أزمة مفتعلة:
لماذا تجدد إيران تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز؟

أزمة مفتعلة:

لماذا تجدد إيران تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز؟



رغم أن تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية لا تعبر عن موقف جديد، إلا أنها أثارت في الآونة الأخيرة ردود فعل قوية داخل وخارج إيران، لا سيما وأن توقيت إطلاق التهديدات الجديدة يتوازى مع جمود مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية، وتصاعد حدة التوتر بين إيران وإسرائيل، واستمرار تلميح إيران إلى إمكانية “الثأر” لمقتل قاسم سليماني، وتصاعد تأثير التيار الداعي داخلها إلى وقف المفاوضات وعدم التعويل على رفع العقوبات الأمريكية. ومع أن التهديدات الجديدة صدرت عن مصدر غير رسمي، إلا أنها ليست بعيدة عن دوائر صنع القرار في طهران التي تفضل هذه الصيغة من التحذيرات التي تفرض تداعيات مباشرة على الأرض، وتُعفِي الدولة من تحمل تبعاتها بشكل مباشر.

عاد ممثل المرشد الأعلى للجمهورية في صحيفة “كيهان” (الدنيا) حسين شريعتمداري، في 16 أبريل الجاري، إلى التلويح مجدداً بإغلاق مضيق هرمز، مستهدفاً هذه المرة كوريا الجنوبية، بحجة امتناعها عن تسليم إيران مستحقاتها المالية المجمدة لديها وتبلغ 7 مليارات دولار قيمة واردات سيول من النفط الإيراني. ففي افتتاحية الصحيفة بعنوان “تحریم را از کره جنوبی آغاز کنیم” أي “لنبدأ الحظر على كوريا الجنوبية”، دعا شريعتمداري صراحة إلى إغلاق مضيق هرمز في وجه السفن الكورية الجنوبية للرد على امتناعها عن الإفراج عن المستحقات المالية الإيرانية بحجة العقوبات الأمريكية. ورغم أن وزارة الخارجية في كوريا الجنوبية قامت باستدعاء السفير الإيراني للاحتجاج على افتتاحية “كيهان”، حيث رد الأخير بأنها لا تعبر عن الموقف الرسمي للدولة؛ إلا أن شريعتمداري جدد تهديداته مرة أخرى في حوار مع “رادیو گفت‌وگو”، حيث قال إن “إغلاق المضيق هو حق إيران الطبيعي وردها المنطقي المضاد”.

أسباب عديدة

كان لافتاً أن إيران لم تُبدِ اهتماماً كبيراً بالرد بشكل رسمي على مثل هذه التهديدات، رغم أنها أفسحت المجال أمام تصاعد الجدل في وسائل الإعلام حول منطق إطلاقها وتداعياتها على المصالح الوطنية، حيث وجه مصطفى فروغي في مقال بصحيفة “ستاره صبح” انتقادات لشريعتمداري، متسائلاً: “أليس من الأفضل تسوية مشكلة العقوبات مع الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من منع السفن من المرور”. ويعني ذلك أن النظام يتعمد ترك المجال مفتوحاً أمام مثل هذه التهديدات من أجل ممارسة ضغوط غير مباشرة على القوى الدولية، سواء القوى التي يتفاوض معها في فيينا، أو تلك التي كانت تستورد النفط الإيراني في مرحلة ما قبل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018 وإعادة فرض العقوبات الأمريكية بداية من 7 أغسطس من العام نفسه. ويُمكن تفسير هذا الموقف في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تزايد تأثير الاتجاه الداعي إلى وقف المفاوضات: ما زال الاتجاه الداعي إلى وقف المفاوضات وعدم الوصول إلى صفقة نووية جديدة في فيينا يروج إلى أن هذه الصفقة المحتملة سوف تفرض تداعيات سلبية على إيران، على الصعيدين النووي والاقتصادي، خاصة في حالة ما إذا لم تحصل إيران على ضمانات بعدم الانسحاب الأمريكي مجدداً من الاتفاق، وهي ضمانات أكدت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسها أنها لن تستطيع منحها لإيران. فضلاً عن أنه حتى في حالة الوصول إلى اتفاق نووي جديد، فإن هناك عقوبات ستبقى مفروضة على إيران، وهو ما يقلص من المكاسب التي يمكن أن تعود عليها بموجب هذه الصفقة، ناهيك عن أن إيران سوف تقدم تنازلات لا تبدو هينة أمام كل ذلك. ومن هنا، فإن هذا الاتجاه يرى أن على إيران أن تسعى إلى توسيع نطاق البدائل المتاحة أمامها للحصول على أموالها المجمدة في الخارج، حتى لو اقتضى ذلك التسبب في أزمة دولية عبر محاولة إغلاق المضيق.

2- ممارسة ضغوط على القوى الدولية: ما زالت المفاوضات في فيينا عالقة بسبب الخلافات التي نشبت بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول وضع الحرس الثوري على قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، حيث ترى إيران ضرورة إقدام الإدارة الأمريكية على شطب “الباسداران” من القائمة، باعتبار أن الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب هي من وضعت الأخير عليها في عام 2019 كجزء من سياسة “الضغوط القصوى” التي تبنتها ضدها ولم تنجح في دفعها إلى تغيير سياستها. وقد وجّهت واشنطن إشارات عديدة تفيد بأن ذلك لن يتم على الأرجح إلا في ضوء صفقة أخرى. ومن هنا، فإن إيران يبدو أنها تحاول عبر تلك التهديدات ممارسة ضغوط قوية وتوجيه تحذيرات من أن انهيار المفاوضات في فيينا وعدم الوصول إلى صفقة معناه العودة إلى التصعيد مجدداً في الشرق الأوسط، واستهداف المصالح الدولية، ولا سيما الغربية.

3- رفض مقايضة العقوبات بخفض التصعيد: رفضت إيران المقاربة التي ألمحت إليها الإدارة الأمريكية وتقضي بأن تقوم إيران بخفض التصعيد في المنطقة والتوقف عن محاولات “الثأر” لمقتل قاسم سليماني، مقابل شطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية. ومن دون شك، فإن هذا الموقف يعود إلى أن الحرس الثوري نفسه لن يقبل بمثل تلك الصفقة، فضلاً عن أنه من الصعب على النظام الإيراني الإقدام على خطوة كهذه بعد أن استنزف موارد كثيرة في دعم حلفائه بالمنطقة ومواصلة العمليات الخارجية التي يقوم بها “الباسداران”.

وانطلاقاً من ذلك، فإن الدعوة الأخيرة لإغلاق مضيق هرمز، ورغم أنها تستهدف مصالح كوريا الجنوبية؛ إلا أنها قد تكون متعمدة لتوجيه رسالة إلى القوى الدولية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، تفيد بأن الحرس الثوري لن يتنازل عن الأدوار التي يقوم بها على مستوى منطقة الشرق الأوسط.

4- دفع إسرائيل إلى وقف عملياتها الأمنية: تحولت المياه الإقليمية والدولية إلى ساحة حرب غير مباشرة بين إيران وإسرائيل في الفترة الماضية، على خلفية اتجاه الثانية إلى محاولة عرقلة جهود الأولى لتطوير برنامجها النووي والاقتراب من حدودها عبر سوريا، أو من خلال تقديم مزيد من الدعم للمليشيات الموالية لها، على غرار حزب الله اللبناني. ومن هنا، يبدو أن إيران لم تعد تستبعد أن تمتد تلك المواجهات العسكرية غير المباشرة إلى مياه الخليج العربي، وقد تسعى إلى استخدام هذه التهديدات لدفع القوى الدولية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، إلى ممارسة ضغوط على إسرائيل من أجل التوقف عن تنفيذ العمليات الأمنية التي تستهدف من خلالها المنشآت النووية الإيرانية.

دور متواصل

ختاماً، يُمكن القول إن هذه التهديدات الجديدة ورغم أنها غير رسمية، إلا أنها تشير إلى أن إيران لا تستطيع الانخراط في التزامات دولية صارمة، وأنها سوف تحرص على مواصلة تحركاتها في المنطقة حتى لو تم التوصل إلى اتفاق جديد في فيينا، وذلك لتأكيد أن المفاوضات التي أُجريت في فيينا تركزت حول الاتفاق النووي ولم تمتد إلى الملفات الأخرى التي لا تقل أهمية وخطورة، ولا سيما التدخلات الإقليمية وبرنامج الصواريخ الباليستية.