تحالفات مناوئة:
لماذا تتخوف اليونان من عودة الهجمات الإرهابية بعد حرب غزة؟ 

تحالفات مناوئة:

لماذا تتخوف اليونان من عودة الهجمات الإرهابية بعد حرب غزة؟ 



أعلنت (جماعة 7 أكتوبر)، في 3 فبراير الجاري، مسؤوليتها عن الهجوم ضد مكتب شركة الشحن الإسرائيلية (ZIM) في اليونان، معللةً ذلك بأن الشركة تستخدم استثماراتها لدعم الجيش الإسرائيلي في حربه على غزة، كما مُنيت البلاد بسلسلة من الهجمات نفذتها جماعات اليسار المتطرف خلال الفترة القليلة الماضية لمعارضتها توجهات الحكومة إزاء الملفات الداخلية والخارجية، مما جعل اليونان في مقدمة دول الاتحاد الأوروبي التي تتأثر بشكل مباشر بتداعيات الحرب المستعرة بين إسرائيل وحركة حماس، ولا سيما في ظل سياقات محفزة تتمثل في البيئة المواتية للصراع المسلح، ونمو استراتيجيات حرب الشوارع من جانب العصابات، والضغط على الحكومة للاهتمام بالملف الاقتصادي، وتهديد المصالح الحكومية والمؤسسات الرسمية، واحتمال التحالف مع الجماعات الإرهابية، والدعاية لتمديد العنف نحو أوروبا، ومخاوف دول الاتحاد الأوروبي من توظيف اتفاق شنجن.

فقد باتت اليونان من أبرز دول الاتحاد الأوروبي التي تختبر انعكاساً حقيقياً لتداعيات حرب غزة، إذ تزداد المخاوف الأمنية إزاء توظيف الحرب كمدخل لمضاعفة الهجمات العنيفة للجماعات اليسارية المتطرفة ومجموعات الأناركية المُعارضة للحكومة على إثر دعم الأخيرة لإسرائيل إبان الصراع الدائر حالياً في الشرق الأوسط، مما يُلقي بظلاله على مستوى الأمن بالدولة وتوجهات ملف العلاقات الخارجية.

هجمات متزايدة

شهدت اليونان سلسلة متتالية من التفجيرات والعمليات العنيفة خلال الفترة القليلة الماضية. ففي 3 فبراير الجاري أعلنت (جماعة 7 أكتوبر) مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدف مكتب شركة الشحن الإسرائيلية (ZIM) والذي وقع في البلاد قبل ثلاثة أسابيع، مشيرةً إلى أن الشركة تستخدم استثماراتها لدعم الجيش الإسرائيلي، مُثنيةً على هجمات جماعة الحوثي ضد شاحنات الشركة المارة عبر مضيق باب المندب.

وفي 3 فبراير الجاري انفجرت قنبلة أمام مبنى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في وسط العاصمة أثينا، مُخلفة خسائر مادية، وقد أعلنت جماعة طبقة الدفاع عن النفس الثورية مسؤوليتها عن الواقعة، مشددة على معارضتها لتوجهات الحكومة سواء داخلياً أو خارجياً، بينما تبنت جماعة الانتقام الجماعي ضد المؤامرة، في 27 يناير الفائت، الهجوم الذي استهدف البنك الوطني اليوناني في بترالونا رداً على تورط البنوك في فساد الحكومة. فيما أعلنت جماعة العدالة البروليتارية المسلحة، في 18 ديسمبر الفائت، مسؤوليتها عن زرع عبوة ناسفة أمام مقر شرطة مكافحة الشغب اليونانية، اعتراضاً على سياسات التعامل العنيف لعناصر جهاز الشرطة.

تداعيات أمنية

تتسم ظروف اليونان بطبيعة خاصة تجعلها أكثر تأثراً بدعوات العنف المرتبطة بمعاداة الحكومة لموقفها تجاه الحرب المشتعلة في الشرق الأوسط، وذلك ضمن التوظيفات السياسية للصراع، وهو ما يُمكن تفسيره عبر النقاط التالية:

1-  البيئة الداخلية المواتية للتصعيد المسلح: أدت الظروف التاريخية التي مرت بها البلاد إلى تشكُل جماعات سياسية متطرفة، سواء يمينية أو يسارية، ويعتقد أغلبها بحتمية الكفاح المسلح ضد الحكومات من أجل التغيير، غير أن بعض جماعات الأناركية المتواجدة باليونان ترى في سلطة الحكومات تقييداً للحرية التي يجب أن يحصل عليها الأفراد، وبالتالي فإن تطور أي اتجاه ينضوي على معارضة السلطة قد يجلب مزيداً من العنف، وبالأخص في هذا الإطار نظراً لكراهية بعض الجماعات لإسرائيل التي تدعمها الحكومة اليونانية الحالية.

ومن ثمّ تتخوف الحكومة من أن تشكل الحرب بما تتضمنه من مشاهد عنف جراء الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة حلقة جديدة في مسلسل الصراع السياسي الممتد بين السلطة الحاكمة والتيارات المتطرفة، عطفاً على الخصوصية التاريخية لنشاط تلك التيارات في البلاد، والتي تعتمد على العنف وحمل السلاح إلى جانب نشر الفوضى كوسيلة لإظهار معارضتها للحكومة.

وفي ضوء ذلك، عقد مجلس الحكومة اليونانية للشؤون الخارجية والدفاع اجتماعاً استثنائياً في ديسمبر الفائت لمناقشة التداعيات الأمنية المحتملة على البلاد جراء الدعم المفتوح الذي تُقدمه الحكومة لإسرائيل منذ اندلاع الحرب عقب عملية “طوفان الأقصى”.

 2- عِداء الجماعات اليسارية واليمينية اليونانية لإسرائيل: إن تاريخ العداء الممتد بين الجماعات اليسارية المسلحة في اليونان وإسرائيل يُسهم في تعزيز المخاوف الأمنية لدى السلطات؛ إذ ارتبط هذا العداء بهجمات متكررة ضد المصالح الإسرائيلية. ففي ديسمبر 2014 تعرضت السفارة الإسرائيلية في أثينا لهجوم مسلح، وفي 2017 هاجم اليساريون السفارة بإلقاء طلاء أحمر على المبنى تعبيراً عن غضبهم من السياسات الدموية العنيفة التي تتبعها إسرائيل ضد فلسطين. 

ومن جانبها تحمل جماعات اليمين المتطرف عداء مماثلاً تجاه تل أبيب، وتعتبرها العدو التاريخي للبلاد، بينما تُحمّل الحكومةُ الإسرائيلية الدعايةَ الفلسطينية مسؤولية تلك الكراهية.

3- الضغط على الحكومة للاهتمام بالملف الاقتصادي: تحاول اليونان التعافي من أزمتها الاقتصادية السابقة، ومن ثم فإن احتمالات عودة تصاعد العنف ستؤثر على استقرارها المالي ومستوى الإنفاق على الملف الأمني مقابل المجالات الأخرى، وذلك إلى جانب تأثير الهجمات المتكررة على قطاع السياحة الذي تعتمد عليه البلاد ضمن مصادر الدخل الأساسية.

4–   نمو استراتيجيات حرب الشوارع في مواجهة الحكومة اليونانية: تُعد معارك العصابات وحرب الشوارع من أبرز المخاوف التي تؤرق الحكومة إزاء الوضع الحالي، نظراً لضلوع الجماعات في هذا الشأن، واستخدامهم مواقع التواصل الاجتماعي لتدريب العناصر الجدد على هذه الاستراتيجيات، فضلاً عن أن مواجهتها عسكرياً عبر قوات نظامية يتسم بالتعقيد.

5- تهديد جماعات اليسار للمصالح الحكومية والمؤسسات الرسمية: إن تصاعد العنف بالبلاد يعني زيادة الهجمات ضد المصالح الحكومية، ويرجع ذلك لتبني جماعات اليسار المتطرف أفكاراً عدائية ضد السلطات الحاكمة، مما يصبغ عملياتهم بالانتقائية ويجعلها مركزة ضد مقرات وهيئات السلطة، وهو ما يظهر في التقليد الشهير الذي تتبعه تلك الجماعات؛ إذ يتصل المتطرفون بجريدةٍ ما للإبلاغ عن مكان المتفجرات التي وضعوها بالقرب من المصالح الحكومية قبل التفجير مباشرة حتى لا يتضرر الأشخاص، مُعلنين أنهم يريدون فقط إرسال رسالة رفض وتحذير للسلطة بشكل رمزي وليس بشكل شخصي. 

6- احتمالات تعاون جماعات اليسار مع العناصر الإرهابية: تتخوف الحكومة من أن تمنح هذه الأجواء فرصة لعناصر الجماعات الإرهابية لاستغلال البلاد كملاذ تحت وطأة بعض الأفكار الفوضوية التي تؤمن بها جماعات اليسار المتطرف، وذلك إلى جانب الضغط الذي تمارسه عبر الهجمات التي تنفذها اعتراضاً على سياسات الدولة ضد المهاجرين. ففي 7 فبراير الجاري، أعلنت جماعة (الفوضويين) مسؤوليتها عن وضع عبوة حارقة أسفل إحدى سيارات البعثة الدبلوماسية اليونانية في العاصمة الألمانية برلين، رداً على سياسات الدولتين ضد المهاجرين، وكذلك الإجراءات التي تتبعها وكالة فرونتكس.

7- الدعاية السياسية المتطرفة لتمديد العنف نحو أوروبا: تستخدم الجماعات السياسية المتطرفة في اليونان منصات التواصل الاجتماعي لتوجيه الجماعات في باقي دول الاتحاد الأوروبي لتنفيذ هجمات مشابهة ضد الحكومات، على اعتبار أنها تتبع نفس السياسات التي تقمع الحريات وتفرض الضرائب الباهظة وتساند السلطات الفاسدة، وفقاً لآرائهم.

   8- مخاوف دول الاتحاد الأوروبي من توظيف اتفاق شنجن: عبرت الحكومة عن مخاوفها إزاء احتمالات استغلال اتفاقية شنجن الخاصة بتخفيف المراقبة بين حدود دول الاتحاد الأوروبي لتمرير عناصر إرهابية إلى البلاد إذا ما ازدادت موجات الهجرة جراء حرب غزة وما نتج عنها من اضطرابات في الشرق الأوسط. ففي الاجتماع الاستثنائي الذي عقده مجلس الحكومة للشؤون الخارجية في ديسمبر الفائت، ناقش المسؤولون فرض المزيد من الإجراءات لحماية حدود البلاد.

تباينات سياسية

تأتي العوامل سالفة الذكر ضمن السياقات المُفسرة للتباينات التي طرأت على موقف الحكومة تجاه إسرائيل منذ اندلاع حرب غزة وحتى الآن، ففي 23 أكتوبر الفائت التقى رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في القدس لتقديم دعمه لتل أبيب عقب عملية “طوفان الأقصى”، مشدداً على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

فيما امتنعت اليونان عن التصويت خلال جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 أكتوبر الفائت والخاصة بالدعوة إلى هدنة إنسانية فورية بين إسرائيل وحركة حماس، ولكن مع تدهور الأوضاع في قطاع غزة جراء العمليات العسكرية العنيفة لتل أبيب وما رافق ذلك من مظاهرات بأثينا تنديداً بالعدوان على الفلسطينيين مع تبلور حركات داخلية تدعو للعنف على إثر هذا التصعيد، تراخى الخطاب السياسي ليشمل ضرورة دعم البعد الإنساني لسكان القطاع، وتبقى هذه التوجهات في إطار التوفيق بين المصالح الخارجية والداخلية للبلاد نظراً لطبيعة الأوضاع بالمجتمع اليوناني، ولكنها في الوقت نفسه لا تُحسب كتحول في التوجهات ولكنها فقط تُراعي أبعاد الأمن القومي والطموحات السياسية للسلطة الحاكمة.