شراكة استراتيجية:
لماذا تتجه العراق وألمانيا إلى تعزيز العلاقات الثنائية؟

شراكة استراتيجية:

لماذا تتجه العراق وألمانيا إلى تعزيز العلاقات الثنائية؟



شهدت العلاقات العراقية-الألمانية تطورات لافتة خلال الفترة الأخيرة، انعكست في الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى برلين في 13 يناير الجاري، والتي أجرى خلالها مباحثات مع المستشار الألماني اولاف شولتز، وعدد كبير من الشركات الألمانية العاملة في قطاع الكهرباء والطاقة.

وبالطبع، فإن ما أضفى مزيداً من الأهمية على هذه الزيارة، هو أن العراق تسعى إلى حل الأزمة التي يواجهها قطاع الكهرباء تحديداً، نتيجة نمو الطلب عليها سنوياً، بالتوازي مع تدمير جانب واسع من البنية التحتية لشبكات الكهرباء العراقية على مدار العقود الماضية، بسبب الحروب والأزمات التي عانت منها الدولة، فضلاً عن عدم استقرار صادرات إيران من الكهرباء إلى العراق.

وبالتوازي مع ذلك، فإن الزيارة تكشف عن مساعي ألمانيا إلى البحث عن خيارات بديلة لإمدادات الطاقة، وهو ما يمثل أحد ارتدادات الحرب الروسية-الأوكرانية، التي دفعت الدول الأوروبية بشكل عام إلى تقليص اعتمادها على الإمدادات الروسية، ومحاولة البحث عن شركاء جدد من منطقة الشرق الأوسط يستطيعون ملء الفراغ الناتج عن تراجع الإمدادات الروسية.

تعاون مستمر

يبدو أن كلاً من العراق وألمانيا تسعيان إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات التي يمكن أن تساعد في تطوير العلاقات الثنائية. فقد حرص رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال الزيارة على الإشارة إلى الدعم الذي قدمته ألمانيا، على المستوى الأمني، في إطار الحرب ضد تنظيم “داعش”، حيث يوجد فريق استشاري ألماني منوط به التدريب والدعم المعلوماتي وتقديم الاستشارات العسكرية للقوات العراقية في مكافحة الإرهاب.

وربما تشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين تطورات إيجابية خلال المرحلة القادمة، حيث أعلن المستشار الألماني اولاف شولتز، على هامش مباحثاته مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أن حجم التجارة بين البلدين سيشهد طفرة أكبر خلال الفترة المقبلة، مع مساعي ألمانيا لزيادة وارداتها من مصادر الطاقة العراقية. ومن جهته، دعا رئيس الوزراء العراقي الشركات الألمانية إلى توسيع استثماراتها في قطاع الكهرباء العراقي، خاصة في ظل رغبة بغداد في الاعتماد على الشركات الألمانية، سواء في بناء محطات كهرباء جديدة أو تطوير القائم منها، بالنظر إلى خبراتها الكبيرة.

أهداف عديدة

يمكن القول إن ثمة أهدافاً عديدة تسعى الدولتان إلى تحقيقها عبر تطوير العلاقات الثنائية، يتمثل أبرزها في:

1- تطوير التعاون في مجال الكهرباء: تسعى الحكومة العراقية إلى توسيع نطاق التعاون مع الشركات الألمانية المتخصصة في قطاع الكهرباء تحديداً، في هذا التوقيت، نظراً لحاجة العراق لإبرام صفقات تهدف إلى رفع الطاقة الإنتاجية، في ظل تصاعد حدة النقص الحادث في هذا القطاع تحديداً والذي تسبب في تعرض الحكومات السابقة لانتقادات قوية، بدت جلية في الاحتجاجات التي شهدتها المدن العراقية على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، لا سيما تظاهرات أكتوبر 2019.

وتركز الحكومة العراقية في هذا السياق على محورين: أولهما، إعادة تشغيل المحطات التي توقفت لاعتبارات عديدة خلال المرحلة الماضية كان منها، على سبيل المثال، تصاعد نشاط تنظيم “داعش” منذ منتصف عام 2014 قبل إعلان الانتصار عليه في 10 ديسمبر 2017. وثانيهما، بناء محطات جديدة، تستطيع استيعاب الطلب المتزايد على الطاقة داخل البلاد.

2- استمرار دعم برلين في مكافحة الإرهاب: رغم إعلان العراق الانتصار على تنظيم “داعش”، في 10 ديسمبر 2017، ورغم كل الضربات الأمنية التي وجهتها الحكومات العراقية المتعاقبة ضد التنظيم، إلا أن خطر عودة خلاياه إلى تنفيذ عمليات إرهابية نوعية داخل البلاد ما زال قائماً، وهو ما يدفع الحكومة العراقية الحالية إلى إبداء اهتمام خاص بجهود مكافحة الإرهاب، لا سيما ما يتعلق بتطوير العلاقات مع القوى الدولية المعنية بالانخراط في مواجهة التنظيم، على غرار ألمانيا، التي سبق أن قدمت مساعدات نوعية لبغداد في هذا السياق، ويرجح أن تواصل انخراطها في هذا السياق خلال المرحلة القادمة.

3- محاولة استقطاب الاستثمارات الألمانية: لا تنفصل زيارة السوداني إلى برلين عن رغبة الحكومة العراقية في جذب مزيد من الاستثمارات الألمانية للعراق، وخاصة من جانب الشركاتالعاملة في مجال الكهرباء. ونظراً لما تمتلكه ألمانيا من تكنولوجيا نوعية في هذا السياق، خاصة في قطاع الكهرباء والذكاء الاصطناعي والزراعة، تسعى بغداد إلى الاستفادة من هذه الخبرات. ومن هنا، تشير تقديرات عديدة إلى أن تلك الزيارة قد تسفر عن اتجاه بعض الشركات الألمانية إلى ضخ مزيد من الاستثمارات في السوق العراقية خلال المرحلة القادمة.

وفي هذا السياق، وقع مسئولون عراقيون صفقة ضخمة، في 13 يناير الجاري، مع شركة “سيمنز” الألمانية، لتطوير البنية التحتية للطاقة العراقية. وتهدف الصفقة، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، إلى بناء وتوسيع محطات الطاقة لإنتاج 6 جيجاوات من الكهرباء بالإضافة إلى بناء خطوط كهرباء وإجراء عمليات الصيانة.

وعلى ضوء ذلك، أكد السوداني خلال لقائه ممثلي الشركات الألمانية، ثقة بلاده في تلك الشركات، لما تمتاز به من خبرة وكفاءة عاليتين وسمعة عالمية. وأضاف أن هناك توجهاً للحكومة نحو المزيد من مشاركة هذه الشركات في إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية في العراق.

4- إبرام صفقات لاستيراد الغاز الطبيعي: وهو هدف تسعى ألمانيا إلى تحقيقه عبر تعزيز علاقاتها الثنائية مع عدد من الدول الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، على غرار العراق. ومن هنا، يرجح أن تتجه ألمانيا خلال الفترة القادمة إلى توقيع صفقات في مجال النفط والغاز الطبيعي تحديداً مع العراق، كجزأ من استراتيجيتها لمواجهة الارتدادات التي فرضتها الحرب الروسية-الأوكرانية التي اقتربت من إنهاء عامها الأول. وقد أشار المستشار الألماني اولاف شولتز بالفعل إلى أن ألمانيا تجري محادثات لاستيراد الغاز الطبيعي من العراق.

5- الانخراط في معالجة قضايا الإقليم: ربما يكون اهتمام ألمانيا بالزيارة نابعاً من سعيها إلى تعزيز انخراطها في الجهود التي تبذلها قوى دولية عديدة من أجل الوصول إلى تسويات سياسية للأزمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، خاصة أنها تتبنى، على غرار العديد من تلك القوى، رؤية تقوم على أن الارتدادات التي تفرضها تلك الأزمات تصل إلى أوروبا بشكل سريع، من خلال تدفق موجات اللاجئين والمهاجرين، واختراق التنظيمات الإرهابية للحدود الأوروبية.

مصالح متبادلة

على ضوء ذلك، يمكن القول إن كلاً من العراق وألمانيا تسعيان إلى تطوير علاقاتهما الثنائية خلال المرحلة القادمة، باعتبار أن تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين يساهم في تحقيق أهداف متبادلة، خاصة باحتواء تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، وتصاعد التوتر بين إيران والعديد من القوى الدولية والإقليمية، وإعادة إعمار ما خلّفته الحروب والأزمات من انعكاسات سلبية على البنية التحتية.