توجه جديد:
لماذا تبنت “إيكواس” خيار التهدئة في مواجهة الانقلابات العسكرية بغرب أفريقيا؟

توجه جديد:

لماذا تبنت “إيكواس” خيار التهدئة في مواجهة الانقلابات العسكرية بغرب أفريقيا؟



تتجه الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” إلى تبني خيار التهدئة في التعامل مع قادة المجالس العسكرية في دول غرب أفريقيا، وذلك من خلال تقليص مستوى العقوبات، وتقديم المساعدات المالية لجهود مكافحة الإرهاب في كل من النيجر ومالي وبوركينافاسو، والتراجع عن خطاب التصعيد والتلويح بخيار التدخل العسكري. ومن ثم، يبدو أن ثمة عوامل ضاغطة دفعت المنظمة إلى هذا التوجه الجديد، من أبرزها تصاعد حدة التحديات الأمنية، واتساع نطاق الانقسام والاستقطاب الإقليمي، وتحدي قادة الانقلابات العسكرية لسياسة العقوبات، وجهود الوساطة الدولية والإقليمية.

عوامل ضاغطة

استضافت العاصمة النيجيرية أبوجا، في 10 ديسمبر الجاري، أعمال القمة الـ64 العادية لقادة الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، والذين أجروا محادثات بشأن أزمات المنطقة التي تعاني من عدم الاستقرار، وقال رئيس المنظمة، عمر توراي، في مستهلّ القمة: “للأسف أبدت السلطات العسكرية في النيجر القليل من الندم، بينما تتمسك بمواقفها التي لا يمكن الدفاع عنها، واحتجزت ليس فقط الرئيس بازوم وعائلته وأعضاء حكومته رهائن، بل كذلك شعب النيجر”.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت نيجيريا أنها طلبت من النظام العسكري في النيجر إطلاق سراح بازوم، والسماح له بالسفر إلى دولة ثالثة، تمهيداً لإجراء محادثات بشأن رفع العقوبات، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة حول الأسباب التي دفعت “إيكواس” إلى التوجه نحو تبني خيار التهدئة وانتهاج سياسة “ناعمة” مع قادة الانقلابات العسكرية في دول المنطقة بعد المرحلة التي فرضت فيها عقوبات على هذه الدول.

ويمكن القول إن ثمة جملة من العوامل التي تفسر هذا الاتجاه، يتمثل أبرزها في:

1- تصاعد حدة التحديات الأمنية: ولا سيما بعد انهيار التكتل الأمني لدول مجموعة الساحل الخماسية، على نحو بدا جلياً في إعلان كل من تشاد وموريتانيا، في 6 ديسمبر الجاري، عن تمهيد الطريق أمام حل الائتلاف الإقليمي المعني بمكافحة الإرهاب، إذ أكدت الدولتان أنهما تحترمان القرار السيادي لكل من بوركينافاسو والنيجر بالانسحاب من الائتلاف على غرار ما فعلت مالي في مرحلة سابقة.

وقد جاء ذلك بعد أيام قليلة من قرار الدولتين بالانسحاب من التكتل، وهو الأمر الذي أثار مخاوف لدى قادة “إيكواس” من تفاقم الأوضاع الأمنية وتصاعد حدة الهجمات الإرهابية في المنطقة، في ظل حالة من عدم الاستقرار بسبب اتساع نطاق ظاهرة الانقلابات العسكرية.

2- اتساع نطاق الاستقطاب الإقليمي: تواجه المنظمة تحدي غياب مالي والنيجر وبوركينافاسو وغينيا عن المنظمة بعد تعليق عضوية هذه الدول، وزيادة التوتر بين قادة هذه الدول والدول الأعضاء، فضلاً عن دول الجوار الإقليمي، وهو الأمر الذي لا يخدم مهمة هذا التكتل الإقليمي المعني بتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، فقد أدت سياسة فرض الضغوط إلى زيادة حدة الاستقطاب والتوتر والتنافر بين الدول أعضاء المنظمة.

3- تحدي إجراءات فرض العقوبات: لم تؤدِّ السياسة التي تبنتها بعض الدول المناوئة لهذه الانقلابات والتي تقوم على فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية إلى أي تغير في توجهات الدول الثلاث: بوركينافاسو والنيجر ومالي، ومن ثم اتجهت “إيكواس” إلى خيار التهدئة وتقديم المساعدات المالية بدلاً من فرض العقوبات.

إذ أعلنت “إيكواس”، في 8 ديسمبر الجاري، عن تقديم 1.9 مليون دولار كدعم لكل دولة من الدول الثلاث، وذلك لمساندة جهودها في الحرب على الإرهاب. وأوضح رئيس المنظمة، عمر تراوري، خلال تقريره العام عن حالة المنظمة الإقليمية أمام برلمان “إيكواس” أن بوركينافاسو ستحصل على مليون دولار إضافي بسبب العدد المتزايد للنازحين داخلياً.

4- جهود الوساطة الإقليمية والدولية: بذلت الجزائر جهوداً مكثفة من أجل إقناع المنظمة بخطر التدخل العسكري، وطرحت مبادرتها للوساطة بين “إيكواس” والنيجر. ورغم تواضع النتائج التي حققتها المبادرة الجزائرية، لكن يبدو أنها نجحت في إقناع قادة “إيكواس” بأن الخيار العسكري ليس هو الخيار الأمثل، وخاصة مع اتساع نطاق عدم الاستقرار السياسي وفتح جبهة جديدة من الصراع في شمال مالي بين الجيش المالي والتنظيمات المسلحة المرتبطة بـ”جماعة الطوارق”.

فضلاً عن ذلك، فقد رفضت قوى دولية عديدة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، خيار التدخل العسكري، واعتبرت هذه الدول أن هذا الخيار سوف يؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة على نحو ساهم في استبعاده.

سيناريوهات محتملة

ثمة ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل علاقة المنظمة بالمجالس العسكرية في مالي والنيجر وبوركينافاسو: السيناريو الأول، إطلاق جولة جديدة من المفاوضات بين “إيكواس” وقادة المجالس العسكرية في الدول الثلاث، تفضي إلى إطلاق سراح الرئيس محمد بازوم في النيجر، والتفاوض على فترة انتقالية، ووضع جدول زمني لإجراء انتخابات رئاسية، وصياغة دساتير جديدة في هذه الدول.

والسيناريو الثاني، العودة إلى سياسة العقوبات ووقف المساعدات، وهو ما يعني أن الدول الثلاث سوف تستمر في رفض كل محاولات “إيكواس” للتوصل إلى حل وسط مقابل رفع كل العقوبات الاقتصادية عن هذه الدول. لكن يبدو أن هذا السيناريو ربما يكون مستبعداً في ظل الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها هذه الدول، وخاصة النيجر التي تتفاقم مديونيتها الخارجية، وهو ما قد يدفع هذه الدول إلى القبول بخيار التهدئة والتفاوض لتقليص مستوى الضغوط الداخلية والخارجية.

والسيناريو الثالث، التلويح بالتدخل العسكري، ويبدو أن هذا الخيار أصبح مستبعداً تماماً، ولا سيما في ظل الموقف الإقليمي والدولي الرافض لخيار التصعيد والتدخل في النيجر، خصوصاً في ظل التحديات الأمنية المتنامية التي تواجه المنطقة، حيث يلاحظ أن ثمة انخفاضاً في مستوى التلويح بالخيار العسكري الآن مقارنة ببداية الأزمة.

خلاصة القول، يبدو أن السيناريو الأول (إطلاق جولة جديدة من المفاوضات) هو الخيار الأكثر ترجيحاً، حيث تحرص منظمة “إيكواس” على الحفاظ على كيانها وتماسكها، وربما تخشى من اتجاه دول الساحل إلى الانسحاب بشكل كامل منها، ولا سيما بعد إعلان انسحابها من مجموعة الساحل الخماسية، وهو ما يمكن أن تدعمه الدول الثلاث التي تسعى حالياً إلى تقليص التداعيات التي فرضتها عليها العقوبات والبدء في مرحلة جديدة لمواجهة الأزمات التي تتعرض لها على المستويات المختلفة، لا سيما السياسية والأمنية.