تداعيات مباشرة:
لماذا تتردد الدول الأوروبية في فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي؟

تداعيات مباشرة:

لماذا تتردد الدول الأوروبية في فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي؟



رغم أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلن، في 8 مارس الجاري، عن فرض حظر على واردات الطاقة الروسية، بسبب استمرار العمليات العسكرية التي تشنها روسيا في أوكرانيا، والتي بدأت في ٢٤ فبراير الفائت، بهدف تعزيز الضغوط على النظام المالي والاقتصاد الروسي؛ إلا أن ذلك لا يعبر –حتى الآن- عن توجه جماعي غربي لفرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، الذي شكل حوالي ٣٦٪ من الميزانية الوطنية الروسية خلال العام الماضي، لا سيما في ظل تردد العديد من قيادات الدول الأوروبية الحليفة لواشنطن في اتخاذ الخطوة نفسها بسبب تأثيراتها على أمن الطاقة الأوروبي. ومع ذلك، فإن الدول الغربية بشكل عام بدأت في البحث عن بدائل لتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية خلال المرحلة القادمة. ولا ينفصل القرار الأمريكي، من دون شك، عن الضغوط التي مارسها بعض المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين، وأدت في النهاية إلى طرح قانون لحظر استيراد النفط ومنتجات الطاقة الروسية الأخرى إلى الولايات المتحدة، وفرض عقوبات منفردة على قطاع الطاقة الروسي.

أسباب عديدة

يمكن تفسير أسباب تردد الدول الأوروبية- حتى الآن- في فرض عقوبات على النفط والغاز الروسيين، في ضوء جملة من الأسباب التي يتمثل أبرزها فيما يلي:

١- استمرار ارتفاع أسعار النفط: يقدر “بنك أوف أمريكا” أنه في حال فرضت عقوبات على النفط الروسي فإنه سيكون هناك عجز يقدر بحوالي ٥ ملايين برميل يومياً في أسواق الطاقة العالمية، ويرجح أن ترتفع أسعار النفط إلى ٢٠٠ دولار للبرميل. بينما توقع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، في ٧ مارس الجاري، أن أسعار النفط قد ترتفع إلى ٣٠٠ دولار للبرميل إذا حظرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون واردات الخام من روسيا، وهو الأمر الذي سيؤدي، وفقاً لرؤيته، إلى عواقب كارثية على السوق العالمية.

٢- غياب الخيارات أمام الدول الأوروبية: رغم إدراك كبار القادة الأوروبيين لضرورة تقليل اعتماد القارة على الطاقة الروسية، فإنهم يشددون على أن الحظر الفوري لها لن يكون ممكناً. فقد ذكر المستشار الألماني أولاف شولتز، في ٧ مارس الجاري، أن الدول الأوروبية لا تستطيع الاستغناء عن واردات الطاقة الروسية في الوقت الحالي، لكونها أساسية لحياة الأوروبيين اليومية، وأشار إلى أنه لا يمكن ضمان إمدادات الطاقة في أوروبا بأي طريقة أخرى في الوقت الراهن، حيث تعتمد على موسكو في الحصول على ٤٠٪ من احتياجاتها من الغاز. وسيؤدي حظر واردات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا إلى ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا، والتي وصلت إلى مستوى تاريخي، في ٧ مارس الجاري، عند ٣٣٠٠ دولار لكل ألف متر مكعب.

وفي ظل غياب الخيارات أمام العديد من الدول الأوروبية على المدى القصير فإنها ستدفع الكثير مقابل توقف واردات النفط والغاز الروسيين، ولا سيما مع تزايد خطورة بدائل الغاز والنفط الروسي (الفحم والطاقة النووية) على البيئة والمناخ.

٣- تراجع مستوى معيشة المواطنين: سوف يفرض حظر الطاقة الروسية تداعيات مباشرة على المواطنين في الدول الأوروبية، حيث إنهم سيدفعون ثمن ذلك مع تجاوز أسعار النفط حاجز ١٠٠ دولار لأول مرة منذ عام ٢٠١٤، على نحو سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، ولا سيما تدفئة المنازل، والكهرباء، وزيادة تكلفة الطيران، وزيادة تكاليف النقل والمدخلات للشركات. ومن المرجح أن تمرر الشركات بعض تلك التكاليف المرتفعة للمستهلكين في شكل طفرات في الأسعار. وقد كان لافتاً أن الرئيس الأمريكي جو بايدن اعترف، خلال إعلانه قرار حظر صادرات الطاقة الروسية، بأن هذا القرار سوف يؤثر على المواطن الأمريكي في الداخل بسبب ارتفاع الأسعار، وهو ما سوف يتكرر في حالة ما إذا تبنت الدول الأوروبية قراراً مماثلاً وإن كان بشكل أكبر.

٤- فرض عقوبات غير مباشرة: يبدو أن الدول الأوروبية استعاضت عن ذلك، على الأقل حتى الآن، بفرض عقوبات غير مباشرة على قطاع الطاقة الروسي، حيث يحظر الاتحاد الأوروبي تصدير الشركات الأوروبية التكنولوجيا التي تحتاجها موسكو لتحديث مصافيها، فيما تقيد وزارة الخزانة الأمريكية قدرة شركة غازبروم الروسية على جمع الأموال من الأسواق المالية. لكن تلك العقوبات في حقيقة الأمر ليست فاعلة في التأثير بشكل كبير على روسيا.

ومع ذلك، فقد دفعت العقوبات المتعددة التي فرضت على النظام المالي والاقتصادي الروسي، والتهديد الغربي بمزيد من العقوبات على المتعاملين مالياً واقتصادياً مع موسكو، المشترين الدوليين للنفط والغاز الروسي للتوقف عن عمليات الشراء خوفاً من الخضوع للعقوبات الغربية المفروضة على روسيا وكافة المتعاملين معها.

البحث عن بدائل

في ضوء ذلك، يمكن القول إن الولايات المتحدة والدول الغربية سوف تربط بين فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي وتأمين بدائل لتعوض أي نقص محتمل في إمدادات الطاقة. وهناك تحركات أمريكية نشطة لتوفير بدائل للنفط الروسي والحد من تداعيات توقفه، ومنها النفط الفنزويلي، ولا سيما مع زيارة وفد أمريكي إلى فنزويلا (الحليفة لروسيا)، وهي الأولى من نوعها منذ سنوات بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وتدرس الإدارة الأمريكية تخفيف العقوبات المفروضة على فنزويلا حتى تتمكن من إنتاج المزيد من النفط وبيعه في السوق الدولية. ويطرح النفط الإيراني كبديل في حال التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني في مفاوضات فيينا التي تجري في الوقت الحالي. كما يعد النفط الكندي بديلاً متوقعاً لأي نقص يواجه الولايات المتحدة.

وفي الوقت ذاته، تكثف الدول الأوروبية جهودها لإيجاد بدائل لصادرات الغاز الروسية إلى أوروبا. فقد قام وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو بزيارة للدوحة مع الرئيس التنفيذي لشركة إيني كلاوديو ديسكالزي، في 7 مارس الحالي، لمناقشة التعاون في قطاع الطاقة في ضوء الأزمة الأوكرانية، وذلك في أعقاب زيارتهما للجزائر، في 28 فبراير الفائت، والتي تعد عاشر أكبر منتج للغاز في العالم، وتأتي في المرتبة الرابعة بين مصدري الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، لإقناعها بزيادة إمداداتها. وتُطرح بعض الدول الإفريقية كبديل للغاز الروسي، حيث تمتلك احتياطات كبيرة، لكن قدرات إنتاجها في كثير من الأحيان محدودة. كما أشار الرئيس بايدن إلى ضرورة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة. ومن دون شك، فإن تطوير بدائل أمريكية وأوروبية للطاقة الروسية لن يحدث بين ليلة وضحاها، على نحو سوف يؤثر على قرار الدول الأوروبية بفرض عقوبات قاسية على قطاع الطاقة الروسي خلال الفترة القصيرة القادمة.