الأصوليون الجدد:
لماذا تتزايد الدعوات لإقالة حكومة رئيسي؟

الأصوليون الجدد:

لماذا تتزايد الدعوات لإقالة حكومة رئيسي؟



يُمكن تفسير تجديد الدعوات لإقالة حكومة إبراهيم رئيسي وتصاعد حدة الخلافات بين الحكومة ومجلس الشورى في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في عام 2024، واتساع نطاق التباينات بين الأجنحة الأصولية الداعمة لإبراهيم رئيسي ومحمد باقر قاليباف، وتحميل الحكومة مسؤولية تفاقم أزمة الاحتجاجات الأخيرة.

رغم تراجع حدة الأزمة الداخلية التي فرضتها الاحتجاجات التي اندلعت في منتصف سبتمبر الماضي واستمرت لأكثر من خمسة أشهر، بالتوازي مع إبرام اتفاق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية برعاية صينية والذي تسعى الحكومة لاستغلاله اقتصادياً، إلا أن ذلك لم يَحُلْ دون شن حملة جديدة ضد حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، على خلفية استدعاء وزير الصناعة والتعدين والتجارة رضا فاطمي أمين لاستجوابه في مجلس الشورى الإسلامي في 16 أبريل الجاري، بناءً على طلب وقع عليه 40 نائباً في البرلمان، ويتوقع أن يخضع الوزير للاستجواب في غضون عشرة أيام.

دوافع عديدة

يمكن تفسير تجدد الحملة التي تطالب حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي بالاستقالة في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:

1- اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية: يقترب تدريجياً موعد انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) التي سوف تجرى في فبراير من العام القادم، وهو ما دفع بعض الأجنحة الرئيسية داخل تيار المحافظين الأصوليين، لا سيما الجناح الموالي لرئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف الذي يطلق عليه حالياً “نو اصولگرايان” (الأصوليون الجدد)، إلى تصعيد حدة انتقاداته للحكومة من أجل تعزيز قاعدته الشعبية قبل الانتخابات وتوجيه رسالة مباشرة إلى الناخبين بأن نواب البرلمان الذين ينتمون إليه غير راضين عن الأداء الاقتصادي للحكومة التي لم تنجح في احتواء الأزمة الاقتصادية التي تتفاقم تدريجياً على نحو يبدو جلياً في انهيار سعر العملة الوطنية حيث تجاوز الدولار حاجز 50 ألف تومان.

2- محاولة إقصاء جبهة “پايداري”: تُعد جبهة “پايداري” (الصمود) هي الجناح السياسي الداعم للرئيس إبراهيم رئيسي داخل البرلمان، وكان قد سبق أن شن حملة قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أُجريت في يونيو 2021 من أجل تعزيز فرص رئيسي في الوصول إلى منصبه الجديد، كما شنت حملة أخرى لمنع محمد باقر قاليباف من الوصول إلى منصب رئيس البرلمان، إلا أنها فشلت في ذلك بسبب حرص القيادة العليا في النظام، ممثلة في المرشد الأعلى علي خامنئي، على فرض توازن قوى بين أجنحة تيار المحافظين الأصوليين.

ويحاول جناح “الأصوليون الجدد” المؤيد لقاليباف حالياً الترويج لأن جناح “پايداري” هو المسؤول عن الاختيارات الوزارية في التشكيلة التي ترأسها إبراهيم رئيسي، والتي لم تنجح في تنفيذ البرنامج الاقتصادي الذي تبنته الحكومة، على نحو أدى إلى استقالة وزيرين هما وزير العمل والشؤون الاجتماعية ووزير النقل، مع استدعاء وزراء آخرين للاستجواب كان آخرهم وزير الصناعة رضا فاطمي أمين.

ومن دون شك فإن هذه الحملة لا تنفصل عن محاولات الأجنحة المختلفة داخل تيار المحافظين الأصوليين السيطرة على الدورة القادمة للبرلمان، بشكل سوف يعزز من قدرتهم أولاً على اختيار هيئة رئاسة المجلس في دورته الجديدة، وربما يكون لهم دور أيضاً في انتخابات رئاسة الجمهورية القادمة التي سوف تجرى في عام 2025.

3- انتقاد سياسة مراقبة الحجاب: رغم أن المؤسسات الرئيسية في النظام أجمعت على أن الاحتجاجات التي اندلعت منذ منتصف سبتمبر الماضي بسبب الاعتراض على وفاة الفتاة الكردية العشرينية مهسا أميني، كانت احتجاجات مدبرة ومخططة من قبل جهات خارجية لتقويض دعائم النظام الإيراني، ورغم أنها أجمعت على ضرورة الالتزام بارتداء الحجاب، إلا أن ذلك لا ينفي أنها وجهت انتقادات قوية للإجراءات التي اتخذتها الحكومة فيما يتعلق بمراقبة الالتزام بارتداء الحجاب. وبمعنى آخر، فإن هذه المؤسسات اعتبرت أنه كان يمكن تفادي الأزمة الأخيرة التي فرضتها الاحتجاجات لو تعاملت الحكومة عبر آليات أخرى في مراقبة الالتزام بارتداء الحجاب، على غرار الآليات التي تم البدء في اتباعها خلال الفترة الماضية، مثل إرسال رسائل نصية تحمل تحذيرات للنساء اللائي لا يلتزمن بقواعد ارتداء الحجاب بإمكانية التعرض لإجراءات عقابية في حالة الاستمرار في ذلك.

ويعني ذلك أن النظام اتجه في النهاية إلى تحميل الحكومة المسؤولية عن اندلاع الأزمة ومنح الفرصة للجهات الخارجية، التي يروج إلى أنها قادت الاحتجاجات وسعت لاستغلالها من أجل تقويض دعائم ونشر الفوضى في إيران، من أجل اختراق الحدود الإيرانية وتقديم الدعم للمحتجين، على نحو كان له دور، وفقاً لتلك الرؤية، في استمرار الاحتجاجات لأكثر من خمسة أشهر، رغم كل الإجراءات التي اتخذتها السلطات من أجل احتوائها.

4- محاولة منع رئيسي من تجديد فترته الرئاسية: قد لا تنفصل تلك الانتقادات عن محاولات تبذلها أجنحة داخل تيار المحافظين الأصوليين من أجل منع الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي من تجديد ولايته الرئاسية في الانتخابات التي سوف تجرى في عام 2025، على نحو سوف يؤدي إلى كسر القاعدة الانتخابية التي اعتادت عليها إيران منذ تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية في عام 1979 والتي تقوم على أن يتولى رئيس الجمهورية منصبه لفترتين متتاليتين.

وبالطبع، فإن ذلك يعود -في قسم منه- إلى الرؤية المتشددة التي تتبناها بعض تلك الأجنحة، ولا سيما جناح “الأصوليين الجدد”، والتي تقوم على أن الجناح المؤيد للرئيس “الصمود” نجح في تكريس سيطرته على البرلمان وفرض أسماء بعينها على التشكيلة الحكومية، ويحاول تكرار التجربة في الانتخابات البرلمانية والتشريعية القادمة التي سوف تجرى في عامي 2024 و2025 على التوالي.

وربما يكون ذلك محاولة من جانب “الأصوليين الجدد” من أجل إعادة “تعويم” رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف لتمكينه من الوصول إلى منصب رئيس الجمهورية، وهو المنصب الذي سعى للوصول إليه أكثر من مرة إلا أنه أخفق في ذلك لاعتبارات مختلفة، منها الضغوط التي تعرض لها في الانتخابات الأخيرة من أجل إفساح المجال أمام تعزيز فرص إبراهيم رئيسي لتولي المنصب.

اختبار بكين

رغم أن الصراع الداخلي الحالي في إيران يتركز حول بعض القضايا الداخلية؛ إلا أن بعض الملفات الخارجية لم تُستثنَ من ذلك أيضاً، خاصة فيما يتعلق بالتركيز على “سياسة التوجه شرقاً” نحو الصين وروسيا ومدى خطورة ذلك على مصالح إيران. إذ ينتقد الجناح المناوئ للحكومة في البرلمان هذه السياسة وأنها سوف تفرض خللاً خارجياً في غير صالح إيران باعتبار أنها ستمنح الفرصة للصين وروسيا من أجل ممارسة ضغوط قوية على إيران في حالة ظهور تباينات في بعض الملفات. وهنا تحديداً يمكن الإشارة إلى اتفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، الذي وُقِّع برعاية الصين في 10 مارس الماضي، والذي لا يبدو أنه حظي بدعم كامل داخل إيران، وربما يتحول إلى محور لسباق انتخابي داخل إيران بين الجناح الداعم للحكومة الذي يروج للمكاسب التي يمكن أن يحققها هذا الاتفاق، وبين الجناح المناوئ لها الذي يرى أن هذا الاتفاق قد يفرض على إيران تقديم تنازلات جوهرية في بعض المراحل، لا سيما أنه حول الصين إلى “قاضٍ” لديه سلطة توقيع جزاءات على الطرف غير الملتزم بهذا الاتفاق، على نحو سوف يؤدي إلى تقليص حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمام إيران للتعامل مع تلك الضغوط أو مع التطورات التي يمكن أن تشهدها بعض الملفات الإقليمية التي تحظى باهتمام مشترك من جانب السعودية وإيران وخاصة الملف اليمني، وهو ما يوحي في النهاية بإمكانية ظهور مشكلات داخلية إيرانية في مواجهة مواصلة تنفيذ الاتفاق مع السعودية خلال المرحلة القادمة.