تراجع التوظيف:
لماذا تتجه تركيا نحو ترحيل اللاجئين السوريين؟

تراجع التوظيف:

لماذا تتجه تركيا نحو ترحيل اللاجئين السوريين؟



في سياق الاستعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر لها في منتصف 2023، وقطع الطريق على المعارضة لاستغلال ورقة اللاجئين، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 3 مايو الجاري، أن حكومته تستعد للعمل على مشروع جديد يتيح “العودة الطوعية” لمليون لاجئ سوري من تركيا إلى شمال سوريا، وأضاف أن “المشروع سيكون شاملاً بصورة كبيرة، وسينفذ في 13 منطقة على رأسها أعزاز، وجرابلس، والباب، وتل أبيض، ورأس العين، وأنه سيتم بناء مرافق متنوعة في إطار المشروع مثل المدارس والمستشفيات”. وتزامنت تصريحات أردوغان مع إعلان وزارة الداخلية أنها بصدد إلغاء ما يُعرف باسم “زيارات إجازة العيد إلى سوريا”، وعدم السماح لمن يذهبون إلى سوريا بالعودة إلى تركيا، حيث تقود المعارضة حملة ضد اللاجئين الذين يتمكنون من زيارة الشمال السوري والعودة إلى تركيا بالقول إن “من يستطيع زيارة سوريا في العيد عليه البقاء هناك”.

ومع تزايد التجاذبات السياسية في الداخل التركي حول ملف اللاجئين، يثور التساؤل حول دوافع أنقرة لإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم الأم، وهو التوجه الذي تَوَازى مع تهديد أنقرة بشن عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري من أجل تأمين مزيد من المناطق وإعادة تأهيلها لضمان عودة أعداد أكبر من اللاجئين.

مؤشرات عديدة

يمكن القول إن ثمة مؤشرات عديدة تكشف عن بروز توجه مغاير إزاء الوجود السوري في تركيا، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- اتخاذ إجراءات لدعم عملية الترحيل: أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، في 5 مايو الجاري، أن بلاده تخطط لبناء نحو 250 ألف منزل شمالي سوريا بهدف توفير العودة الطوعية لمليون سوري، وهو ما جاء عقب إغلاق السلطات التركية، في 13 مارس الماضي، مقر “الائتلاف السوري” في العاصمة أنقرة، حيث ترتكز مهمة هذا المكتب بالأساس على تنسيق شئون اللاجئين السوريين على الأراضي التركية. ولم تكن هذه الإجراءات هي الأولى من نوعها، ففي 24 أبريل الفائت، أعلن صويلو أن بلاده استكملت حتى الآن بناء جدار إسمنتي بطول 837 كم على الحدود مع سوريا في محاولة لضبط عمليات العبور واللجوء.

2- ضبط حركة التنقل على الحدود المشتركة: قامت السلطات التركية، في 28 أكتوبر الماضي، بترحيل سبعة لاجئين سوريين بسبب حملة “أكل الموز” على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اتُّهم 7 من اللاجئين الذين اعتقلتهم السلطات، بمشاركة صور أكل موز بطريقة استفزازية، بعد شكوى مواطن تركي من أنه لا يستطيع شراء الموز، “في وقت يعيش اللاجئون السوريون في حالة جيدة” وفقاً له. وبالتوازي مع ذلك، بدأت القوات الأمنية في اعتقال اللاجئين وإعادتهم إلى المحافظات التركية التي تم تسجيلهم فيها، إضافة إلى تبني مشروع “التخفيف المكاني” الذي أعلنته وزارة الداخلية، في 22 فبراير الماضي، ويقضي بمنع الأجانب الحاملين لكل أنواع الإقامات، والسوريين المسجلين في البلاد تحت “الحماية المؤقتة”، من قيد أنفسهم في 16 ولاية تركية، و800 حي في 52 ولاية.

3- تمرد الشريك في الائتلاف الحاكم: في الوقت الذي تسعى المعارضة فيه إلى استغلال ملف اللاجئين لممارسة ضغوط أقوى على الحكومة، اتجه حزب “الحركة القومية” (شريك حزب “العدالة والتنمية” الحاكم) إلى تبني رؤية متشددة تجاه اللاجئين السوريين، على نحو انعكس في تصريحات أطلقها زعيم الحزب دوللت بهتشلي، في 18 أبريل الماضي، قال فيها، إن “كل من هو تحت الحماية المؤقتة في تركيا ويخل بالنظام العام، سيتم ترحيله فوراً إلى خارج تركيا، دون النظر إلى حالته”.

4- تصاعد التوجهات العدائية ضد اللاجئين: شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً في مشاعر العداء ضد اللاجئين السوريين، بعد قيام عدد من السياسيين بحملات تطالب بترحيل اللاجئين، فضلاً عن تنامي التيار المناهض للمهاجرين في الداخل التركي، ليشمل المؤيدين لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم نفسه. ومن دون شك، فإن الأزمة الاقتصادية ساهمت بدورها في تفاقم تلك التوجهات المناوئة للاجئين. فقد شهد حي التنداغ في العاصمة أنقرة أعمال عنف واسعة ضد اللاجئين على خلفية مقتل صبي تركي في أغسطس الماضي. وفي أحدث استطلاع للرأي أجرته شركة “أوبتيمار للاستشارات والإعلان والأبحاث” المحلية في الفترة بين 23 و28 أبريل الفائت، قال 38.2% من العينة “إن اللاجئين يغتصبون حقوقنا”، أما الذين قالوا “إنهم يحدون من فرص العمل الخاصة بالأتراك” فوصلوا إلى 29.2%، في حين بلغت نسبة من قال “التفكير ببقاء اللاجئين على أرضنا يخيفني” 18.8%، مقابل 13.6% قالوا إنهم “خائفون”.

اعتبارات رئيسية

اتجاه تركيا إلى تبني إجراءات مغايرة ضد اللاجئين السوريين يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- التأثير على نتائج الانتخابات: لا ينفصل إعلان الرئيس أردوغان، في 3 مايو الجاري، عن مشروع جديد يتيح العودة الطوعية للاجئين السوريين عن مخاوفه من الاستحقاق الانتخابي المقرر له منتصف 2023، حيث يسعى أردوغان للتخلص من الارتدادات السلبية التي فرضها ملف اللاجئين السوريين. فقد ساهم هذا الملف في تصاعد استياء الأتراك من سياسة حكومة “العدالة والتنمية”، كما وفّر بيئة خصبة لتوظيف ملف اللاجئين لمصلحة الخصوم السياسيين. ويبدو أن الرئيس أردوغان يتخوف من تصويت عقابي بسبب قضية اللاجئين السوريين، وهو ما قد يُقلل من فرص فوزه وتحقيق حزبه “العدالة والتنمية” نتائج بارزة، حيث تشير استطلاعات رأي مختلفة إلى أن ملف اللاجئين سيكون من أبرز المحركات في التصويت بالانتخابات المقبلة.

2- تفاقم تداعيات الأزمة الاقتصادية: فرض استقبال تركيا ما يقرب من 3.5 ملايين لاجئ سوري تحديات اجتماعية اقتصادية لا تبدو هينة، بدت جلية في ارتفاع أسعار الغذاء والسكن وتراجع معدلات التوظيف والأجور. وتزايدت الانعكاسات الاقتصادية لوجود السوريين في تركيا مع تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية منذ عام 2018، وخسارة الليرة نحو 40% من قيمتها أمام الدولار، فضلاً عن انتشار جائحة كورونا، واندلاع الأزمة الأوكرانية؛ وكلها عوامل ساهمت في زيادة الاحتقان تجاه اللاجئين السوريين.

3- تراجع اهتمام أوروبا بالملف: لم يعد اللاجئون يمثلون ورقة ضغط تستطيع تركيا استخدامها في إدارة علاقاتها مع أوروبا، خاصة أن أنقرة تبدو في حاجة ماسّة للحصول على دعم الاتحاد الأوروبي لتحركاتها في منطقة شرق المتوسط، وفي الملفات الإقليمية الأكثر أهمية بالنسبة لها، على غرار الملف الليبي، فضلاً عن تحييد ضغوط دوله في نزاعها مع قبرص واليونان في المتوسط، إلى جانب تزايد أهمية التعاون مع الدول الغربية بشكل عام للتعامل مع المعطيات الجديدة التي فرضها التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.

توجه جديد

إجمالاً، يمكن القول إن هناك توجهاً تركياً مغايراً حيال إدارة ملف اللاجئين السوريين، من خلال تفعيل الأدوات والآليات الإجرائية التي تدفع نحو عودتهم إلى وطنهم الأم. وتتزايد جهود “العدالة والتنمية” خلال هذه الفترة للتخلص من ورقة اللاجئين مع اقتراب موعد الانتخابات في 2023، وتصاعد استياء قطاعات سياسية وشعبية في تركيا من بقاء السوريين على الأراضي التركية، وارتباط ذلك بتفاقم الأزمة الاقتصادية.