منافع متبادَلة:
لماذا تأسّس مجلس التنسيق الأعلى بين الجزائر والسعودية؟

منافع متبادَلة:

لماذا تأسّس مجلس التنسيق الأعلى بين الجزائر والسعودية؟



برزت مؤخراً مؤشرات على نشوء علاقة جديدة بين السعودية والجزائر، وخاصة منذ وصول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى السلطة، في ديسمبر 2019. إذ اختار تبون المملكة في أول رحلة له إلى الخارج، في 26 فبراير 2020. وفي 16 مايو الجاري، وقّع الجانبان على اتفاقية لإنشاء مجلس التنسيق الأعلى بين البلدين، والذي سيكون من مهامه الرئيسية “تكثيف التواصل والتعاون بين البلدين وتعميقه”. ولعل إنشاء هذا المجلس يرجع إلى تنمية التنسيق السياسي في الملفات الدولية، والتشارك في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، ومحاولة اكتساب الجزائر الدعم السعودي في قضية الصحراء، ورفع حجم المبادلات التجارية والاستثمارات البينية، وتعزيز التنسيق في منظمات الطاقة الدولية، والمساهمة في تنويع مرتكزات الاقتصاد الجزائري.

فقد جاء الإعلان عن مجلس التنسيق الأعلى بين السعودية والجزائر خلال أعمال الدورة الرابعة للجنة المشاورات السياسية الجزائرية السعودية، في مدينة جدة، التي ترأسها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، ووزير الشؤون الخارجية الجزائري أحمد عطاف. ورغم أن الإعلان عن إنشاء “مجلس تنسيق أعلى” سيُمثل إطاراً للتعاون السياسي والاقتصادي بين الجزائر والسعودية، جاء منذ أيام قليلة؛ إلا أن فكرة استحداث مثل هذا المجلس كانت قد ولدت قبل خمس سنوات، خلال الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الجزائر، في 3 ديسمبر 2018.

توافقات سياسية

وكما يبدو، فإن عدداً من العوامل السياسية قد ساهمت في إنشاء هذا المجلس، وفي التقارب الجزائري السعودي عموماً، لعل أهمها التالية:

1- تنمية التنسيق السياسي في الملفات الدولية: ففي إطار التغير في منظومة الحكم السياسي في الجزائر، مع تولي عبد المجيد تبون السلطة، ومع العملية الواسعة التي أجرتها السعودية في إعادة النظر في سياستها الخارجية وتحديد أولويات أمنها الوطني، في أعقاب التغيرات الدراماتيكية التي لحقت بعدد من الملفات والقضايا الإقليمية؛ كل من هذا وذاك، ساهم في التقارب الحاصل بين البلدين. فالجزائر والسعودية تتقاسمان وجهات النظر حول عديد الملفات السياسية والاقتصادية، مما سمح للبلدين بالتنسيق حيالها في المحافل الدولية، على غرار منظمتي “أوبك” و”أوبك +” للنفط. هذا، إضافة إلى دعم الجزائر للمملكة في تنظيم معرض “إكسبو 2030″، وعلى الجانب الآخر دعمت السعودية ترشح الجزائر للعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن، للفترة 2024-2025.

2- التشارك في مجال مكافحة التطرف والإرهاب: فقد عرفت العلاقات الجزائرية تقارباً مع دول الخليج العربية عموماً، والسعودية بوجه خاص، في تسعينيات القرن الماضي، إبان عشرية الإرهاب التي ضربت الجزائر؛ وهو التقارب الذي يعترف بمقاربات الجزائر في مستوى إدارة الأزمات الداخلية، السياسية والأمنية، خاصة في مسألة التعامل مع الحركات المتطرفة ومحاربة الإرهاب. وكما يبدو، ترى السعودية في الجزائر نموذج الدولة الناجحة في القضاء على منابع الإرهاب، وخلايا الإسناد المالي للجماعات المتطرفة؛ وهو الأمر الذي سعت الرياض إلى اعتماده كسياسة للقضاء على المتطرفين داخل أراضيها.

3- محاولة اكتساب الدعم السعودي في قضية الصحراء: حيث يأتي هذا الاستهداف، من جانب الجزائر، في محاولة لاختراق التحالف الكبير والتاريخي، بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي؛ خاصة أن عدداً من العواصم الخليجية اعترف بسيادة الرباط على إقليم الصحراء، في مواجهة أطروحات البوليساريو المدعومة من الجزائر. إذ تضمن البيان الختامي لأول قمة خليجية مغربية، في 20 أبريل 2016، التأكيد على الالتزام الخليجي بدعم الموقف المغربي حول قضية الصحراء، القاضي بتقديم حكم ذاتي للصحراء الغربية، وهو ما يتنافى مع الموقف الجزائري.

وبالتالي، تسعى الجزائر إلى دعم السعودية لحل مشكلة الصحراء الغربية، أو الاكتفاء بموقف محايد، والحد من مساعدة المغرب في الاستثمار بالمناطق الصحراوية؛ لأن القضية الصحراوية تكتسب أهمية كبيرة في السياسة الخارجية الجزائرية، التي طالما أكدت أن قضية الصحراء في عهدة الأمم المتحدة.

أبعاد اقتصادية

يُمكن تحديد عددٍ من الأبعاد الاقتصادية، التي يستند إليها التقارب الجزائري السعودي، على النحو التالي:

1- رفع حجم المبادلات التجارية والاستثمارات البينية: ففي انتهاج العلاقات بين البلدين، مؤخراً، سياسة تعتمد تطوير العلاقات الثنائية، استناداً إلى العامل الاقتصادي له ما يبرره؛ خاصةً بعدما أصبحت النشاطات الاقتصادية من العناصر الضامنة لاستمرارية ومتانة العلاقات بين الدول، عبر توظيف العامل الاقتصادي في التعامل السياسي.

من هنا، وبحسب بيان وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، في 16 مايو، فقد شهدت الدورة الرابعة للجنة المشاورات السياسية الجزائرية السعودية، في جدة، التأكيد على التزام الطرفين بمواصلة وتكثيف الجهود “لرفع حجم المبادلات التجارية والاستثمارات البينية”، بما يعود بالنفع على البلدين؛ بل و”يحفظ مصالحهما طبقاً للأولويات التي سيعكف الطرفان على تشخيصها في الآجال القريبة القادمة”، وفق البيان.

ففي وقت شهدت فيه العلاقات الجزائرية السعودية تطوراً ملحوظاً، جاء تأكيد سفير الجزائر لدى السعودية على أن بلاده “تخطط حالياً لتأسيس قاعدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري مع المملكة”. ومع ذلك، أقر بوغازي بأن حجم التبادل التجاري لا يعكس المقدرات الهائلة المتوافرة لدى البلدين”، مشيراً إلى أنه “صدر مؤخراً قانون جديد للاستثمار والنصوص التطبيقية له، والذي يمنح مزايا ويوفر تسهيلات كثيرة للمستثمرين المقيمين وغير المقيمين”.

واللافت بحسب ما يذكر الدكتور محمد علي بوغازي، سفير الجزائر في السعودية، في حوار له مع صحيفة “الشرق الأوسط”، في 18 فبراير الماضي، أن عدد الاتفاقيات الموقّعة بين البلدين، قد وصل إلى 30 اتفاقية، تُغطي مجالات متنوعة، منها الاقتصادية والتجارية، مثل: إنشاء الشركة المختلطة للاستثمار، ومجلس رجال الأعمال المشترك.. وغيرها.

2- تعزيز التنسيق في منظمات الطاقة الدولية: فمن منظور أن الجزائر والسعودية عضوان في منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك”، وملتزمان بنتائج اجتماعاتها الدورية؛ لذا يمكنهما تنسيق مواقفهما داخل “كارتيل النفط” ليحققا “توازناً في السوق”. وبدورها، لا يمكن للسعودية تجاهل أهمية الدور الذي تلعبه الجزائر كفاعل سياسي في شمال غرب أفريقيا، وكقوة نفطية وغازية تؤثر، أو يمكنها أن تؤثر، في الأسواق الدولية، وبإمكانها أن تُسهم في تحقيق التوازن الاقتصادي العربي والتوازن السياسي المغاربي.

وفي حين أن الجزائر عضو في منتدى الدول المصدرة للغاز، فإن السعودية لم تنضمَّ إلى المنتدى بعد، لكن يمكن أن تنضم بالنظر إلى اكتشافاتها الأخيرة من الغاز الطبيعي؛ وهو الأمر الذي ينقل “المنتدى” إلى مستوى أعلى، بالنظر إلى إمكانية التعاون والتنسيق بين البلدين في سوق الغاز الدولية.

3- المساهمة في تنويع مرتكزات الاقتصاد الجزائري: فالجزائر التي تعتمد ميزانيتها على عائدات النفط، تعاني أزمة اقتصادية حادة نتيجة تذبذب أسعاره، لذلك اتجه التفكير الجزائري نحو المملكة، في محاولة للحفاظ على استقرار السوق النفطية، خاصة أن السعودية تستطيع مقاومة تراجع أسعار النفط لفترة أطول من الجزائر، من منظور أنها تمتلك احتياطي صرف كبيراً مقارنة بالجزائر، كما أن الجزائر بحاجة ماسة إلى الاستثمارات السعودية لأجل تنويع اقتصادها ومواجهة مشكلاتها المالية.

وهنا، يتبدى تأكيد سفير الجزائر لدى الرياض على أن “الظروف مواتية جداً لرجال الأعمال السعوديين لخوض تجربة استثمار في الجزائر، في قطاعات واعدة، على غرار الفلاحة والصناعة والسياحة والمناجم.. وغيرها، بما يتيح فرصاً اقتصادية واستثمارية هائلة بين البلدين”.

متغير رئيسي

في هذا السياق، يُمكن القول إن إنشاء مجلس التنسيق الأعلى بين البلدين، يكشف أن تحقيق المصالح الاقتصادية المشتركة، أصبح هو “المتغير الرئيسي” في توطيد العلاقات الدبلوماسية، عبر توظيف العامل الاقتصادي في التفاعل السياسي.