جلسة استماع:
لماذا تتعثّر محاولات التكامل الاقتصادي العربي؟

جلسة استماع:

لماذا تتعثّر محاولات التكامل الاقتصادي العربي؟



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 9 نوفمبر 2022، جلسة استماع بعنوان “لماذا تتعثر محاولات التكامل الاقتصادي العربي؟”، واستضاف المركز السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق والأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ حسين معلوم، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ كرم سعيد، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ محمد الفقي، والأستاذة ميرفت زكريا، والأستاذ هيثم عمران.

حجم التأثير

تجددت دعوات التكامل الاقتصادي العربي في اجتماعات القمة العربية الـ31 في الجزائر على مستوى القادة (1 و2 نوفمبر 2022)، وهو ما أثار التساؤلات حول التحديات التي تواجه تلك الدعوات. وفي البداية، يُشير “بيومي” إلى أنه من الخطأ الظن بأن العالم العربي قوة عظمى؛ إذ إن إجمالي الناتج القومي للدول العربية أقل من الناتج القومي لبريطانيا، على سبيل المثال. ويُقر بأن نسبة مساهمة الدول العربية في الاقتصاد تبلغ 4% فقط، وتساهم بنسبة 5% أو 6% من إجمالي التجارة الدولية، وتبلغ نسبة التجارة البينية العربية نحو 12% أو 13% من إجمالي حجم تجارة الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية.

تحديات رئيسية

يرى “بيومي” أن ثمّة تحديات رئيسية، بعضها تاريخي وأخرى تتصل بالواقع الحالي، أمام زيادة حجم التجارة البينية بين الدول العربية، في سياق الحديث عن التكامل الاقتصادي العربي، وأبرزها:

1- محدودية موازنة الجامعة العربية: أحد أبرز التحديات التي واجهت التكامل الاقتصادي، هو محدودية ميزانية جامعة الدول العربية، التي تبلغ نحو 35 مليون دولار سنوياً، وبالتالي فإن حجم الإنفاق على مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، كإحدى المؤسسات المعنية بالتكامل الاقتصادي، سيكون ضعيفاً مقارنة بالتمويلات المخصصة لتكتلات أخرى مثل الاتحاد الأوروبي.

2- تأثيرات المواقف السياسية: بالحديث عن مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، فإن تباين المواقف والرؤى بين الدول العربية كان مؤثراً في عدم المضيّ في تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي، فعند تأسيس هذا المجلس وخلال فترة الستينيات من القرن المنصرم، لم ينضمّ له دول خليجية باستثناء الكويت والإمارات انسحبتا لاحقاً، كما لم تنضم دول المغرب العربي، ولا يشارك في هذا الصندوق سوى 7 دول فقط، كما أن هذا المجلس واجه تحديات خاصة تتعلق بعدم دفع الدول الأعضاء حصتها التمويلية للمجلس.

3- غموض السياسات الاقتصادية لبعض الدول: سادت بعض حالات التخبط في بعض الدول العربية بشأن تحديد سياساتها الاقتصادية الداخلية، وهي مقوم أساسي للنهضة الاقتصادية، قبل التطرق إلى التكامل الاقتصادي؛ إذ ثمة تضارب بين الاعتماد على اقتصاد الدولة أو اقتصاد السوق، فعلى الدول العربية أن تضع أولوياتها الاقتصادية الداخلية أولاً.

4- تراجع النشاط الإنتاجي في الدول العربية: هناك عائق أمام زيادة حجم التجارة البينية العربية، يتعلق بأن 70% مما يستورده العالم العربي لا يتم إنتاجه في الدول العربية، وهنا الحديث الأساسي يتعلق بثلاثة مجالات رئيسية: صناعة الآلات اللازمة للصناعات، وصناعة المواصلات والاتصالات، وإنتاج الغذاء؛ إذ إن الفجوة الغذائية في العالم العربي تبلغ 40 مليار دولار. كما أن الدول العربية التي تُقدم على الإنتاج في قطاعات معينة، لا تنتج ما يكفي للأسواق الخارجية، إذ إن المنتج قليل للغاية مقارنة بحجم الطلب.

5- تأثيرات البيروقراطية على التعاون: تُعاني بعض الدول العربية من البيروقراطية، والتي تؤثر سلباً على مستقبل التكامل الاقتصادي وزيادة حجم التجارة البينية، ورغم أن ثمة تقدماً في حرية التجارة في السلع، وحرية التجارة في الخدمات، وحرية انتقال رأس المال، التي ساهمت في دفع السوق العربي المشترك؛ إلا أنه تظل هناك عوائق أمام حرية انتقال الأفراد بين الدول العربية، على سبيل المثال.

6- أزمات عربية مستدامة: يعاني عددٌ من الدول العربية خلال السنوات القليلة الماضية من أزمات مستدامة، مثل العراق ولبنان وليبيا واليمن وسوريا، في ظل حروب واضطرابات، وتدخلات أجنبية وإقليمية في شؤون تلك الدول، وبالتالي فإن هذه الدول ليست قادرة على المساهمة في تحقيق التكامل الاقتصادي، خاصة أن حل الأزمات في تلك الدول يخضع لتوجهات وآراء الأطراف الدولية والإقليمية المتداخلة معها.

كيف يمكن؟

ويُقدم “بيومي” بعض التوصيات التي يمكن خلالها تعزيز التكامل الاقتصادي خلال الفترة المقبلة، وأبرزها:

1- تعزيز التكتلات العربية الناشئة: يمكن النظر إلى التكتلات العربية الناشئة مثل ما يصطلح عليه “الشام الجديد”، على أنه نواة لتعاون عربي أوسع مستقبلاَ، من خلال تعزيز التعاون بين تلك الدول وبعضها بعضاً، ولكن شريطة وجود إرادة سياسية للمضي في تفعيل هذه التكتلات، وهو ما حدث سابقاً فيما يُعرف بمجموعة “أغادير” للتعاون الاقتصادي بين الدول العربية المطلة على البحر المتوسط، من مصر وسوريا ولبنان ودول بشمال أفريقيا، مع الإشارة إلى أنّ مثل هذه التكتلات كانت حاضرة في أوروبا قبل تشكيل الاتحاد الأوروبي.

2- تفعيل السوق العربية المشتركة: بموازاة التعاون الثنائي بين الدول العربية وبعضها بعضاً، والتكتلات العربية في إطار اتفاقيات جماعية بين بعض الدول؛ إلا أنه لا بد من استمرار العمل على تعزيز التعاون العربي على مستوى كل الدول العربية. على سبيل المثال، فإن اتفاقية السوق العربية المشتركة لم تُفعل، وهو أمر يحتاج إلى جهود من الدول العربية لتحقيق التكامل الاقتصادي المنشود، ولكن بشرطين: توافر الإرادة من قبل الدول الأعضاء، وامتلاك القدرة الاقتصادية.

3- زيادة وتنويع الاستثمارات بالدول العربية: يرتبط بضعف إنتاج الدول العربيةلبعض السلع تراجع الاستثمارات العربية في الدول العربية الأخرى، إذ إن الاستثمارات العربية تتجه أكثر إلى دول أجنبية، وبالتالي لن يكون هناك تبادل تجاري عربي كبير، وهناك سلع عربية ذات جودة عالية في الخارج، وتحديداً الاتحاد الأوروبي، باعتباره أحد أكبر الشركاء التجاريين لبعض الدول العربية، ولكن الإنتاج متواضع، وبالتالي لا بد من تغطية المنتج العربي الشديد الطلب عليه، إضافة إلى ذلك لا بد من تنويع الاستثمارات في المجالات المختلفة، مثل المواصلات والاتصالات وصناعة الآلات، فضلاً عن سد الفجوة الغذائية، فهناك دول تمتلك أراضي خصبة ولكن غير مزروعة مثل السودان.

4- إصلاح هيكلي لاقتصاديات بعض الدول: لتحقيق تكامل اقتصادي بين الدول العربية، لا بد من إصلاح اقتصاديات بعض الدول العربية، في ظل ما تعانيه من أزمات، وهي في مجملها ليست أزمات غير قابلة للإصلاح، ولكنها تحتاج إلى قرار سياسي شجاع في كل دولة على حدة، خاصة أن هناك 5 دول عربية من الدول الأكثر فقراً والتي تم إعفاؤها من الجمارك في سياق اتفاق منطقة تجارية حرة عربية.

5- معالجة التحديات الأمنية: في ضوء ما تتعرض له بعض الدول العربية واستدامة الأزمات، فهناك حاجة إلى تدخلات عربية لحلها؛ إذ لا حديث عن تكامل اقتصادي أو زيادة حجم التبادل التجاري في ظل استدامة تلك الأزمات، خاصةأن التحديات الأمنية المترتبة عليها تمثل عائقاً رئيسياً، ويرتبط بالتحديات الأمنية ضرورة التوافق على صيغة بين وزراء الداخلية العرب لضمان حرية انتقال الأفراد بين الدول، باعتبارها إحدى الركائز الرئيسية في تحقيق السوق العربية المشتركة.

رفض “المؤامرات”

وأخيراً، يُقلل مساعد وزير الخارجية الأسبق من طرح البعض أن معوقات التكامل الاقتصادي، وزيادة التجارة البينية العربية، تتعلق بـ”مؤامرات” من خارج الإطار العربي؛ إذ إن الشرق الأوسط لا يُطرح على مائدة “G7” إلا في نطاقات محدودة، فإجمالي نسبة التأثير العربي في التجارة العالمية والاقتصاد محدودة مقارنة بدول بعينها، وليس تكتلات اقتصادية كاملة. كما يشير إلى أن الانفتاح العربي على تكتلات اقتصادية إقليمية ودولية مع أطراف غير عربية أمر جيد، ولكن يبقى أن التأثير محدود في ضوء قلة الإنتاج للدول العربية.