تحوّل جديد:
لماذا اهتمّت مجموعة السبع بتدخلات إيران في المنطقة؟

تحوّل جديد:

لماذا اهتمّت مجموعة السبع بتدخلات إيران في المنطقة؟



بعد أن كانت القوى الدولية حريصة على منح الأولوية للبرنامج النووي الإيراني في إدارة علاقاتها مع إيران، فإنها بدأت في إجراء تغيير في سياساتها باتّجاه إبداء قدر أكبر من الاهتمام بالتداعيات التي تفرضها تدخلات إيران في أزمات المنطقة. ويمكن تفسير ذلك في ضوء تزايد أهمية تعزيز الاستقرار في المنطقة بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، وممارسة ضغوط على إيران في المفاوضات النووية، واتجاه طهران إلى التصعيد في دول الأزمات للرد على تعثر المفاوضات النووية، وتوجيه رسائل لإيران بتقارب المواقف إزاءها.

سعى قادة دول مجموعة السبع، خلال القمة التي عقدت في مقاطعة بافاريا بألمانيا في الفترة من 26 إلى 28 يونيو الجاري، إلى توجيه رسائل حازمة لإيران بشأن الملفات الخلافية الأخرى التي لا تتضمنها المفاوضات التي تجري معها، سواء في فيينا أو في الدوحة، ولا سيما تدخلاتها الإقليمية، إذ ندّد البيان الختامي الصادر عن القمة بدور إيران في زعزعة الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، وطالبها بالتوقف عن تهديداتها لأمن الملاحة في الخليج العربي.

دوافع عديدة

يُمكن تفسير اهتمام قادة دول مجموعة السبع بالتركيز على التداعيات التي تفرضها تدخلات إيران في المنطقة في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الضغط على إيران في المفاوضات النووية: تسعى دول المجموعة عبر هذا الاهتمام إلى ممارسة ضغوط أكبر على إيران في المفاوضات النووية. وقد كان لافتاً أن التنديد بهذه التدخلات توازى مع انعقاد المباحثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في الدوحة، في 28 يونيو الجاري، بوساطة المنسق الأوروبي للمحادثات إنريكي مورا. وهنا، فإن هذه الدول تحاول من خلال ذلك دفع إيران إلى إبداء مرونة أكبر في مواقفها المتشددة إزاء الملفات الخلافية العالقة التي تسببت في تعطيل الوصول إلى صفقة تعزز من احتمال استمرار العمل بالاتفاق النووي خلال المرحلة القادمة. وربما تكون الرسالة الأهم في هذا السياق، هو أن هناك توافقاً عاماً بين هذه القوى حول الملفات التي تمثل إيران طرفاً رئيسياً فيها، على نحو يساهم في تقليص مساحة الحركة وهامش المناورة المتاح أمام الأخيرة للتعامل مع الضغوط التي تفرضها تلك القوى عليها.

2- دعم الموقف الأمريكي من دور الحرس الثوري: يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد نجحت خلال القمة في استقطاب دعم القوى الدولية الأخرى للموقف الذي تبنته إزاء مطلب إيران بشطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، وهو أحد أهم المطالب التي قدمتها إيران خلال الجولات السابقة للمفاوضات التي أجريت في فيينا. إذ إن التنديد بالتدخلات الإيرانية في المنطقة ودورها في زعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي يستدعي مباشرة العمليات الخارجية التي يقوم بها الحرس الثوري في دول الأزمات، والتي ترى قوى إقليمية ودولية عديدة أنها تسببت في إطالة أمد تلك الأزمات وعرقلة الوصول إلى تسويات سياسية بشأنها على نحو ساهم في تفاقم حدة الأوضاع الإنسانية بها، وساعد التنظيمات الإرهابية على التمدد داخلها.

وكانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد حسمت قرارها في هذا الصدد، بعد فترة من التردد، حيث وصلت إلى نتيجة مفادها رفض المطلب الإيراني، لاعتبارات داخلية ترتبط بالضغوط المفروضة على الإدارة من قبل بعض أقطاب الحزبين الديمقراطي والجمهوري لعدم التجاوب مع المطلب الإيراني، خاصة مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، وأخرى خارجية تتصل بالالتزامات التي تفرضها العلاقات الاستراتيجية التي تؤسسها الولايات المتحدة الأمريكية مع العديد من القوى الإقليمية في الشرق الأوسط.

3- إصرار إيران على تطوير برنامجها الصاروخي: لا ينفصل التنديد الدولي بتدخلات إيران في المنطقة عن إصرار الأخيرة على مواصلة تطوير برنامجها الصاروخي. فقبيل انعقاد القمة، ومحادثات الدوحة؛ تعمدت إيران إطلاق صاروخ “ذو الجناح” الحامل للأقمار الصناعية. إذ قال المتحدث باسم وحدة الفضاء الخارجي بوزارة الدفاع الإيرانية: “إن مهمة صاروخ ذو الجناح الناقل للقمر الصناعي هو حمل القمر الصناعي الذي يبلغ وزنه 220 كلجم إلى مدار يبعد 500 كم عن سطح الأرض”. وتثير أنشطة إيران الصاروخية بصفة دائمة استياء دولياً ملحوظاً، ليس فقط لأن ذلك يُعتبر -في رؤية الدول الغربية تحديداً- انتهاكاً للاتفاق النووي، وإنما أيضاً لأن إيران بدأت في توسيع نطاق استخدام برنامجها الصاروخي في إدارة تدخلاتها الإقليمية، على نحو تسبب في تأجيج الأزمات التي تواجهها دول الأزمات وتهديد أمن ومصالح العديد من دول المنطقة.

4- تزايد أهمية المنطقة بعد الحرب الأوكرانية: رغم أن اتجاهات عديدة أشارت إلى أن اهتمام القوى الدولية بمنطقة الشرق الأوسط تراجع في الفترة الماضية، لاعتبارات متعددة؛ إلا أن اندلاع الحرب في أوكرانيا ربما يكون فرض تداعيات عكسية في هذا السياق، حيث بدا لافتاً أن أهمية المنطقة بالنسبة للقوى الدولية تزايدت على نحو يبدو جلياً في الزيارات التي يُجريها مسئولو تلك القوى إلى دول عديدة بالمنطقة، والتي سيكون أبرزها الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة في الفترة من 13 إلى 16 يوليو القادم. وهنا، فإن هذا الاهتمام يرتبط في المقام الأول برؤية أساسية تقوم على أن الاستقرار في المنطقة وضمان تدفق إمدادات الطاقة يتوافق مع مصالح القوى الدولية. وقد كان لافتاً في هذا السياق، أن بيان المجموعة ركز على تهديدات إيران لأمن الملاحة في الخليج العربي، في إشارة إلى أن التدخلات الإيرانية في المنطقة لا تؤثر فقط على الاستقرار في دول الأزمات، وإنما يمكن أن تؤثر أيضاً على إمدادات الطاقة من المنطقة، وهي قضية حيوية في حسابات القوى الدولية، ولا سيما بعد أن تزايد دور وتأثير متغير الطاقة على المستوى الدولي في مرحلة ما بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، بعد أن تحولت إلى ورقة الضغط الرئيسية التي تستخدمها روسيا في مواجهة العقوبات التي تفرضها الدول الغربية عليها.

ملفات خلافية

إنّ ما سبق -في مجمله- يطرح دلالة رئيسية تتمثل في أن إيران تتعرض في المرحلة الحالية لضغوط دولية وإقليمية متزايدة، لن تتأثر في الغالب بما سوف تؤول إليه المفاوضات النووية في النهاية، خاصة أن الخلافات بين إيران ومعظم القوى الدولية المعنية بأمن واستقرار المنطقة، لا تنحصر في البرنامج النووي، رغم أهميته؛ وإنما تمتد أيضاً إلى التدخلات التي تقوم بها على المستوى الإقليمي، والتطوير المستمر في برنامجها الصاروخي الذي تستخدمه في تعزيز ومواصلة تلك التدخلات.