العلاقات العربية، وخصوصاً الخليجية، مع لبنان ليست بحاجة إلى مقدمات، لتاريخيتها وامتدادها العروبي والديني والاجتماعي وغيرها، ولسنا بحاجة إلى فقرات من المجاملة عن أهمية لبنان وتاريخه وإسهاماته… إلخ.
لكن الحقيقة أن العلاقات الخليجية- اللبنانية توقفت منذ سنوات عدة، إذ تشكل موقف خليجي شبه موحد ضد لبنان الرسمي المعادي للعرب عموماً والخليج خصوصاً. سحب الخليجيون سفراءهم، وأوقفوا المساعدات وحذروا من السفر إلى لبنان. فقد أصبح لبنان مصدراً للتخريب والتهريب، ومنبعاً للعداء ضد دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. فكان لبنان الممول والمدرب والمحرض والمعبئ للحوثيين والمشجع على استمرار الحرب على دول الخليج، وتحول إلى “ديلر” المخدرات وحبوب الهلوسة والكبتكه (من الكبتاغون)، في وقت تنهال فيه المساعدات والهبات والقروض والعطايا الخليجية على لبنان، أو بالأحرى على الدولة اللبنانية وليس للإنسان اللبناني. والقول إن كل شيء كان يذهب إلى الدولة اللبنانية ليست فيه مبالغة. فاللبناني المتعلم والغني والفقير والنبيه و “المعتّر” يدرك أن دولته تسرقه جهاراً ونهاراً، وأن المسؤولين هم المستغلون والمستفيدون. فتوقفت المصارف عن إعطاء الناس أموالها المودعة لديها، وتوقفت الدولة عن سداد ديونها، بل توقفت عن القيام بأبسط التزاماتها كدولة. فتحولت الشوارع إلى مكبات للنفايات، وتقطعت الكهرباء والمياه وجف الزرع والضرع، وصرخ الناس من الفقر والجوع. وتدل المؤشرات على أن الأوضاع ستزداد سوءاً وأن التدهور ما زال في بداياته.
قبل أيام، رأينا تحركاً خليجياً للعودة إلى لبنان وترميم العلاقة معه. والقصد هنا هو لبنان الرسمي وليس الشعبي. وكمواطن خليجي فإني أتحفظ على هذا التحرك ولا أجد له مبرراً. فما الذي تغير في لبنان الأمس الذي قاطعناه حتى نعود إليه؟ ما زال المشهد السياسي اللبناني تتصدره الوجوه نفسها والقيادات نفسها و”البيكات” و”الأوليغارك” الذين أفقروا الشعب اللبناني ونهبوا قوته ولقمة عيشه. وما زال “حزب الله” المعروف بالثلث المعطل هو المتحكم الأول بالقرار اللبناني. وأي عودة للعلاقات الخليجية – اللبنانية ستعني أول ما تعني تقديم قروض ومساعدات لإنقاذ الليرة التي لم تعد تساوي شيئاً، ومساعدات ستذهب إلى الجيوب نفسها التي سرقتها بالأمس القريب وما زالت مكدّسة بأموال الشعب اللبناني المنكوب.
يقول المثل الشعبي: “من دفره أبوه، دفره عمه”.
لماذا العودة إلى لبنان إذا ما كان لبنان نفسه يرفض العودة إلى نفسه وأهله؟ هل المطلوب أن نكون لبنانيين أكثر من اللبنانيين أنفسهم؟ أم أن نشكل ميليشيات مثل الآخرين ونؤدلجها ونضيفها جرحاً نازفاً في جسد لبنان النازف الجريح؟
بعيداً مما غنته فيروز “بحبك يا لبنان يا وطني بحبك”، وما غنّته أميمة الخليل على أنغام أوتار عود مرسيل خليفة: “يه يه يه يا شوارع بيروت الحرب اليومية”، وبعيداً من شعارات “لبنان الأخضر ولبنان المقاومة”، لنقلها بكل صراحة ومن دون مواربة أو مجاملة دبلوماسية: لا للبنان! إن العودة الخليجية الرسمية للبنان قبل أن يعود لبنان إلى نفسه، هو شرعنة للوضع القائم الذي قاطعناه بالأمس القريب.
على اللبنانيين أن يترجموا بقية أغنية أميمة الخليل: “خيراتك يا مدينة إلنا نحنا زرعناها، وعالساحة لمّا نزلنا كلمتنا قلناها”.
وإلا فلا للبنان حتى يعود لبنان لأهله.
نقلا عن اندبندنت عربية