سياقات محفزة:
لماذا تتنامى عمليات تجارة وتهريب المخدرات عبر المغرب؟

سياقات محفزة:

لماذا تتنامى عمليات تجارة وتهريب المخدرات عبر المغرب؟



أعلنت السلطات الأمنية الإسبانية، في 28 فبراير الجاري، اعتقال شخصين قاما باستخدام طائرة مسيرة “درون” لإدخال المخدرات إلى المغرب من إسبانيا، وهو ما يشير إلى تصاعد عمليات تجارة وتهريب المخدرات عبر المغرب خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي يمكن تفسيره في ضوء مجموعة من العوامل، على رأسها أن المغرب يعد دولة منتجة ومعبراً للمخدرات، وتقنين الحكومة السابقة لسعد الدين العثماني زراعة واستخدام نبتة القنب الهندي بالبلاد وما يحققه ذلك من مكاسب مالية كبيرة، وضعف التنسيق الأمني بين المغرب والجزائر، هذا إلى جانب تمدد شبكات تجارة المخدرات بين المغرب وإسبانيا، هذا بالإضافة إلى تورط مسؤولين سياسيين مغاربة في تجارة المخدرات في ظل اختراق مافيا تهريب المخدرات للنخب السياسية المغربية. وتُرجّح المعطيات الراهنة استمرار هذه الأنشطة على المدى القريب في ظل احتدام الخلافات المغربية مع كل من الجزائر وإسبانيا وما لذلك من تداعيات على التعاون الأمني المشترك بين هذه الدول.

لا يزال المغرب يُصنَّف ضمن الدول الأكثر تعرضاً لخطر المخدرات، إذ يعتبر المصدر الأول للقنب الهندي في العالم. كما أن الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، التابعة للأمم المتحدة، تشير في تقاريرها إلى أن المغرب يواجه تحديات كبيرة في مجال محاربة المخدرات. وتشير تقارير عدة إلى تصاعد عمليات تجارة المخدرات في المنطقة التي تجمع بين شمال المغرب وجنوب إسبانيا، وبين المدينتين سبتة ومليلية (الخاضعتين للسيادة الإسبانية)، وهي مناطق باتت محل جذب لشبكات دولية تنشط في تجارة المخدرات.

مؤشرات دالة

وقد أوقفت السلطات الأمنية الإسبانية، في 28 فبراير الماضي، بمدينة سبتة شخصين لاستخدامهما طائرة مسيرة “درون” لإدخال المخدرات والممنوعات إلى المغرب من إسبانيا، حيث رصدت طائرة بدون طيار مقلعة من منطقة برينسيبي ألفونسو الحدودية، نحو منطقة المحيط الحدودي قبل سقوطها بالقرب من المدرج. ومن الجدير بالذكر أن السلطات الأمنية الإسبانية والمغربية تطارد منذ أشهر عصابات تهريب ممنوعات تعتمد على طائرات “الدرون” في نقل المخدرات بين البلدين، وتتخذ من الجنوب الإسباني منطلقاً لها. وفي هذا الإطار فقد تكررت عمليات ضبط العديد من شحنات المخدرات خلال الفترة الأخيرة، ومن المؤشرات الدالة على ذلك ما يلي:

1- تفكيك منظمات إجرامية: فككت السلطات الأمنية الإسبانية في أواخر شهر يناير الماضي منظمة إجرامية متخصصة في الاتجار بالمخدرات، كما فككت السلطات الإسبانية في 8 يناير الماضي شبكة إجرامية دولية متخصصة في ترويج المخدرات يتزعمها مغاربة وإسبان ومتهمون آخرون من جنسيات مختلفة.

2- مراقبة المسطحات المائية: تمكنت مصلحة المراقبة الجمركية للوكالة الإسبانية للضرائب في أوائل يناير الماضي خلال تدخلها في مياه شرق مضيق جبل طارق من احتجاز قارب مطاطي على متنه حوالي خمسة أطنان من الحشيش، وتوقيف ثلاثة من طاقمه من جنسية مغربية.

3- ضبط شحنات المخدرات المغربية: وفي سبتمبر الماضي، اعترضت السلطات الأمنية الإسبانية بالقرب من مدينة غرناطة حمولة قياسية قدرت بـ26 طناً من القنب الهندي بناء على معلومات من السلطات الأمنية الفرنسية التي كانت تترصد شاحنة متجهة إلى فرنسا قادمة من المغرب.

4- إنتاج القنب المغربي: إذ أكد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات، في يونيو الماضي، أن المغرب يُعتبر أحد أهم منتجي القنب الهندي ومموني العالم بهذا المخدر.

عوامل مفسرة

ويشير الاتجاه الرئيسي في الأدبيات إلى أن ثمة مجموعة من العوامل المسؤولة عن تصاعد عمليات تجارة وتهريب المخدرات عبر المغرب، ومن أهمها:

1- المغرب كمنتج ومعبر للمخدرات: حيث يحتل المغرب المرتبة الأولى كمورد حشيش لأوروبا، وهو أكبر مصدر للمادة على مستوى العالم، إذ يتم إنتاج الحشيش بشكل أساسي في المغرب، ويتم نقله إلى أوروبا عبر موريتانيا، أو عبر استخدام طرق تقليدية من خلال استعمال شبكات مساعدة تتحرك عبر الأطلسي والمتوسط. ويشار إلى أن شمال المغرب، وتحديداً مدينة طنجة، تعرف عالمياً بأنها عاصمة للتهريب والمخدرات وغسيل أموال الجريمة المنظمة، وقد وصفها المرصد الدولي للمخدرات بكونها “كارتيلا” دولياً للمخدرات وأنشطة التبييض.

2- تقنين القنب الهندي بالمغرب: ففي مارس 2021 صدقت الحكومة السابقة برئاسة “سعدالدين العثماني” على مشروع قانون جديد ينظم الاستعمال المشروع لنبتة “القنب الهندي” أو ما يسمى في المغرب (الكيف)، ويهدف ذلك إلى تقنين استخدامه لأغراض طبية، وذلك من خلال تطوير الاستخدامات الطبية والتجميلية والصناعية لتلك النبتة المعروفة باسم “القنب الهندي”. ويضع القانون المصادَق عليه عدداً من الشروط والضوابط لزراعة “القنب الهندي”، وخاصة فيما يتعلق بالتراخيص وعقود الشراء والمؤسسات التي ستقوم بالإشراف على الإنتاج، وجاء هذا التصديق استكمالاً لما بدأته الدولة منذ عام 2010 من جهود زراعية وتجارب عملية بشأن كيفية استخدام “القنب” بطريقة مشروعة، فخلال عام 2010 تم وضع خطة لزراعته في أربع مناطق متباعدة جغرافياً (بني ملال – صفرو – علال التازي – أكادير)، وذلك تحت إشراف “المعهد الوطني للبحث الزراعي” و”مختبر الأبحاث والتحاليل التقنية والعلمية” التابع للدرك الملكي. ولفت إلى أنه تم التأكيد في مقدمة تقرير منجز بهذا الشأن أن هذه التجارب تتم في أفق “قوننة” زراعة “الكيف الصناعي”، في حين خلُصت التجارب إلى أن النبتة تحترم معايير الاتحاد الأوروبي.

3- تحقيق مكاسب مالية كبيرة: حيث إن تجارة القنب المغربي يحقق مكاسب مالية كبيرة للعاملين فيه، وفي هذا الإطار فقد أشارت بعض المصادر المتاحة إلى أن المملكة المغربية تحتل المرتبة الثالثة إفريقياً في سوق “القنب” بمقدار 3.5 مليارات دولار (بعد كلٍّ من نيجيريا بحوالي 15.3 مليار دولار، وإثيوبيا بحوالي 15.3 مليار دولار). وبعد تقنين زراعة واستخدامه في المغرب، فمن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى التوسع في زراعته، وهو ما سوف ينعكس إيجابياً على تنمية المناطق الشمالية بالدولة التي تشهد انتشاراً واسعاً في زراعة هذا النبات داخل البلاد.

4- ضعف التنسيق الأمني بين المغرب والجزائر: حيث تتصاعد عمليات التهريب عبر المناطق الحدودية بين البلدين. وبينما أكد المكتب المركزي للأبحاث القضائية أن الجزائر تشكل استثناء برفضها التعاون مع السلطات المغربية في إطار محاربة الإرهاب، فقد نشر الجيش الجزائري شريطاً وثائقياً على حسابه الرسمي بموقع “يوتيوب” يتهم فيه المملكة المغربية بـ”السعي إلى زعزعة استقرار الجزائر ودول الجوار عبر إغراقها بالمخدرات”. وأشار الشريط الوثائقي الذي يحمل عنوان “الحرب ضد السموم المغربية”، إلى أن الجزائر “تتكبد خسائر بمليارات الدولارات نتيجة حربها ضد تجارة المخدرات التي تعبر من حدودها الغربية”. وربط الشريط التي أعده الجيش الجزائري بين الحشيش المغربي و”تمويل الجماعات الإرهابية المسلحة وغسيل الأموال والتجارة بالأسلحة بالمنطقة”.

5- تنامي دور شبكات تجارة المخدرات: حيث يتم تهريب الحشيش المغربي بالاعتماد على شبكات تتحرك عبر المحيط الأطلسي والبحر المتوسط.فعلى سبيل المثال، كشفت التحقيقات عن دور هذه الشبكة في تهريب الحشيش والماريجوانا من المغرب إلى جنوب إسبانيا قبل تهريب المخدرات إلى فرنسا، حيث يتم نقل المخدرات من المغرب باستخدام مروحيات معدلة. ثم تقوم الشبكة بتهريب المخدرات إلى فرنسا بطريقة “go fast” (باستخدام مركبات تحمل لوحات أرقام مزيفة) أو بإخفاء القنّب في شحنات مشروعة تنقلها شاحنات ثقيلة.

6- اختراق مافيا تهريب المخدرات للمجتمع السياسي المغربي: حيث تشير تقارير أجهزة الأمن والتحقيقات المغربية إلى تورط مسؤولين سياسيين في عمليات التهريب. ففي الأول من مارس الجاري، حكم على ضابط شرطة كان يعمل في حرس الحدود بطنجة بالسجن 10 سنوات، بعد إدانته بالضلوع في نشاط عصابة إجرامية امتهنت الاتجار بـ”الكوكايين”. وفي يناير الماضي، أمرت النيابة العامة في المغرب بإيداع مستشارة المجلس الجماعي بتطوان عن حزب “الاستقلال” السجن، على خلفية تورطها في قضية حيازة المخدرات وتسهيل إدخالها إلى سجين قيد الاستشفاء.

وقد سبق أن حكمت غرفة الجنايات بالمحكمة الابتدائية بالرباط، والمختصة بجرائم الأموال، على مسؤول أمني يعمل في جهاز الاستخبارات الداخلية المغربية، بالسجن عشر سنوات وغرامة 800 مليون سنتيم لإدارة الجمارك، بعد متابعته ضمن شبكة للاتجار في المخدرات لها علاقة بشحنة كوكايين حجزتها مصالح الأمن سابقاً بميناء طنجة المتوسط. بينما تمكنت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية المغربية من توقيف أربعة أشخاص، من بينهم ضابط شرطة يعمل بالمديرية الجهوية لمراقبة التراب الوطني بمدينة طنجة، ومع توالي التحقيقات ارتفع عدد الموقوفين ليصل إلى 11 شخصاً من بينهم شقيق المسؤول الأمني المدان.

اتجاه متصاعد

وجملة القول، يبدو أن مافيا تجارة المخدرات الممتدة عبر حدود الجزائر وإسبانيا تستثمر في المناخ والبيئة الأمنية المتوترة على طول حدود المناطق المتنازع عليها بين المغرب وإسبانيا. كما أن تغلغل واختراق شبكات تجارة المخدرات للمجتمع السياسي المغربي، ساعد على انتشار هذه التجارة محلياً وتهريبها عبر الحدود. كما أن المغرب، فضلاً عن كونه من أهم المنتجين للحشيش، فهو يعد منطقة عبور للمخدرات القادمة من أمريكا اللاتينية عبر منطقة الساحل مروراً بالمغرب إلى أوروبا. ومن ثم يُتوقع أن تستمر عمليات تهريب المخدرات بين المغرب وإسبانيا خلال المستقبل المنظور، وخاصة في ظل توتر العلاقات وضعف التعاون والتنسيق الأمني بين المغرب ودول جوارها، لا سيما إسبانيا والجزائر.