توازنات جديدة:
لماذا استبعد النظام الإيراني روحاني من انتخابات مجلس الخبراء؟ 

توازنات جديدة:

لماذا استبعد النظام الإيراني روحاني من انتخابات مجلس الخبراء؟ 



يمكن تفسير اتجاه النظام الإيراني إلى استبعاد روحاني من انتخابات مجلس الخبراء في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في تقليص نفوذ الرئيس السابق، وتجنب استنساخ “رفسنجاني جديد”، وإبعاد روحاني عن المشاركة في ملف الخلافة، وتزايد احتمالات تصعيد رئيسي لمنصب المرشد، ومعاقبة المدافعين عن الاتفاق النووي.

صحيفة “شرق”: تصفية روحاني

يبدو أن إيران مقبلة على مرحلة جديدة سوف يعاد فيها تشكيل توازنات القوى السياسية الداخلية، على نحو بدا جلياً في تطورين مهمين: الأول، هو قرار مجلس صيانة الدستور، في 24 يناير الجاري، برفض ترشيح الرئيس السابق حسن روحاني لانتخابات مجلس خبراء القيادة (المؤسسة المكلفة بتعيين وعزل المرشد ومراقبة أعماله) التي سوف تُجرَى بالتزامن مع انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في أول مارس المقبل. والثاني، هو إفساح المجال أمام الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي لضمان الفوز بمقعد مجلس الخبراء في محافظة خراسان الجنوبية، بعد أن قام مجلس صيانة الدستور أيضاً برفض ترشيح أربعة منافسين له.

صحيفة “جمله”: تشريح حادثتين في إشارة إلى رفض ترشيح روحاني وإفساح المجال لفوز رئيسي بمقعد خراسان بالتزكية

وفي العادة، لا يعلن مجلس صيانة الدستور أسباب القرارات التي يتخذها برفض أهلية بعض المرشحين، وقد سبق أن تبنى النهج نفسه في التعامل مع ملفات بعض مرشحي تيار المعتدلين (الذي يضم أجنحة من تياري الإصلاحيين والمحافظين التقليديين) لانتخابات مجلس الشورى القادمة، وهو ما تعتبره اتجاهات عديدة بمثابة “مقصلة” يستخدمها النظام الإيراني، وتحديداً المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي الذي يمتلك صلاحية تعيين نصف أعضاء مجلس الصيانة من الفقهاء الستة، لاستبعاد الشخصيات التي لا تتوافق رؤاها وتوجهاتها مع حساباته. وقد سبق أن استخدمت الآلية نفسها في رفض أهلية رؤساء سابقين للجمهورية، على غرار الرئيسين السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمود أحمدي نجاد، اللذين رفض مجلس الصيانة أهلية ترشيحهما للانتخابات الرئاسية.

دوافع عديدة

يمكن تفسير اتجاه النظام الإيراني إلى تبني هذه السياسة خلال الفترة الحالية في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تقليص النفوذ السياسي لروحاني: كان لافتاً أن استبعاد روحاني من الترشح في انتخابات مجلس الخبراء (وهو المجلس الذي فاز روحاني بدوراته الثلاث الأخيرة لمدة 24 عاماً منذ عام 1999) لم يكن الخطوة الأولى في اتجاه تقليص نفوذه السياسي بعد انتهاء فترته الرئاسية الثانية في أغسطس 2021، إذ حرص المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، في 22 سبتمبر 2022، على استبعاده من قائمة المعينين في مجلس تشخيص مصلحة النظام (وهو المؤسسة المكلفة بالفصل في الخلافات بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى الإسلامي، ووضع السياسة العليا للنظام بالتعاون مع القيادة)، وهي قاعدة التزم بها النظام بتعيين رئيس الجمهورية كعضو في المجلس بعد انتهاء فترته الرئاسية، بل إن بعض رؤساء الجمهورية سبقوا أن تولوا رئاسة المجلس على غرار هاشمي رفسنجاني. إلا أن استبعاد روحاني من المجلسين يوحي بأن المرشد يسعى إلى إضعافه وتقليص نفوذه السياسي.

ورغم أن ذلك جرى مع رؤساء سابقين للجمهورية، تعرضوا لقيود مختلفة من جانب النظام؛ إلا أنها لم تكن بهذا المستوى من الحدة، ربما باستثناء الرئيس الأسبق محمد خاتمي الذي يتعرض لقيود شديدة، بسبب اتهامه بقيادة ما يسمى “تيار الفتنة”، في إشارة إلى الاحتجاجات التي سبق أن اندلعت في إيران في عام 2009 على خلفية اعتراض ما يسمى بـ”الحركة الخضراء” على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في منتصف هذا العام وأسفرت عن فوز الرئيس الأسبق أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية. 

2- عدم استنساخ “رفسنجاني جديد”: لا يمكن استبعاد أن يكون المرشد خامنئي قد تعمد الإيعاز لمجلس الصيانة باستبعاد الرئيس السابق روحاني من أجل تجنب استنساخ رفسنجاني جديد، في إشارة إلى الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، الذي كان يحظى بنفوذ سياسي واقتصادي كبير، كونه كان أحد المقربين من مؤسس النظام روح الله الخميني، فضلاً عن أنه مارس دوراً أساسياً في تصعيد خامنئي ذاته إلى منصب المرشد الأعلى خلفاً للخميني في عام 1989، إلى جانب أنه أحد تجار البازار الرئيسيين.

وقد كان روحاني أحد المقربين من رفسنجاني، وعندما رفض مجلس صيانة الدستور أهلية الأخير للترشح في الانتخابات الرئاسية في عام 2013، كان البديل الذي لجأ إليه تيار المعتدلين الذي كان يقوده رفسنجاني هو دفع روحاني إلى الترشح والتصويت على نحو أسفر عن فوزه بالانتخابات على أربعة من مرشحي تيار المحافظين الأصوليين.

3- إبعاد روحاني عن المشاركة في ملف الخلافة: ربما ترى مؤسسات وقيادات عديدة في النظام الإيراني أن الدورة القادمة لمجلس الخبراء (مدتها ثماني سنوات) سوف تكون حاسمة في اختيار خليفة للمرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، وهو ما يمكن أن يكون قد دفع المرشد، والنظام بشكل عام، إلى إبعاد روحاني عن المشاركة في الدولة الجديدة، لتجنب تحوله إلى رقم مهم في عملية اختيار المرشد القادم. إذ يخشى هؤلاء من أن ذلك يمكن أن يساهم في الوصول إلى مرشح ليس بعيداً عن تيار المعتدلين. 

4- اتخاذ إجراءات عقابية بحق المدافعين عن الاتفاق النووي: رغم أن إيران ما زالت حريصة على تأكيد التزامها بالاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة “5+1” في 14 يوليو 2015، قبل أن تنسحب منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 8 مايو 2018؛ إلا أنها ترى أن هذا الالتزام “شر لا بد منه”. وبمعنى أدق، فإن القيادة العليا في النظام والمؤسسات النافذة لم تعد ترى أن الاتفاق النووي له جدوى، بعد أن تم إفراغه من مضمونه عقب الانسحاب الأمريكي؛ إلا أنها لا تستطيع الانسحاب منه كلية أو وقف العمل به، على الأقل في المرحلة الحالية، لما سيترتب على ذلك من عواقب وخيمة على مصالح إيران. 

ومن هنا، استعاضت إيران عن ذلك بتخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي، مع عدم الانسحاب منه في الوقت نفسه، وتقليص نفوذ التيار الذي كان مؤيداً له بشكل كبير، بالتوازي مع تحميله المسؤولية عمّا آلت إليه الأزمة الاقتصادية التي تواجهها إيران بسبب العقوبات الأمريكية، وعلى رأسه الرئيس السابق حسن روحاني، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، ومساعد وزير الخارجية رئيس وفد التفاوض النووي السابق عباس عراقجي.

5- تعزيز النفوذ السياسي والديني لرئيسي: لا يبدو أن ترشح رئيسي لانتخابات مجلس الخبراء عن محافظة خراسان كان خطوة المقصود منها هو أن يترشح في الدائرة التي نشأ فيها، بل هي خطوة كانت تهدف إلى ضمان حصوله على المركز الأول في المحافظة، وهو ما لم يكن مضموناً على الأرجح في محافظة طهران، التي شهدت في الدورة السابقة، بداية عام 2016 وخلال الفترة الأولى من الوصول للاتفاق النووي ورفع العقوبات الأمريكية قبل الانسحاب الأمريكي، فوزاً كاسحاً لتيار المعتدلين، حيث جاء في المركز الأول هاشمي رفسنجاني، فيما جاء القيادي البارز السابق في تيار المحافظين الأصوليين رئيس مجلس الخبراء حالياً رئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي في المركز السادس عشر والأخير.

وربما لا يمكن استبعاد أن يكون لدى النظام رغبة في تعزيز النفوذ السياسي والديني لرئيسي داخل مجلس الخبراء في الدورة الجديدة، على نحو قد يكون مقدمة لتأهيله لتولي المنصب الأرفع في إيران وهو المرشد الأعلى للجمهورية في مرحلة ما بعد خامنئي.

الاحتجاج العكسي

اعتبر الرئيس السابق حسن روحاني أن الغرض من استبعاده هو إضعاف المشاركة الشعبية في الانتخابات القادمة، على أساس أن ذلك يمثل مدخلاً لسيطرة تيار المحافظين الأصوليين على مجلسي الشورى والخبراء. ومن هنا، فإن روحاني دعا أنصاره إلى الاحتجاج عكسياً على استبعاده عبر المشاركة في الانتخابات، على أساس أن ارتفاع نسبة المشاركة يصب في صالح تيار المعتدلين، ويخصم من قدرة تيار المحافظين الأصوليين على السيطرة على المجلسين.

ومع ذلك، فإن الإجراءات التعسفية التي تتخذها بعض مؤسسات النظام، ولا سيما مجلس صيانة الدستور، بالتوازي مع تنفيذ بعض أحكام الإعدام بحق بعض المحتجين الذين أدينوا في احتجاجات سبتمبر 2022، كل ذلك قد يكون سبباً في تراجع مستوى المشاركة الشعبية في الانتخابات بالفعل على عكس ما يرغب فيه روحاني نفسه.