مسار جديد:
لماذا ألغت النيجر اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة؟

مسار جديد:

لماذا ألغت النيجر اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة؟



يكشف قرار النيجر، في 16 مارس الجاري، إلغاء اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية عن توجهها نحو إجراء تغيير في سياستها الخارجية باتجاه تعزيز العلاقات مع روسيا والصين، حيث يأتي هذا القرار بعد سلسلة من الخطوات التي ألغيت بمقتضاها الاتفاقيات الأمنية والعسكرية الموقّعة مع بعض الدول الأوروبية، لا سيما فرنسا.

وكان لافتاً أن القرار اتخذ عقب زيارة قام بها وفد أمريكي إلى نيامي، في 13 مارس الجاري، وضم مساعدة وزير الخارجية للشئون الأفريقية مولي في، والمسئولة بوزارة الدفاع الأمريكية سيليست والاندر، والقائد الأعلى للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا “أفريكوم” مايكل لانغلي. وقد هدفت الزيارة إلى مواصلة المناقشات التي بدأت منذ أغسطس الماضي مع الجيش في النيجر حول العودة إلى طريق الديمقراطية ومستقبل الشراكة في مجال الأمن والتنمية.

دوافع عديدة

أكد المتحدث باسم الحكومة النيجرية، أمادو عبر الرحمن، في بيان عبر التلفزيون الرسمي، في 16 مارس الجاري، أن “حكومة النيجر، آخذة طموحات الشعب ومصالحه في الاعتبار، تقرر بكل مسئولية أن تلغي بمفعول فوري الاتفاق المتعلق بوضع الطاقم العسكري للولايات المتحدة الأمريكية والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأمريكية على أراضي النيجر”. ويمكن القول إن ثمة دوافع عديدة تقف خلف قرار الحكومة العسكرية في النيجر باتخاذ هذا القرار في هذا التوقيت، يتمثل أبرزها في:

1- استمرار غموض الموقف الأمريكي: تأتي هذه الخطوة بعد مغادرة وفد أمريكي برئاسة مساعدة وزير الخارجية للشئون الأفريقية مولي في، حيث لم يتمكن هذا الوفد الذي بقى في نيامي ثلاثة أيام من لقاء الجنرال عبد الرحمن تشياني قائد النظام العسكري، وأكد المتحدث باسم الحكومة النيجرية أن “وصول الوفد الأمريكي لم يحترم الأعراف الدبلوماسية، وأن الحكومة الأمريكية أبلغت نيامي من جانب واحد بموعد وصول الوفد وبتشكيلته”. فيما أكد المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأمريكية، ماثيو ميلر، عبر منصّة “إكس” أن واشنطن أخذت علماً ببيان النظام العسكري في نيامي، وأنّه جاء بعد “مناقشات صريحة (…) بشأن مخاوفنا حيال مسار المجلس العسكري”.

وفي واقع الأمر، اتسم موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الانقلاب الذي وقع في 26 يوليو الماضي بالغموض، حيث لم تُبْدِ موقفاً واضحاً تجاه القادة العسكريين الجدد في النيجر، كما استمرت العلاقات مع الحكومة الانتقالية، وذلك لأن واشنطن كانت تحاول تجنب أية تداعيات سلبية قد يفرضها اتخاذ قرار مناوئ للانقلاب على وجودها العسكري وقاعدتها العسكرية، والتي تعتمد عليها في جمع المعلومات الاستخباراتية عن المنطقة. بينما كانت السلطات العسكرية تبدي قلقاً من الموقف الأمريكي، وتخشى أن يؤثر هذا الوجود العسكري على علاقاتها مع موسكو.

2- التوجه نحو الاصطفاف مع روسيا: يكشف هذا القرار عن توجه النيجر نحو تعزيز التعاون مع روسيا في سياق التنافس الأمريكي-الروسي في المنطقة. وقد عبرت الولايات المتحدة الأمريكية في أكثر من مناسبة عن انزعاجها من الوجود الروسي في المنطقة، وحذرت من التعاون مع مليشيا “فاجنر”. كما أن هذا القرار يأتي بعد فترة وجيزة من زيارة رئيس الوزراء النيجري، علي لامين زين، إلى موسكو لإجراء مباحثات من أجل تعزيز التعاون بين البلدين. ويبدو أن الجانبين توصلا إلى صفقة أمنية وسياسية تضمن مصالح روسيا، ربما لم تكن بعيدة عن قرار النيجر بإلغاء اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية.

3-  توسيع نطاق التعاون مع الصين: تعكسالتوترات الناجمة عن الأزمة في نيامي وعدم الاستقرار العام في منطقة الساحل عدم ثقة الدول الأفريقية تجاه أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ففي الوقت الذي تطالب فيه النيجر ومالي وبوركينافاسو القوات الغربية بمغادرة أراضيها، تُبدي انفتاحاً على تعزيز العلاقات مع روسيا والصين. وكان لافتاً أن بكين وجهت دعوات مستمرة لنيامي من أجل حل الأزمة سياسياً، بالتوازي مع سعيها إلى الانخراط دبلوماسياً في شئون منطقة الساحل بهدف توسيع نطاق التعاون مع الحكومات الأفريقية في مجال الأمن، وإثبات القدرة على المساهمة بشكل أكبر في استقرار المنطقة.

تداعيات محتملة

من المتوقّع أن يُثير هذا القرار ردود فعل متباينة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والقوى المنافسة لها في المنطقة، وخاصة روسيا، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1-  انسحاب محتمل للقوات الأمريكية: قد يمهد إنهاء العمل باتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى مطالبتها بسحب قواتها من البلاد،وإنهاءاتفاق “القاعدة الجوية 201” المخصصة لتشغيل الطائرات من دون طيار التي توفر قدرات استخباراتية واستطلاعية ورقابية وهجومية. وفي يوليو الماضي، توقّع العديد من المسئولين الأمريكيين أن تبدأ الولايات المتحدة الأمريكية في سحب قواتها من النيجر، وهو الأمر الذي سيمثل تغييراً كبيراً في الوجود العسكري الأمريكي في البلاد بعد الانقلاب الذي وقع في النيجر في 26 يوليو الماضي.

2- تأسيس قواعد في دول خليج غينيا: يبدو أن هذا القرار لم يكن مفاجِئاً للولايات المتحدة الأمريكية التي اتجهت خلال الفترة الأخيرة نحو إجراء مباحثات مع دول خليج غينيا من أجل بناء قواعد للطائرات من دون طيار في مطاراتها، ومن ثم يتوقع أن تتجه واشنطن إلى إعادة نشر قواتها وقاعدتها العسكرية في إحدى دول خليج غينيا، مثل غانا وساحل العاج وتوجو وبنين.

3-  فرض عقوبات على نيامي: يُتوقع أن تتجه واشنطن إلى التصعيد ضد نيامي من خلال فرض عقوبات لممارسة ضغوط عليها. وقد تصدر بيانات واضحة تعتبر الحكومة العسكرية “غير شرعية”، وتوجه انتقادات لسجلها في انتهاك حقوق الإنسان والممارسات غير الديمقراطية، وتطالبها بوضع جدول زمني محدد للفترة الانتقالية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة من أجل نقل السلطة إلى حكومة مدنية.

4-  بناء قاعدة روسية جديدة: لا يمكن استبعاد أن تكون النيجر قد توصلت إلى صفقة مع روسيا تسمح للأخيرة ببناء قاعدة عسكرية في البلاد مع نشر قوات “الفيلق الأفريقي” في النيجر. إذ أعلنت وزارة الدفاع الروسية خلال الفترة الأخيرة عن تشكيل هيكل عسكري جديد تحت اسم “الفيلق الأفريقي” وذلك لنشره في منطقة الساحل وفي الدول الصديقة لروسيا، وخاصة النيجر ومالي وبوركينافاسو، وكذلك أفريقيا الوسطى وليبيا.

ختاماً، يبدو أن القرار الذي اتخذته النيجر بإلغاء اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية سوف يفرض ضغوطاً قوية على الوجود الأمريكي في غرب أفريقيا، على نحو قد يدفع الولايات المتحدة الأمريكية نحو إعادة صياغة سياستها إزاء التطورات التي تشهدها تلك المنطقة. إلا أن ذلك في مجمله سوف يرتبط، في كل الأحوال، بالنتائج التي سوف تسفر عنها الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي سوف تجرى في 5 نوفمبر القادم.