تحديات متنامية:
لماذا اتجهت تركيا لتوقيع اتفاقية أمنية مع جيبوتي؟

تحديات متنامية:

لماذا اتجهت تركيا لتوقيع اتفاقية أمنية مع جيبوتي؟



في 19 فبراير الفائت، استقبل وزير الدفاع التركي، يشار غولر، نظيره الجيبوتي، حسن عمر محمد، الذي حل في زيارة رسمية للبلاد، حيث وقع الجانبان عدة اتفاقيات أمنية. وهو ما يطرح تساؤلات حول دوافع البلدين لتوقيع اتفاقية أمنية مع جيبوتي في هذا التوقيت.

دوافع عديدة

عقد الوزيران اجتماعاً ثنائياً أعقبه اجتماع على مستوى الوفود، حضره قائد القوات البرية التركية الجنرال سلجوق بايراكتار أوغلو، حيث وقّع الجانبان ثلاث اتفاقيات أمنية في مجال التدريب العسكري، واتفاقية تعاون مالي عسكري، وبروتوكول تنفيذ المساعدات النقدية، بحسب وزارة الدفاع التركي. لذلك يبدو أن ثمة جملة من الدوافع التي دفعت الجانبين لتوقيع هذه الاتفاقيات مع جيبوتي في هذا التوقيت، ومن أبرزها:

1- تعزيز الحضور التركي عند مدخل البحر الأحمر: يعتبر مراقبون أن الاتفاقيتين اللتين وقعتهما تركيا مع الصومال وجيبوتي تهدفان إلى ضمان وجود تركي عند مدخل البحر الأحمر، حيث تبحث أنقرة عن فرص تجارية جديدة بعد استبعادها من الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. بينما تعتبر أنقرة جيبوتي شريكاً استراتيجياً لها في القرن الأفريقي، بفضل موقعها على طول خليج عدن والبحر الأحمر، وهو ما يمثل إطاراً للتجارة والأمن العالمي. ومن ثمّ فإن الاتفاقية الموقّعة مع جيبوتي تهدف إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين، وزيادة التنسيق والتعاون بينهما بشكل يعزز من الوجود التركي على البحر الأحمر.

2- تضييق الخناق على أرض الصومال بعد توقيعها اتفاقية أمنية مع إثيوبيا: حيث يأتي الاتفاق بين تركيا وجيبوتي بالتزامن مع اتفاق مماثل تم توقيعه في 8 فبراير الجاري بين حكومة أنقرة وحكومة الصومال، وينص على توفير التدريب والمعدات للبحرية الصومالية، لمدة عشر سنوات، وذلك لتمكين الصومال من حماية موارده البحرية ومياهه الإقليمية من تهديدات مثل الإرهاب والقرصنة و”التدخل الأجنبي“. ويبدو أن الاتفاقيتين اللتين وقّعتهما أنقرة مع مقديشو وجيبوتي تستجيب لرغبة مشتركة في تعزيز علاقاتهما مع الحليف التركي، وفي الوقت نفسه يتم تضييق الخناق على أرض الصومال وحليفتها إثيوبيا بعد توقيعهما مذكرة تفاهم تسمح للإثيوبيين بالوصول إلى البحر الأحمر من خلال ميناء بربرة.

وتُمنح إثيوبيا 20 كم من الأراضي على طول ساحل خليج عدن في أرض الصومال لمدة 50 عاماً على الأقل، وبناء قاعدة عسكرية، مقابل منح هرغيسا حصة في شركة الخطوط الجوية الإثيوبية والشركة الإثيوبية، والاعتراف باستقلال أرض الصومال. وبالتالي، ستسمح المذكرة لأديس أبابا بالحصول على منفذ استراتيجي على البحر الأحمر، والاعتماد على موانئ أرض الصومال في استيراد وتصدير البضائع، وتقليل اعتمادها على الموانئ الأخرى وخاصة ميناء جيبوتي، الذي اعتمدت عليه حتى الآن في أكثر من 85% من وارداتها وصادراتها، ومن ثم تعزيز نفوذها الاستراتيجي الإقليمي بشكل كبير على حساب جارتها الصومال، الحليف الرئيس لجيبوتي.

3- زيادة مبيعات السلاح التركي لجيبوتي: فمن شأن توقيع البلدين على ثلاث اتفاقيات أمنية، ولا سيّما اتفاقاً للتعاون في مجال التدريب العسكري، وتسهيل تبادل المعرفة والمهارات بين القوات المسلحة في البلدين، إضافةً إلى التوقيع على اتفاقية تعاون لتوفير الدعم المالي لتمويل احتياجات جيبوتي العسكرية، والتوقيع على بروتوكول تنفيذ المساعدات النقدية التي تقدمها تركيا لجيبوتي؛ أن يعزز من فرص تركيا لزيادة المبيعات العسكرية لجيبوتي، وخاصة مبيعات الطائرات المسيرة التركية. وتشير تقارير عديدة إلى أنه في يونيو 2022، سلمت تركيا مسيرات عسكرية من طراز “بيرقدار تي بي 2” إلى جيبوتي، وتم عرضها لأول مرة خلال احتفال عسكري في الاحتفال الخامس والأربعين لاستقلال جيبوتي.

انعكاسات محتملة

من المتوقع أن يكون للتحركات التركية انعكاساتها على التفاعلات الإقليمية والدولية في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، على النحو التالي:

1- تصاعد التنافس الدولي في منطقة البحر الأحمر: فمن المتوقع أن يثير الوجود العسكري التركي المتنامي في المنطقة ردود أفعال موازية من جانب الدول الأخرى التي لديها وجود عسكري في المنطقة، خاصة أن الاتفاقيات الموقّعة مع جيبوتي والصومال تسمح لتركيا بحماية المياه الساحلية في خليج عدن باستخدام سفن حربية. وبالطبع، سيؤدي ذلك إلى تغيير في التوازنات الاستراتيجية بالمنطقة، الأمر الذي يزيد من احتمالية تصاعد التنافس الدولي، خصوصاً مع تصاعد الاهتمام الدولي بالمنطقة بعد تشكيل القوة المتعددة الجنسيات التي أعلنت الولايات المتحدة عن تشكيلها بهدف التصدي للهجمات الحوثية في البحر الأحمر.

وبالطّبع، فإنّ من شأن الوجود العسكري المتنامي في المنطقة أن يربك خطط تركيا لتعزيز وجودها في جزيرة سواكن السودانية في قاعدة تحرس المجال بين قناة السويس أقصى شمال البحر الأحمر وجيبوتي أقصى جنوبه.وقدنشرت وكالة الأنباء التركية الرسمية تقريراً اعتبر أن القوى الدولية في البحر الأحمر تمثل تهديداً للاستقرار لأنها قد توسع الحرب في قطاع غزة.

2- تصاعد التوترات بين إثيوبيا وجيبوتي: فبينما تتمسك إثيوبيا بحقها في الوصول إلى البحر الأحمر بأي شكل وبأي ثمن، وتُهدد باستخدام القوة إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وهو ما تعتبره دول مثل الصومال وجيبوتي تهديداً لسلامتها الإقليمية يحق معه الدفاع عن أمنها بمختلف الوسائل بما في ذلك التحالف مع قوى خارجية مثل تركيا، في مقابل التوجس الإثيوبي من اتجاه جيبوتي إلى التحالف مع تركيا والصومال باعتباره تحالفاً موجهاً ضدها، وهو الأمر الذي يُعزز من احتمالات تصاعد التوترات بين إثيوبيا وجيبوتي.

3- زيادة حدة الصراعات والاستقطابات في منطقة القرن الأفريقي: حيث يبدو أن ثمة تقارباً بين جيبوتي والصومال في مقابل التقارب بين إثيوبيا وأرض الصومال، ورغم أن تركيا لم تعترف بصورة رسمية بأرض الصومال، لكنها حافظت على علاقات جيدة معها، غير أن تقاربها مع الصومال وجيبوتي من المتوقع أن يُبقي على علاقات متوترة مع أرض الصومال. وفي الوقت نفسه، لا يستبعد مراقبون أن تتصاعد حدة التوترات بين إثيوبيا والصومال لدرجة المواجهة المسلحة، أو أن يؤدي تمسك أرض الصومال بموقفها إلى اشتباكات عسكرية بين الجانبين على جانب الحدود، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى تورط إثيوبيا وتركيا في صراع ممتد في المنطقة.

تنافس دولي

ختاماً، يمكن القول إن أنقرة تعمل على تعزيز حضورها في منطقة القرن الأفريقي، وتوظف أدواتها العسكرية لتوسيع وجودها في المنطقة، وتستغل الوضعية السياسية والأمنية لتحقيق أهدافها، وخاصة احتياجات الدول الصغيرة مثل جيبوتي والدول التي تمر بأزمات أمنية مثل الصومال، والتي تتمتع في الوقت نفسه بموقع استراتيجي على البحر الأحمر. لذلك تُولِي أنقرة أهمية كبيرة لتعزيز علاقاتها مع جيبوتي، ومع ذلك من المتوقع أن تثير التحركات التركية تنافساً دولياً في منطقة البحر الأحمر، وخاصةً بعد تنامي التحركات العسكرية الدولية في البحر الأحمر بعد تصاعد هجمات الحوثيين على السفن التجارية والحربية، وتصاعد التوترات بين إثيوبيا وجيبوتي بسبب انحيازها ودعمها للموقف الصومالي، بجانب تصاعد حدة الانقسامات والاستقطابات في منطقة القرن الأفريقي، ولا سيما بين الدول الموالية لتركيا مثل الصومال وجيبوتي والدول المتحالفة مع إثيوبيا مثل أرض الصومال.