دوافع متعددة:
لماذا أجرى “رشاد العليمي” تعديلات هيكلية على السلطة الشرعية باليمن؟

دوافع متعددة:

لماذا أجرى “رشاد العليمي” تعديلات هيكلية على السلطة الشرعية باليمن؟



أقدم رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني “رشاد العليمي” للمرة الأولى منذ تسلمه السلطة في أبريل 2022، على إجراء حزمة من التعديلات على مستوى الوزراء والمحافظين ومديري الأمن، وهو ما يعد استكمالاً لمهام المرحلة الانتقالية التي يقودها المجلس المؤلف من ثمانية أعضاء على الصعد كافة، وهو ما يمكن تفسيره استناداً لجملة من الدوافع منها: دعم التماسك بين أعضاء المجلس الرئاسي، وتعزيز وحدة المؤسسة العسكرية، واتخاذ تدابير لإعادة بناء القدرات الاقتصادية، وإبعاد الموالين لجماعة الإخوان عن العملية السياسية، إضافة إلى الاستجابة للضغوط الدولية الداعية لتمديد الهدنة الأممية للمرة الثالثة أملاً في إحلال السلام والاستقرار بالأراضي اليمنية.

تأتي التعديلات الوزارية الجديدة في حكومة “معين عبدالملك” التي تم إصدارها بقرار جمهوري مساء 28 يوليو 2022 أي بعد حوالي مائة يوم من تشكيل المجلس الرئاسي الذي يحظى بدعم دولي واسع، وسط توقعات يمنية متفائلة بشأن تمديد الهدنة الأممية التي ستنتهي في 02 أغسطس 2022، وشملت تغيير أربع حقائب وزارية، فقد تم تعيين الفريق “محسن الدرعي” وزيراً للدفاع، كما عُين “سعيد الشماسي” وزيراً للنفط، و”سالم العبودي” وزيراً للأشغال العامة، و”مانع بن يمين” وزيراً للكهرباء. كما أصدر “العليمي” مرسوماً جمهورياً تم بموجبه تعيين وزير الدفاع الأسبق “محمد المقدشي” مستشاراً لرئيس مجلس القيادة الرئاسي لشؤون الدفاع والأمن، إضافة إلى تعيين “مبخوت بن مبارك” محافظاً جديداً لمحافظة حضرموت، و”رأفت علي إبراهيم الثقلي” محافظاً لمحافظة سقطرى.

وفي ظل هذه التطورات، يمكن القول إن هناك مجموعة من الدوافع وراء حركة التعديلات الجديدة، من أبرزها ما يلي:

احتواء الانقسامات

1- دعم التماسك السياسي بين أعضاء المجلس الرئاسي: أراد “العليمي” من جراء تلك التعديلات تقوية الروابط بين أعضاء المجلس، خاصة أنه خلال الفترة الماضية كشفت مصادر مطلعة عن وجود خلافات وانقسامات بين أعضاء المجلس وبعض المحافظين بشأن السيطرة على بعض الأراضي وترتيب هرم القيادات، حيث إن عدداً من المحافظين -خاصة بمحافظتي مأرب وحضرموت- استعانوا بشبكات عسكرية واقتصادية ساهمت في فرض سيطرتهم على الأرض بحكم الأمر الواقع دون الرجوع للحكومة الشرعية، وهذا ما دفع “العليمي” إلى لملمة مجلسه وتصحيح الأوضاع من جديد، للعمل على معالجة الفساد وسوء إدارة الأزمات التي تمر بها البلاد، ووضع حد للحرب الدائرة في اليمن منذ أكثر من سبع سنوات، لأن وجود مجلس غير متماسك سيؤثر بالسلب على آلية اتخاذ القرارات الهامة، وسيفشل إما في تشكيل تحالف قوي يواجه الحوثيين وأجندتهم التوسعية، أو التوصل إلى اتفاق مع تلك المليشيا الانقلابية لإحلال السلام بالأراضي اليمنية.

ضغوط دولية

2- تلبية مطالب واشنطن بشأن تمديد الهدنة الأممية: تأتي تلك التعديلات في هذا التوقيت تحديداً استجابة للضغوط الدولية عامة والأمريكية بشكل خاص، وذلك بعد زيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” منتصف يوليو 2022 إلى المملكة العربية السعودية لحضور قمة جدة التي شارك فيها رئيس المجلس الرئاسي اليمني، وعقد “بايدن” على هامش القمة مباحثات مع القيادة السعودية بشأن تعميق وتمديد الهدنة الأممية الموقعة بين المجلس الرئاسي والحوثيين لمدة ستة أشهر إضافية بعد انتهائها في 2 أغسطس الجاري، ويرجع هذا إلى رغبة “بايدن” في تحقيق تقدم بالملف اليمني، خاصة مع اقتراب الانتخابات النصفية الأمريكية المقررة في نوفمبر 2022، وهذا بعد أن فشلت وعوده السابقة في إنهاء الحرب باليمن.

ولذا فإن المجلس الرئاسي أبلغ المبعوث الأممي لليمن “هانس غروندبرغ” أواخر يوليو 2022، موافقته على تمديد الهدنة للمرة الثالثة، وأكد “العليمي” خلال مباحثات هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن”، في 1 أغسطس 2022، التزامه بنهج السلام العادل والشامل، مطالباً المجتمع الدولي بالضغط على المليشيات الحوثية لتنفيذ بنود الهدنة ووقف الخروقات والانتهاكات المستمرة التي تقوم بها.

تهميش الإخوان

3- تقليص نفوذ قيادات حزب الإصلاح الإخواني: يريد “العليمي” بهذه التغييرات إبعاد جماعة الإخوان الممثلة في “حزب الإصلاح اليمني” عن المشهد السياسي، وإتاحة الفرصة لقيادات “المجلس الانتقالي الجنوبي”، خاصة أنه منذ تشكيل المجلس الرئاسي وقيادات الإخوان وعلى رأسهم وزير الداخلية “إبراهيم حيدان” تقوم بالعمل بعيداً عن الحكومة لتحقيق مصالحها، وهذا ما دفع “العليمي” لإصدار توجيه أواخر يونيو 2022 إلى وزير الداخلية لوقف جميع عمليات التجنيد المشبوهة التي يقوم بها عناصر الإخوان في تعز، والتي تأتي بأوامر من الإخواني “علي محسن الأحمر” نائب الرئيس اليمني السابق، بهدف العبث بقرارات المجلس الرئاسي في محور تعز الإخواني.

ولا تزال المشاورات جارية حتى الآن بشأن الوصول إلى توافق حول تغيير وزير الداخلية، ومنح هذه الوزارة لتكون هي الأخرى من نصيب المجلس الانتقالي الذي طرح بالفعل اسم اللواء “ناصر لخشع” من محافظة أبين لوزارة الداخلية، خاصة أن الوزارات التي شملها التعديل جاءت من نصيب الجنوب اليمني، وهناك أيضاً مشاورات بشأن تعيين شخصية من الشمال لرئاسة الأركان للجيش الوطني، وهو ما يرفضه الإخوان بشدة، إضافة إلى أن تعيين “الثقلي” محافظاً لسقطرى بدلاً من المحافظ الإخواني السابق “رمزي محروس” يعد ضربة أخرى للإخوان، خاصة أن “الثقلي” معروف عنه معارضته لهذه الجماعة، وهو أول من قاد الانتفاضة الشعبية على حكم “محروس”، وهو ما أدى إلى طرد المحافظ الإخواني من سقطرى قبل سنتين، بعد سيطرة المتظاهرين على مقر السلطة المحلية، ولذلك شن الإعلاميون الموالون للإخوان حملة لانتقاد تعيين “الثقلي” محافظاً لحضرموت.

نفوذ عسكري

4- تعزيز وحدة المؤسسة العسكرية لمواجهة الإرهابيين: يعني إجراء تعديل وزاري على وزارة الدفاع (أبرز الحقائب الوزارية السيادية) واختيار شخصية توافقية جنوبية مثل “محسن الدرعي” وزيراً للدفاع، خلفاً للفريق “محمد علي المقدشي” الذي ترأس هذه الوزارة لأكثر من أربع سنوات؛ أن “العليمي” يسعى بقوة لمواجهة جميع التنظيمات الإرهابية المنتشرة بالبلاد، وعلى رأسها القاعدة ومليشيا الحوثي، فكلاهما عمل على التعاون معاً وكثفا من أعمالهم الإرهابية إبان تشكيل المجلس الرئاسي، واعترف بذلك تنظيم القاعدة في بيان له أواخر يونيو 2022، بعد مقتل أهم قياداته في شبوة وهو “يونس محمد عوض القشعوري” الذي كان المسؤول عن عمليات التنسيق المشتركة بين القاعدة والحوثي.

ولهذا فإن وضع الاختيار على “الدرعي” أحد أبرز القيادات العسكرية في الجيش الوطني اليمني والذي شارك في غالبية الحروب ضد مليشيا الحوثي المدعومة من إيران ويحظى بتوافق مختلف الأطراف بالشمال والجنوب؛ يأتي لتعزيز وحدة المؤسسة العسكرية، وهذا من شأنه تصعيد العمليات العسكرية لاستعادة جميع المناطق والمواقع التي وضع الحوثي يده عليها خلال السنوات الخمس الماضية، وتحديداً في الجوف والبيضاء وشرق صنعاء، ومديريات بيحان، وهذا بالتنسيق مع قوات العمالقة الجنوبية التي نجحت خلال الأشهر الماضية في رفع الحصار الحوثي عن مأرب وتحرير شبوة.

دعم شعبي

5- الحصول على دعم الشارع اليمني: يريد “العليمي” بهذه التغييرات كسب ثقة اليمنيين، والقول لهم إن المجلس الرئاسي هدفه الأساسي هو إخراج اليمن من جميع الأزمات التي تواجهه، وأن مطالب الشعب تعد الأولوية الرئيسية للمجلس، ولذلك عقب الإعلان عن تعيين محافظ جديد لحضرموت، خرج المواطنون مساء 31 يوليو 2022 في مدينة المكلا للاحتفال بهذا القرار، خاصة أن فترة المحافظ السابق اللواء الركن “فرج البحسني” الذي تولى قيادة المحافظة منذ أكثر من خمس سنوات شهدت احتجاجات عديدة للمطالبة بتوفير الخدمات المعيشية بالمحافظة، وتوقف أعمال التضييق على الحريات. وبالانتقال إلى سقطرى، فإنها شهدت ترحيباً من قبل القوى السياسية والشعبية بالمحافظة التي كان يسعى الإخوان لتسليمها لمليشيا الحوثي.

إصلاح اقتصادي

6- التمهيد لإعادة بناء القدرات الاقتصادية: رغم أهمية التعديلات الوزارية للجانبين العسكري والسياسي، فإنها تعد ضرورة ملحة لحل الأزمات الاقتصادية التي يمر بها اليمن منذ أكثر من سبع سنوات، وهذا هو التحدي الأبرز على أجندة المجلس الرئاسي اليمني، خاصة أن نجاح أعضاء حكومة “معين عبدالملك” المكونة من 24 حقيبة وزارية في توحيد الصفوف لتأسيس أرضية لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة مليشيا الحوثي، وتطهير المؤسسات من فساد الإخوان؛ سيسهم بدوره في الإسراع من معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية في المناطق المحررة، ومن ثم بناء اقتصاد يمني قوي، بجانب حل أزمة النفط التي تثير غضباً شعبياً بسبب سيطرة الحوثيين على جميع مصادر النفط وبيعه في السوق السوداء.

استعادة الدولة

خلاصة القول، إن الهدف من إجراء الرئيس اليمني “رشاد العليمي” حزمة من التغييرات الهيكلية في السلطة، هو إيصال رسائل للقوى والتيارات السياسية المختلفة، وعلى رأسهم جماعة الإخوان، مفادها أنه ماضٍ في إعادة تشكيل الجبهة الوطنية التي سيطر عليها حزب الإصلاح الإخواني خلال السنوات الماضية، وفشل في إدارة شؤون البلاد، بل ومنح فرصة لمليشيا الحوثي للتغلغل والسيطرة على مزيد من الأراضي اليمنية، وإعادة هيكلة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وإقصاء أي شخص أو كيان يحاول عرقلة مسار عملية الإصلاح السياسي في اليمن، والتأكيد على أن المجلس سيكثف جهوده بالتعاون مع قوات التحالف العربي ورجال القبائل والمجلس الانتقالي الجنوبي والمنظمات الدولية المعنية، بما يحقق تطلعات الشعب اليمني باستعادة الدولة من الجماعات الإرهابية.