اعتبارات متنوعة:
لماذا أطلقت تركيا عملية “أرن شتاء 1” ضد حزب العمال الكردستاني؟

اعتبارات متنوعة:

لماذا أطلقت تركيا عملية “أرن شتاء 1” ضد حزب العمال الكردستاني؟



أعلنت تركيا، في 9 نوفمبر الجاري، عن شن عملية عسكرية جديدة “أرن الشتاء 1” (نسبة إلى الشاب التركي أرن بلبل الذي قُتل على يد عناصر من التنظيم في 11 أغسطس 2017)، لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني في ولاية شرناق جنوب شرقي البلاد وقرب الحدود السورية العراقية، بمشاركة 1550 عنصر أمن. وعلى خلاف عمليات “مخلب النمر، ومخلب النسر، ويلدريم”، وغيرها، التي شنتها تركيا في الشهور الماضية خارج حدودها؛ تسعى أنقرة إلى محاصرة قدرات الحزب، وتحييد عناصره في الداخل. وتأتي “أرن الشتاء 1” بعد أسابيع على تهديدات تركية بشن عملية عسكرية ضد وحدات الشعب الكردية، “قوات سوريا الديمقراطية”، وبالتزامن مع تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 6 نوفمبر الجاري بتخليص تركيا من حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، ووصف الرئيس التركي خلال خطاب ألقاه في محافظة باتمان الحزب الكردي نفسه، ثالث أكبر حزب في البلاد في البرلمان، بـ”دمية” حزب العمال الكردستاني المحظور.

نطاق الاشتباك

بحسب تصريحات وزارة الداخلية التركية فإن الهدف الرئيسي هو ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني المصنف تركياً كمنظمة إرهابية، دون الإشارة إلى تفاصيل حول هذا الأمر. لكن بحسب المعطيات الميدانية الأولية، يبدو أن تركيا بصدد شن عملية واسعة لن تقتصر على النطاق المعلن عنه في محافظة شرناق. فوفقاً للتصريحات الرسمية للقادة الأمنيين الأتراك، فإن العملية ستمتد في عمق المحافظات الكردية، وتهدف إلى إخراج التنظيم بالكامل من أجندة تركيا، واستهداف الدعم اللوجستى للأكراد، وهوما يكشف عنه استهداف العملية بالأساس محافظة شرناق القريبة من الحدود السورية العراقية، حيث تنشط إلى جانب الأولى قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وبجانب الثانية عناصر العمال الكردستاني. ووفقاً للبيانات الرسمية التركية، فإن قوات الأمن (التابعة لوزارة الداخلية) هي التي تتولى العملية بحدود ما يقارب 1550 عنصراً من قوات الدرك والشرطة والحراس الأمنيين. لكن -في المقابل- فإن التقارير الإعلامية تكشف أن العملية تضم قوات متخصصة تابعة لوزارة الداخلية.

مواقف كاشفة

تكشف مواقف حكومة العدالة والتنمية وحسابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن خلفيات سياسية معقدة تعكس أهداف إطلاق العملية “أرن شتاء 1” من حيث التوقيت. فعلى الرغم من أن الحكومة التركية افتتحت في يوليو الماضي، ونوفمبر الجاري، عدداً من المشروعات التنموية، وتصاعد الأنباء عن تكليف الرئيس أردوغان جهاز المخابرات بإدارة جولة جديدة من المفاوضات السرية من أجل عملية سلام مع الأكراد، بعد جولة مماثلة كانت بدأت في عام 2009 وأطلق عليها (الانفتاح الديمقراطي) أو (الانفتاح الكردي).

لكن عملياً يسعى الرئيس التركي إلى إنهاء وجود حزب العمل الكردستاني في جنوب شرق البلاد، وكافة الكيانات السياسية المرتبطة به، وبخاصة حزب الشعوب الديقراطي، وهو ما عزز خيار التوجه الأمني، واستمرار عسكرة الأزمة الكردية، والتي انعكست في ارتفاع مستوى التدخلات العسكرية في المحافظات الكردية طوال الشهور التي خلت لملاحقة عناصر الكردستاني. وأكدت الحكومة التركية أن العملية الأمنية الراهنة في جنوب شرق البلاد تأتي رداً على هجمات ينفذها التنظيم داخل تركيا بين حين وآخر، مستهدفاً المدنيين وعناصر الأمن والجيش.

واللافت -في هذا السياق- أيضاً أن ثمة جدلاً تصاعد حول العملية الأمنية “أرن شتاء 1” في الداخل التركي، إذ انتقد مراقبون أتراك من المعارضة الموقف الرسمي من باب تفسير دافع الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي قال قبل أيام من إطلاق العملية الأمنية إنه “سيقضي على حزب الشعوب الديمقراطي”، حيث اعتبروا أنها رسالة تهدف إلى تقوية التحالف مع الأحزاب القومية، خاصة حزب “الحركة القومية” بقيادة دولت بهجلي، الذي يدعم العملية.

وبالتزامن مع هذا الهجوم، كان كيليجدار أوغلو (رئيس حزب الشعب الجمهوري) قد وصف مؤخراً حزب الشعوب الديمقراطي بأنه “نظير شرعي” في حل المسألة الكردية، كما عارض “الشعب الجمهوري”، وحزب المستقبل بقيادة أحمد داود أوغلو، وعلي بابا جان رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، في وقت سابق، مشروع قانون تقدم به حزب الحركة القومية يسمح بإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.

أهداف مختلفة

تكشف العملية العسكرية التركية، إلى جانب التصريحات الخاصة بالعملية، أن القوات المشاركة بصدد إقامة طويلة الأمد في المنطقة، ولا سيما بعد تصريحات الرئيس التركي في نوفمبر الجاري التي أكد فيها استمرار حكومته في مواصلة استئصال الأكراد، وإضعاف جبهتهم، وكان بارزاً هنا تركيز أردوغان على محاصرة وضرب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي من خلال سجن قادته، وإقالة رؤساء بلدياته المنتخبين، فضلاً عن اتخاذ خطوات إجرائية على صعيد حظر الحزب قانونياً، وكذلك ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني. وتسعى تركيا إلى تحقيق أهداف عديدة من العملية العسكرية الحالية يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تحجيم نفوذ أكراد الداخل: تُشير التحركات العسكرية التركية الأخيرة جنوب شرق البلاد إلى أن أنقرة لا تسعى فقط إلى توظيف الحملة العسكرية الحالية لتقليص مستوى تهديد تمدد حزب العمال الكردستاني جنوب شرق البلاد، والذي يحمل تداعيات المباشرة على تركيا، بقدر ما تسعى إلى محاصرة شعبية حزب الشعوب الديمقراطي في الحياة السياسية التركية، وتقليم أظافره قبيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقرر لها 2023. في المقابل، فإن الرئيس التركي لا يزال بحاجة إلى توظيف الانخراط في المواجهة مع الأكراد لأهداف سياسية في الداخل، فالعملية العسكرية الراهنة لا تبدو بعيدة عن رغبة حزب العدالة والتنمية في كسر الزخم السياسي المتصاعد للرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش المعتقل على خلفية اتهامه من قبل الحكومة في عدد واسع من القضايا السياسية.

2- شيطنة قوى المعارضة وخاصة “تحالف الأمة”: لا تنفصل العملية العسكرية الحالية عن محاولات حزب العدالة والتنمية توظيف العنف ضد حزب العمال الكردستاني لتعويض التراجع الحادث في رصيده التقليدي في أوساط المتشددين، وكسب ود القوميين الأتراك. لكنّ البعد الأهم في العملية العسكرية يرتبط بسياقات شيطنة المعارضة، وبخاصة تحالف الأمة، الذي بدأ هو الآخر توظيف القضية الكردية لتعزيز حضوره في الشارع التركي، وتحقيق مزيد من الاختراق في القواعد التقليدية الداعمة للسلطة الحاكمة.

وتصاعد قلق الرئيس التركي مؤخراً من نجاحات المعارضة في استثمار القضية الكردية، فقد أشار حزب الشعب الجمهوري -المعارض الرئيسي- وحزب “الخير”، مؤخراً، إلى أنهما يمكنهما التراجع عن تقاربهما مع حزب الشعوب الديمقراطي إذا لم يعلن تمايزه عن العمال الكردستاني، وشدد رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو، بدوره، على أهمية محاربة حزب العمال الكردستاني، وتعهد “بتدمير حزب العمال الكردستاني في كهوف قنديل”. ويعي الرئيس التركي أن موقف المعارضة الأخير تجاه حزب العمال الكردستاني كان مقصوداً، ويستهدف بالأساس عدم إعطاء الحزب الحاكم أية ذريعة قد يستخدمها باتهام المعارضة بعدم الاصطفاف وراء جهود الدولة في محاربة حزب تصنفه تركيا ودول أخرى منظمة إرهابية.

3- عرقلة المشروع المحتمل لإقامة دولة كردية: تواجه تركيا تحديات غير مسبوقة لتنفيذ تهديداتها بشن عملية عسكرية رابعة في الشمال السوري في الوقت الحالي، حيث ترفض موسكو وواشنطن أية تحركات عسكرية تركية. كما تواجه أنقرة معارضة شديدة من حكومة الكاظمي حيال تدخلاتها بشمال العراق تحت دعاوى مواجهة حزب العمال الكردستاني. في هذا السياق، فإن عملية “أرن شتاء 1” قد تسعى إلى جانب استهداف مواقع انتشار حزب العمال الكردستاني في الداخل التركي، لكسر قنوات التواصل بين المراكز الكردية في تركيا وسوريا وإيران والعراق، بشكل يمكن أن يساهم في تقويض المشروع المحتمل لإقامة دولة كردية في تلك المناطق على المدى الطويل، خاصة وأن التطورات الأمنية التي تشهدها المنطقة في الوقت الحالي، وأهمها استمرار الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية، وزيادة مساحات التفاهم بين حكومة بغداد وإقليم كردستان العراق، ناهيك عن تصاعد أزمات الداخل الإيراني، وتعقد علاقاتها مع القوى الغربية؛ تعزز طموح الأكراد تجاه هذا المشروع.

توظيف متعدد

ختاماً، يمكن القول إن إطلاق عملية “أرن شتاء 1” في عمق جنوب شرق تركيا، وقرب الحدود التركية مع سوريا والعراق؛ يشير إلى مساعي حكومة العدالة والتنمية إلى توظيف الانخراط في المواجهة مع الأكراد لأهداف سياسية في الداخل، وأهمها محاصرة نفوذ التيار الكردي، وإفشال محاولات المعارضة التركية في توظيف القضية الكردية سياسياً لمصلحة زيادة حضورها في الشارع التركي الذي ينتظر استحقاقاً انتخابياً مفصلياً في عام 2023.