تكلفة التهديد:
لماذا استهدفت حركة الشباب قاعدة جوردون بمقديشو؟

تكلفة التهديد:

لماذا استهدفت حركة الشباب قاعدة جوردون بمقديشو؟



تبنت حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة الهجوم الذي استهدف قاعدة جوردون العسكرية بالعاصمة مقديشو في 11 فبراير الجاري، وهو ما سلط الضوء على العوامل الأكثر تحفيزاً للحركة والتي تدفعها نحو تصعيد العمليات العنيفة ضد القواعد العسكرية في البلاد؛ إذ تحتاج حركة الشباب لتعزيز حضورها عبر عمليات يُحتمل أن تحظى بتغطية إعلامية واسعة، وذلك للترويج لاستمرار نفوذها بالمنطقة وقدراتها على تنفيذ الهجمات، وبالأخص مع تصاعد المنافسة مع داعش خلال الآونة الأخيرة وتنامي فرص الحروب بالوكالة.

في خضم التصعيد المسلح للجماعات التكفيرية بمنطقة القرن الأفريقي، أعلنت حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة، في 11 فبراير الجاري، مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدف قاعدة جوردون العسكرية بالعاصمة مقديشو، وراح ضحيته ضابط بحريني وأربعة جنود إماراتيين أثناء تأديتهم مهام عملهم الخاصة بتدريب وتأهيل القوات المسلحة الصومالية ضمن الاتفاقية الثنائية للتعاون العسكري بين الإمارات والصومال، وهو ما يطرح التساؤلات حول التحديات الأمنية التي لا تزال محيطة بالأوضاع الداخلية في البلاد، إلى جانب أبرز العوامل التي تؤثر على اتجاهات حركة الشباب إزاء اختيار النقاط المُستهدفة للعمليات الإرهابية.

عوامل مُحفزة

يُشير الهجوم الأخير إلى مجموعة من العوامل المُحفزة التي تدفع بالجماعات الإرهابية نحو تكثيف العمليات ضد القواعد العسكرية والبعثات الأجنبية، ويتمثّل أبرزها في الآتي:

1- تحدي القدرات القتالية للدولة الصومالية: تُمثل الهجمات ضد القوات العسكرية النظامية أهمية خاصة للجماعات الإرهابية، إذ تستخدمها لإظهار قوتها ومدى سيطرتها على المناطق التي تنتشر بها، كما توظفها إعلامياً للترويج لتفوق القدرات القتالية للتنظيمات على الجيش، وتصبغ ذلك بأبعاد دينية، ومن جهة أخرى تريد حركة الشباب تسليط الضوء على إمكانيات أدواتها الاستخباراتية مقابل القدرات الاستباقية للدولة.

2- الضغط على البعثات الخارجية بالبلاد: يحتاج الصومال مزيداً من الدعم العسكري الدولي للتعافي من آثار أزماته السياسية السابقة على الجيش والشرطة، ومن ثمّ فإن نجاح البعثات الخارجية في تطوير القدرات القتالية والأمنية للهيئات الداخلية قد يضُر بنفوذ الجماعات الإرهابية بالبلاد، وبالتالي تعمل للضغط عليهم عبر عمليات مكثفة تتسبب في سقوط ضحايا من جنسيات مختلفة لجعل بقائهم في الصومال أمراً مُكلفاً إنسانياً ومادياً.

3- تهيئة الأوضاع للمزيد من حروب الوكالة: إن وجود فرع تنظيم القاعدة في الصومال بما له من علاقات مع دول كبرى كشكل من أشكال حروب الوكالة يُحتمل أن يجعل من عملياته مصدراً لإزعاج الدول العربية والخليجية وتهديد مصالحها بالمنطقة، وهو ما قد يفسر جزءاً من دوافع استهداف قاعدة جوردون العسكرية في مقديشو والتي تعمل بها البعثات الخارجية.

4- الحفاظ على مصادر التمويل: إن انتشار حركة الشباب في رقعة جغرافية استراتيجية كالقرن الأفريقي يُمكّنها من تقديم نفسها كأداة للضغط السياسي وفقاً لأجندة الممولين، وذلك بما يضمن لها مصدر دخل مهماً، وبالتالي تسعى للحفاظ عليه، فضلاً عن تأمين نفوذها والصورة الذهنية عن سطوتها بالمنطقة والتي تستخدمها في جمع الإتاوات من المواطنين وتمرير الصفقات المالية الخارجة عن القانون.

5- منافسة تنظيم داعش في السيطرة الميدانية: تأتي العملية الأخيرة في أعقاب الحملة الدعائية التي أطلقها تنظيم داعش من خلال دورية “النبأ” الأسبوعية في عددها الصادر مطلع فبراير الجاري حول قتال مسلح تشنه بالمنطقة للاستحواذ على مناطق سيطرة حركة الشباب في العاصمة مقديشو وكذلك شرق البلاد، كما نادى داعش عناصر حركة الشباب للانضمام إلى صفوفه نظراً لجدارته في إدارة موارد البلاد وكذلك أفضليته الشرعية، وبالتالي تسعى الحركة للحفاظ على نفوذها ومنع تسرب الموالين لها إلى صفوف أي تنظيم آخر عبر هجمات مؤثرة تساعدها في تحقيق أهدافها.

6- استغلال الاضطرابات السياسية بالقرن الأفريقي: يؤثر التناحر السياسي بالتبعية على مستوى الأمن، ومن ثم تُحاول حركة الشباب استغلال الصراعات السياسية الدائرة بالمنطقة، سواء على المستوى الخارجي بين الصومال وإثيوبيا، أو على المستوى الداخلي بين حكومة مقديشو وإدارة إقليم أرض الصومال الانفصالي لإبرامها مذكرة تفاهم مع أديس أبابا تتيح للأخيرة استخدام ميناء بربرة كمنفذ لها على البحر الأحمر، وذلك إلى جانب الخلافات حول التعديلات الدستورية المُعلنة مؤخراً بالبلاد والتي يدعمها الرئيس حسن شيخ محمود بينما يعارضها رئيس إقليم بونتلاند سعيد دني وعدد من القيادات السياسية.

7- الحفاظ على انتظام الحشد وتماسك الصفوف داخل الحركة: تسعى حركة الشباب عبر العمليات الكبرى التي تحظى بتغطية إعلامية أوسع إلى تنشيط نسب الحشد لصفوفها والحفاظ على تماسكها، وذلك في إطار مواجهة الدعاية التي تقدمها الحكومة الصومالية عن العمليات العسكرية التي تنفذها مؤخراً بمساعدة الشركاء الدوليين ضد بؤر الحركة ومخازن أسلحتها ومناطق بث رسائلها الإعلامية.

تحديات أمنية

تخلق الأوضاع السياسية وطبيعة المجتمع الصومالي خلال الوقت الحالي تحديات أمنية قد يؤثر مدى السيطرة عليها في استقرار منطقة القرن الأفريقي والحفاظ على الاستثمارات الناشئة بها، وأبرزها:

1- تعويض انسحاب أتميس باستمرار الدعم الدولي عسكرياً: يشكل انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي (أتميس) والمقرر في ديسمبر 2024، وتسليم مهمة حماية البلاد كاملة إلى الجيش الوطني، تحدياً أمنياً يحتاج معه الصومال لمزيد من الدعم الدولي عسكرياً لتعويض الفراغ الذي قد يحدث نتيجة هذا الانسحاب، كما تحتاج القوات الصومالية لاستمرار التدريب والتأهيل القتالي وإمدادات الأسلحة حتى تتمكن من حماية الأمن في ظل المتغيرات المرتبطة بعودة تصاعد عمليات القرصنة وتزايد المنافسة بين تنظيمي داعش والقاعدة على النفوذ في المنطقة إلى جانب الصراعات السياسية الآخذة في التصاعد.

2- تطوير القطاعات الاقتصادية والتجارية داخل الدولة: إن الاضطرابات الاقتصادية تؤثر على أمن المنطقة، وبالأخص في ظل التقلبات المناخية العنيفة التي تشهدها البلاد وما ينتج عنها من نقص في الإمدادات الغذائية، وبالتالي فإن دعم الصومال مالياً وتطوير القطاعات الصناعية والتجارية بداخله سيحقق تحسين مستوى معيشة المواطنين مما يقلل من فرصة انضمامهم للجماعات المسلحة.

3- حماية الاستثمارات الدولية الناشئة بالمنطقة: تُعد حماية الاستثمارات الدولية من أبرز التحديات في ظل الأوضاع الحالية، وبالأخص المتعلقة بالموانئ وحرية الملاحة عبر القرن الأفريقي ومضيق باب المندب، وبالتالي سيؤدي هذا المتغير دوراً هاماً إما باتجاه الاستقرار لتحقيق أهداف الدول المُستثمرة، أو إطالة أمد الاضطرابات الأمنية لخدمة مصالح دولية مناوئة.

4- تحقيق الاستقرار السياسي: تنعكس الاضطرابات السياسية على مستوى الأمن وتسمح بنمو التيارات المتطرفة، وبالتالي فإن قدرة الحكومة الصومالية على تحقيق التماسك الداخلي وتقليل فرص الخلافات سيُحسن من الأوضاع الوطنية، بما يدفع نحو أداء أفضل إزاء ملف العلاقات الخارجية للحد من تنامي الصراعات طويلة الأمد.

تصعيد محتمل

يُمكن القول إن تنظيم القاعدة يسعى لتوظيف الظروف الراهنة بما يُحقق أهدافه في الحفاظ على نفوذه بالقرن الأفريقي في ظل منافسة مع تنظيم داعش على مكتسبات السيطرة على المنطقة وما ينتج عنها من زخم تمويلي وصراعات بالوكالة، وبناء على هذه الرؤية فمن المحتمل أن يوجه التنظيم عبر حركة الشباب ضربات أخرى للتمركزات العسكرية بالصومال لإثبات حضوره واستمرارية نفوذه، وهو الأمر الذي يحتاج تقويضه مزيداً من التكاتف من جانب القوى الداخلية إلى جانب الدول التي ترتبط مصالحها بالمنطقة.