا جلياً في تجديد اتفاقية التعاون في مجال الصيد البحري. ومن هنا، فإن أوكرانيا تبدي قلقاً إزاء احتمال نجاح روسيا في إقناع المغرب بدعم موقفها في الحرب، وخاصة أن بعض التقارير تشير إلى أن هناك إدراكاً متزايداً في أوروبا وأوكرانيا بأن ثمة خطراً من أن يُنظر إلى هذه الحرب على أنها صراع أوروبي في الأساس، وأن الدول الأخرى ليست بحاجة إلى القلق منه أو إلى إدانته. وفي هذا السياق، تأتي هذه التحركات الأوكرانية لدعم موقف المغرب في ملف الصحراء، خاصةً أن موسكو لم تعلن عن موقف واضح من هذا الملف خشية أن تتأثر علاقاتها بالجزائر.

3- دفع المغرب لتأييد سيادة أوكرانيا على المناطق الشرقية: تشير تقارير عديدة إلى أن المغرب لا تتفق مع موسكو في سياسة ضم المناطق الشرقية لأوكرانيا، ولذلك أكد كوليبا أن أوكرانيا والمغرب “تدركان قيمة السيادة والوحدة الترابية لكلا البلدين”، وأن أوكرانيا تدعم مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحته المغرب لحل النزاع في الصحراء، وجدد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة التأكيد على “الموقف الثابت للمغرب بشأن احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية”، وأن بلاده التزمت -منذ بداية الأزمة في أوكرانيا- بتغليب احترام الشرعية والقانون الدولي، وعدم استعمال القوة لحل النزاعات، وكذا تشجيع الحوار واحترام قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

4- استثمار توتر العلاقات مع سوريا وإيران: ترى كييف أن ثمة قاسماً مشتركاً مع المغرب، فيما يتصل بالعلاقات مع سوريا وإيران، والتي تتسم بالتوتر المستمر، وهو ما تسعى إلى استثماره من أجل توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها على الساحة الدولية، خاصة في ظل الدعم السوري والإيراني لروسيا في الحرب، فضلاً عن الاتهامات التي توجهها المغرب إلى إيران، وحزب الله اللبناني، بدعم جبهة البوليساريو وتزويدها بالطائرات المسيرة.

تحركات مستمرة

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن أوكرانيا سوف تسعى خلال المرحلة القادمة إلى مواصلة تحركاتها وجهودها من أجل استقطاب دعم العديد من الدول لموقفها من الحرب التي تشنها روسيا منذ 24 فبراير 2022، خاصة أنها ترى أن الدبلوماسية وليس الآلة العسكرية سوف تكون هي الخيار الأخير لحسم تلك الحرب والوصول إلى تسوية بين الطرفين.