تهديد جديد:
لماذا استخدام الحوثي الغواصات في هجمات البحر الأحمر؟

تهديد جديد:

لماذا استخدام الحوثي الغواصات في هجمات البحر الأحمر؟



إن إعلان زعيم المليشيا عن إدخال سلاح الغواصات في عملياتهم خلال الفترة المقبلة يحمل مجموعة من الدلالات، يأتي من أبرزها: إظهار القدرات العسكرية المتطورة للمليشيا الحوثية، وتعزيز العمليات الحوثية ضد البوارج الغربية في البحر الأحمر، وإحداث حالة من الارتباك في صفوف القوات الأمريكية، وإشغال أمريكا بمعركة التهديد تحت الماء لتقليل الغارات الجوية على اليمن، وحرص إيران على إنجاح المعارك الحوثية ضد أمريكا بالبحر الأحمر، والتقليل من تأثير فاعلية التصنيف الأمريكي للمليشيا كـ”جماعة إرهابية”.

فقد هدد زعيم المليشيا “عبدالملك الحوثي” في كلمة متلفزة، في 22 فبراير 2024، بمزيدٍ من التصعيد في البحر الأحمر وخليج عدن رداً على التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، متوعداً باستخدام سلاح “الغواصات المسيرة” في هجماتهم على السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية، وأضاف قائلاً: “لقد أدخلنا سلاح الغواصات في المواجهة في البحر الأحمر، وهو سلاح يقلق العدو”، وهو ما يثير التساؤلات بشأن هذا التهديد الجديد للملاحة البحرية.

وتجدر الإشارة إلى أن سلاح الغواصات المسيرة هو عبارة عن أنظمة روبوتية تعمل تحت الماء دون تدخل بشري (بمعنى أنه سفينة تحت الماء بدون قبطان)، ويختلف استخدامه ما بين البحث العلمي أو تنفيذ مهام عسكرية وأمنية، كما أنه يملك أجهزة استشعار ونظام تحديد المواقع وأنظمة الملاحة، ويمكن برمجته للتنقل لمسافات شاسعة في البحر، وفي أوقات كثيرة يصعب رؤيته أو حتى استهدافه تحت الماء، وفقاً لـ”ميك مولروي” محلل الأمن القومي والدفاع في شبكة ABC News، وهو مسؤول سابق في البنتاغون وعميل لوكالة المخابرات المركزية، الذي أفاد بأن “اكتشاف وتدمير المركبات البحرية المسيرة الغاسطة أو التي تسير على سطح الماء أكثر صعوبة من اكتشاف الطائرات المسيرة والصواريخ المضادة للسفن”.

دلالات متعددة

وفي ضوء ما تقدم، يمكن القول إن إعلان زعيم المليشيا الحوثية عن استخدام “الغواصات المسيرة” في هجماتهم على السفن يحمل عدداً من الدلالات التي يمكن إيضاحها على النحو التالي:

1- إظهار القدرات العسكرية المتطورة للمليشيا الحوثية: يسعى زعيم الجماعة الانقلابية من وراء الإعلان عن “سلاح الغواصات” لتسليط الضوء على الأسلحة العسكرية المتطورة التي تمتلكها المليشيا الحوثية وقدرتها على تغيير مجريات الأمور لصالحها، وإيصال رسالة مفادها أنه رغم الحرب اليمنية التي دخلت عامها العاشر والغارات الغربية المستمرة على أهداف حوثية في اليمن؛ إلا أن الجماعة تحرز تقدماً في تطوير قدراتها العسكرية والقول بأنها تمتلك ليس فقط الصواريخ والطائرات المسيّرة والقوارب العسكرية بل أيضاً الغواصات المسيرة في عملياتها البحرية، لذلك عقب إعلان زعيم المليشيا اتجه مسؤولو وإعلام الحوثي إلى نشر عدة صور لغواصات، إحداها لغواصة أطلقوا عليها اسم “منتقم” في إشارة إلى ما تشهده المنطقة.

وجدير بالذكر أن المليشيا الحوثية استولت على أسلحة الجيش اليمني عندما سيطروا على العاصمة صنعاء والمناطق المحيطة بها، وبعد ذلك بدأوا في تصنيع صواريخ ومدرعات ومسيرات، هذا بجانب الدعم الإيراني المستمر لهم على تطويرهم بل وإمدادهم بالأدوات اللازمة للتصنيع، وقد سبق وكشفت عدة تقارير استخباراتية أمريكية أن المليشيا تمتلك طائرات مسيرة طويلة المدى (إيرانية الصنع) قادرة على ضرب أهداف تصل إلى مسافة 1500 ميل، بجانب ترسانة من الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى، بما في ذلك صاروخ “عاصف” الباليستي المضاد للسفن الذي تم إطلاقه على أهداف عدة في البحر الأحمر.

2- تعزيز العمليات الحوثية ضد البوارج الغربية في البحر الأحمر: تسعى الجماعة الانقلابية من جراء إدخال سلاح جديد في هجماتها على السفن، سواء في البحرين الأحمر أو العربي وفي مضيق باب المندب وخليج عدن، إلى تعزيز عملياتهم خاصة ضد السفن الإسرائيلية والأمريكية وأيضاً البريطانية، في محاولة للضغط عليهم لوقف الغارات الغربية على أهداف الحوثيين من جهة، ووقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتأثير على اقتصادات هذه الدول من جهة أخرى، وهو ما يفسر سبب إعلان زعيم المليشيا في كلمته الأخيرة استهداف قواته حتى 22 فبراير الماضي (48) سفينة مختلفة في البحرين العربي والأحمر، مشيراً إلى أن القوات أطلقت 183 صاروخاً وطائرة مسيرة على أهداف إسرائيلية، ومضيفاً أن هذه العمليات تصاعدت كمّاً ونوعاً، وتم تفعيل الصواريخ والطائرات المسيّرة والقوارب العسكرية، مما أدى إلى إيقاف 40% من حركة العدو التجارية البحرية وأثر عليه في انكماش اقتصاده وتراجع صادراته ووارداته.

3- إحداث حالة من الارتباك في صفوف القوات الأمريكية: لا شك أن إدخال الحوثيين سلاحاً جديداً متطوراً وذا تأثير كسلاح “الغواصات المسيرة” من الممكن أن يُحدث حالة من الارتباك في صفوف القوات الأمريكية، وهو ما تريده تلك الجماعة، لذا فإن إعلان زعيم المليشيا عن هذا السلاح جاء بعد أيام قليلة مما أعلنته القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” في بيان لها في 19 فبراير الماضي، مشيرة إلى “إحباط القوات الأمريكية “أول” استخدام ملحوظ من الحوثيين لمركبة تحت الماء غير مأهولة (unmanned underwater vessel (UUV منذ بدء الهجمات في أكتوبر الماضي”، وهو ما يعني أن هذه هي المرة الأولى التي تلاحظ فيها القوات الأمريكية استخدام الحوثيين لسفينة مسيرة تحت الماء منذ بدأت هجماتهم على السفن التجارية التي تمر عبر البحر الأحمر في 23 أكتوبر الماضي، ولذلك فإن إدخال المليشيا لهذه الغواصات قد يزيد من تعقيدات المواجهة بين القوات الأمريكية والحوثية نظراً لكون كشف الغواصات المسيرة أصعب بكثير من اكتشاف الطائرات المسيرة.

4- إشغال أمريكا بمعركة التهديد تحت الماء لتقليل الغارات على اليمن: إن إعلان الحوثيين بشكل رسمي عن امتلاكهم لسلاح الغواصات، بل واستخدامه في هجماتهم على السفن خلال الفترة المقبلة، يشير إلى رغبة المليشيا في ممارسة مزيد من الضغوط على أمريكا، ومحاولة إشغالها باكتشاف هذه الغواصات المسيرة، والتفكير في وضع ما يمكن أن نسميه بـ”استراتيجيات دفاع عن بعد لتجنب الغواصات المسيرة” التي تمتلك القدرة على الوصول إلى أهداف محددة وإصابتها بدقة عبر نظام تحديد المواقع (جي بي إس)، لذا فهي تشكل خطراً على السفن المتوقفة أو التي تسير ببطء، وهو ما قد يشمل السفن التي تعبر باتجاه البحر الأحمر بسبب ضيق باب المندب والازدحام في هذا الممر المائي الهام. ويأمل الحوثي أن يسهم ذلك في وقف، أو على أقل تقدير تقليل، الغارات الأمريكية المتواصلة على أهداف حوثية في اليمن.

5- حرص إيران على إنجاح المعارك الحوثية ضد أمريكا بالبحر الأحمر: عقب الإعلان الحوثي عن “سلاح الغواصات” فقد رجّح عددٌ من المراقبين وجود احتمال كبير لأن تكون “إيران” المصدر الرئيس لهذا السلاح، نظراً لأن القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” سبق وأعلنت في يناير الماضي ومنتصف فبراير 2024 عن مصادرة خفر السواحل الأمريكي شحنةً من الأسلحة التقليدية المتطورة وغيرها من المساعدات الفتاكة مصدرها إيران ومتجهة إلى المناطق التي يُسيطر عليها الحوثيون في اليمن من على سفينة في بحر العرب، مشيرةً إلى أن الشحنة تحتوي على أكثر من 200 حزمة تشمل مكونات صواريخ ومتفجرات وأجهزة أخرى، وكانت مكونات الغواصات من ضمن الشحنة، ولذلك قال قائد سنتكوم “مايكل إريك كوريلا”: “استمرار نشاط إيران الخبيث في إمداد الحوثيين بالأسلحة التقليدية المتقدمة، يستمر في تقويض سلامة الشحن الدولي والتدفق الحر للتجارة”.

وعليه، فإن إمداد طهران التي تمتلك خبرة في تطوير قوارب مسيرة انتحارية لوكيلها في اليمن بسلاح الغواصات يكشف عن رغبتها الملحة في وضع استراتيجية جديدة تهدف للتركيز على ضرب سفن بحرية أمريكية، في محاولة إيرانية لامتلاك “ورقة قوة وضغط” تستخدمها ضد واشنطن في أية مفاوضات أو نقاشات مقبلة، وفي الوقت ذاته الحد من تأثير الضربات الدفاعية الأمريكية على الحوثيين؛ إذ تدرك طهران أن نجاح واحد أو أكثر من هذه الأسلحة في اختراق البحارة الأمريكيين وقتلهم، يمكن أن يغير “موازين الأوضاع في المنطقة”.

معدات الغواصة المسيرة محددة في إطار باللون الأحمر في شحنة الأسلحة التي صادرها خفر السواحل الأمريكي

6- التقليل من تأثير فاعلية التصنيف الأمريكي للمليشيا كـ”جماعة إرهابية”: إن الإعلان عن سلاح جديد هو رد غير مباشر من الجماعة الانقلابية على قرار تصنيف أمريكا لهم كـ”منظمة إرهابية” الذي دخل حيز التنفيذ في 17 فبراير الجاري بعد شهر من منح واشنطن الجماعة المتمردة مدة شهر لوقف هجماتهم على السفن مقابل إلغاء قرار التصنيف؛ إلا أن الأخيرة لم تستجب لذلك، مشددة على أنها مستمرة في هجماتها على الملاحة الإسرائيلية حتى رفع الحصار ووقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وعليه، يريد الحوثي القول إن تصنيفهم كإرهابيين لن يمنعهم من تطوير قدراتهم العسكرية واستخدام أسلحتهم المتطورة في صد أية هجمات غربية على اليمن.

ورقة ضغط

خلاصة القول، إن المليشيا الحوثية تسعى من جراء التهديد باستخدام سلاح “الغواصات المسيرة” في هجماتهم على السفن بالبحر الأحمر، إلى تكثيف أوجه الضغط على الصعيدين الإقليمي والدولي، بجانب كسب أوراق قوة في أية مفاوضات مقبلة خاصة بتسوية الأزمة اليمنية نظراً لكون ذلك التصعيد سيطال المنطقة بأكملها، مما قد يدفع بعض دول المنطقة خاصة دول التحالف العربي إلى التدخل خلال الفترة القادمة، ومطالبة إيران بوقف إمداد المليشيا الحوثية بهذه الأسلحة المتطورة لمنع زعزعة أمن واستقرار المنطقة. وفي الوقت ذاته، قد تسلك واشنطن طريقين، أحدهما دبلوماسي بدفع مبعوثها الخاص لليمن “تيم ليندركينج” لتكثيف تحركاته بالمنطقة للضغط على المليشيا لوقف هجماتها، والطريق الآخر عسكري بزيادة مراقبة تحركات القوات الحوثية وأنشطة الجماعة داخل وخارج اليمن.